لماذا سُجِلت «السمسمية» المصرية باليونسكو مع السعودية؟
نجحت مصر في تسجيل عنصرين في قائمة التراث الثقافي غير المادي بمنظمة اليونسكو، لعام 2024، خلال المشاركة في الدورة التاسعة عشرة للجنة الدولية لصون التراث الثقافي غير المادي بجمهورية باراجواي، والعنصران هما «الحناء.. الطقوس والممارسات الجمالية والاجتماعية» بالاشتراك مع 16 دولة عربية، و«آلة السمسمية: صناعتها والعزف عليها» في ملف مشترك مع المملكة العربية السعودية.
وقد أثار التسجيل المشترك بين البلدين تساؤلات عن عدم تسجيل مصر العنصرين كمشروع منفرد، بالإضافة إلى آلية التسجيل وسبب تسجيلهما كتراث مشترك مع دول أخرى.
السمسمية ورحلة خمس سنوات
في البداية، أدرجت «آلة السمسمية» باعتبارها من الآلات الشعبية ذات الأهمية الكبيرة التي استخدمها أهالي مدن القناة لتأجيج المشاعر الوطنية للمقاومة في الحروب مع الاحتلال الإسرائيلي، ويرجع الاهتمام بتسجيل عنصر السمسمية إلى أكثر من خمس سنوات. وتم إدراجها بمشاركة وفد مصري برئاسة الدكتورة نهلة إمام، مستشارة وزير الثقافة للتراث الثقافي غير المادي.
تولى الدكتور محمد شبانة أستاذ الموسيقى الشعبية بأكاديمية الفنون ومقرر لجنة الفنون الشعبية بالمجلس الأعلى للثقافة، رئاسة اللجنة العلمية القائمة بدراسة ملف آلة السمسمية والتي تضم متخصصين في الفلكلور والموسيقى.
في تصريحات خاصة لـ “باب مصر”، قال الدكتور شبانة: “أن السمسمية تحظى بانتشار واسع في العديد من المناطق المصرية، أبرزها قناة السويس ومنطقة الطور في البحر الأحمر، بالإضافة إلى حضورها في بعض الواحات مثل الواحات البحرية وواحة سيوة”.
وعن كواليس التسجيل، تابع: “تقدمت لجنة الفنون الشعبية بالمجلس الأعلى للثقافة بمقترح لتسجيل آلة السمسمية ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي لليونسكو، وذلك وفقاً لتوصية 2003. تم تقديم المقترح إلى أمين المجلس الأعلى للثقافة آنذاك، الدكتور سعيد المصري، الذي أبدى اهتمامه بالموضوع. وبعدها انتقل الملف إلى الدكتور هشام عزمي، الذي قرر تشكيل لجنة علمية برئاستي”.
وأوضح شبانة أن اللجنة قامت على مدار أكثر من عامين بجمع مواد ميدانية من مدن قناة السويس وبورسعيد والإسكندرية وغيرها من المناطق. مضيفا أن إجراءات تسجيل الملف تتطلب عدة خطوات، أولها جمع المادة الميدانية والعلمية من المتخصصين، ثم تقديم الموافقات من أهل الثقافة المعنية بتسجيلها ضمن التراث الثقافي غير المادي لليونسكو.
لماذا أدرجت السمسمية مع السعودية ؟
“هل تاريخ السمسمية باعتبارها رمزا للمقاومة الشعبية لا يعطيها الحق في تسجيلها مشروع منفرد لمصر ؟”، أجاب أستاذ الموسيقى الشعبية مفسرا التسجيل المشترك مع السعودية، وقال لـ “باب مصر”: “في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، كانت آلة السمسمية رمزا للمقاومة الشعبية، بعد تهجير أهل قناة السويس في عام 1956 و 1967 وصولا إلى عام 1973، وشكلوا فرقا فنية للعزف على السمسمية لدعم الجنود في الجبهة”.
وتابع: “لكن تسجيل الملف لا يركز على الامتدادات التاريخية للآلة، بل يهمنا أن تكون حاضرة في الثقافة الشعبية ومؤثرة فيها. ما يطلق عليه التنمية المستدامة ويتجسد في أن الناس ما زالوا يستخدمونها ويعتبرونها جزءاً مهماً من حياتهم. ولا شك أن السمسمية كانت حاضرة في جميع تفاصيل الحياة الاجتماعية في مدن القناة، سواء في مقاومة الحرب أو في البهجة والاحتفالات الاجتماعية مثل الزواج”.
وأضاف الدكتور شبانة: “السمسمية موجودة في السعودية أيضاً، ولكن كل آلة لها سياق ثقافي خاص بها في كل بلد. عندما أعمل على ملف خاص بي، أقدمه بشكل منفصل عن ملف السعودية، حيث تحكم لجان التحكيم على كل ملف على حدة. نحن لا نتدخل في السياق الثقافي للآلة في بلد آخر، وهم لا يتدخلون في سياقنا، فكل بلد تقدم سياقاتها الفنية والاجتماعية الخاصة بالعنصر الذي تسعى لتسجيله”.
ملفات مشتركة
وفسر سبب تسجيل العنصران بشكل مشترك، لأن تسجيل ملف منفرد لأي دولة يتكرر كل ثلاثة اعوام، موضحا: “مصر سجلت عدداً من الملفات في اليونسكو في السنوات الماضية، ولم يكن بإمكاننا تقديم الملف كمشروع مصري منفرد بسبب الشروط. لكننا استطاعنا تقديمه بشكل مشترك مع دولة أخرى. المملكة العربية السعودية أبدت رغبتها في المشاركة معنا في تقديم الملف، ليصبح مشتركاً بين البلدين، وهو ما تفرضه الإجراءات الإدارية لتسجيل الملفات”.
وأردف: “الشهادة ستُمنح لمصر باعتبار أن العنصر موجود في ثقافتها، وأخرى للسعودية لوجوده في ثقافتها كذلك. هذا لا يقلل من أهمية مصر أو السعودية، بل يعكس التنوع الثقافي بين البلدين. مع العلم أن هناك فرقاً كبيراً بين ما يُقدَّم في مصر وما يُقدَّم في السعودية”.
قال الدكتور شبانة: “لقد قدمنا ملف السمسمية منذ ما يقرب من عام، حيث تستغرق دراسة الملفات وقتاً طويلاً يشمل دورات من المناقشات واللجان التحكيمية في اليونسكو، التي تراجع الملف وتوصله إلى المراحل النهائية. كان آخر تلك المراحل في باراجواي، حيث تم مناقشة عنصرين هما الحناء والسمسمية، إضافة إلى المهارات والصناعات الفنية المرتبطة بهما”.
وأضاف: “نحن حريصون على تسجيل الملفات سواء كانت مشتركة أو منفردة، ولكن يكون لكل ملف خصوصيته ويعبر عن الثقافة المصرية بشكل منفرد. حالياً، نحن بصدد تسجيل آلة العود كملف مشترك لـ 26 دولة عربية، من بينها مصر. ونأمل أن يُقبل الملف في عام 2026”.
للطنبورة والريس زكريا
تعد السمسمية من الثقافة الشعبية في مدن قناة السويس، تُستخدم في المناسبات المختلفة مثل الأعراس، والحج، وحفلات النجاح. وتقدم عدة فرق هذا الفن، أبرزها فرقة «الطنبورة» التي أسسها الراحل الريس زكريا إبراهيم، ومن أبرز الأغاني الوطنية للفرقة:
“بلدى يا بلد الفدائيين .. بلدى يا بلد الثوريين .. بفخر بيكى فكل مكان .. و حلف بيكى ألف يمين .. أه بلدى يا بلد الفدائيين”
وأغاني أخرى وطنية لفرقة ابناء الإسماعيلية أبرزها أغنية “أبويا وصاني”:
“يا دنيا سمعاني.. أبويا وصاني.. ما أخلي جنس دخيل يخش أوطاني
الأرض دي أرضي.. احميها أنا وولدي.. أفديها بالأرواح وتعيشي يا بلدي”.
واستكمل د. محمد: “كان الريس زكريا صديقاً عزيزاً وقدم دعماً كبيراً في الموافقات وحضور الحفلات في بورسعيد. من بين الفنانين الذين أسهموا في جهود تسجيل الملف كان الريس أحمد العشري ووالده، الأستاذ العشري الكبير”.
شملت الدراسة والتوثيق السفر إلى المدن لتوثيق صناعة آلة السمسمية، وسجلت اللجنة خلالها مع الفنانين محسن العشري وأحمد العشري ومحمود غندر، وأضاف: “كان للدكتورة نهلة إمام دور كبير في تنقيح الملف وترجمته، كما شاركت مؤسسات أخرى بوزارة الثقافة في هذا المشروع”.
آلات مصرية بحاجة للتسجيل
ويضيف د. شبانة : «بجانب السمسمية، توجد آلات مصرية لها سمات خاصة تختلف عن الموجودة في دول أخرى، مثل “الأرغول” و “الربابة” و”المزمار”، ويرى المتخصص في الفن الفلكلوري أنها من المشاريع التي تستحق التوثيق مستقبلا ولكن لم يتم العمل عليها بعد».
وتابع: “تسجيل هذه الآلات والاهتمام بها يعكس تقديرنا للفن الفلكلوري. بجانب ضرورة الاستفادة ماديا لدعمها وضمان استدامتها.”.
السمسمية وحروب الاستنزاف
من جانبه تحدث خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو لجنة التاريخ والآثار بالمجلس الأعلى للثقافة، رئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية، عن اتفاقية حماية وصون التراث غير المادى 2003 دخلت حيز التنفيذ عام 2006 ووقعت عليها 134 دولة منها مصر ويقصد بالتراث الثقافي غير المادي الممارسات والتصورات وأشكال التعبير والمعارف والمهارات وما يرتبط بها من آلات وقطع ومصنوعات وأماكن ثقافية تعتبرها الجماعات والمجموعات وأحيانًا الأفراد جزءًا من تراثهم.
وأوضح الدكتور ريحان لـ “باب مصر”: “أن آلة السمسمية آلة وترية مصرية محلية لها جذورها في مصر القديمة وتشتهر بمحافظات بورسعيد والإسماعيلية والسويس وغالبًا ما تعزف السمسمية مع رقصة مصرية تسمى” البامبوطية” ، وأصل السمسمية هي آلة الكنارة المصرية القديمة وكانت تشبه إلى حد كبير آلة الهارب الحالية إلا أنها أصغر حجمًا وبعدد سبعة أوتار مصنوعة من أمعاء الحيوان، وسميت بهذا الاسم لأن شكلها يشبه حبة السمسم، وتنقسم السمسميات الشرقية إلى 4 أنواع رئيسية السمسمية الثور والسمسمية السميكة والسمسمية الرفيعة والسمسمية العملاقة، وأشارت بعض الروايات إلى أن السمسمية وصلت إلى مدن القناة عن طريق أهل صعيد مصر الذين كانوا يعملون في حفر قناة السويس ومرت السمسمية بالعديد من التطورات حتى وصلت إلى شكلها الحالي ولعبت آلة السمسمية دورًا في فترة حرب الاستنزاف في حيث كانت الأداة الأكثر تأثيرًا في الحرب الإعلامية حيث استخدمها سكان القناة في المقاومة”.
الحناء..طقوس مصرية
بالانتقال إلى العنصر الثاني المسجل، وهو «الحناء: الطقوس والممارسات الجمالية والاجتماعية» قدمت الدول العربية الملف كتراث مشترك، لكن على حد وصف الدكتور أسامة غزالي الباحث في البيئة والتراث، فإن الحناء كنبات قديم يرجع إلى آلاف السنين مرتبط أيضا بالهند وإيران وثقافات مختلفة.
وتابع غزالي في تصريحات خاصة لـ “باب مصر”: “أن الحناء نبات طبي غير مقتصر على الطقوس الاحتفالية والزفاف، وأنها كثيرة للاستخدام للسيدات والرجال للشعر والعلاج من الأمراض مثل وضعها على القدم لمعالجة الفطريات بين الأصابع”.
وأوضح أن أكثر المجتمعات تأثرا بطقوس الحناء الاحتفالية هي النوبة والصعيد وواحة سيوة، فضلا عن وجودها في القاهرة والدلتا.
ورصد استخدامات الحناء كجزء من التراث المصري، وأضاف: “في النوبة يتم جلب الحناء موضوعا في صينية كبيرة ومعها المخملية والبخور الذي يتم وضعه بها، والعطور، ثم تحملها سيدة عجوز أو الأكبر سنا من عائلة العروس وتجوب بها القرية وصولا للعروس، ثم تبدأ تجهيزات الحناء للعروس في اليد والقدم وأجزاء اخرى في الجسد”.
أساطير الأرواح الشريرة
واستكمل: “يسبق الزفاف في الصعيد وأسوان – ليلة الحنة – تعد الليلة الأهم لأنها تحدد ما قبل الزفاف وبعده، لأن الحناء ارتبطت في ثقافات عديدة ومن بينها مصر، بالقضاء على الأرواح الشريرة والانتقال من حياة لأخرى، وتتشابه الصعيد في هذا الأمر مع الجزائر والأساطير التي تتعلق بالحناء والأرواح الشريرة والقمر والشر والحسد، كأن العروس والعريس يبدأن حياة جديدة، وكانت تمتد ليلة الحنة لـ 15 يوم قبل الزفاف، يتخللها الأكل والولائم، وخاصة ان ليلة الحنة كانت تُقام عند العريس والعروس على حدا”.
وأردف: “توضع الحناء في صينية كبيرة في وسط قلل فخارية، ويوضع في الحناء خمسة شمعات للحسد، وفي الصعيد ازداد الاعتقاد بارتباط الحناء بالخوف والحسد، وكان يتم إعدادها بماء ورد، لكن خوفا من وضع عمل سحري أو قراءة كلمات مشعوذة في ماء الحناء، والبعض كان يعد الحناء في وجود المشايخ لقراءة آيات قرآنية على الماء كحماية، اعتقادا في الشعوذة”.
ولم يقتصر استخدام الحناء في الاحتفالات والزفاف فقط، بل تتعلق بأمور أخرى أثناء ذبح الحيوانات، والانتقال لبيت جديد كان يتم عمل الحناء وطبعها كف على المنزل للحسد”.
فخار سيوة بالحناء.. تراث مهدد
يعتقد الباحث أسامة غزالي أن التطبيقات المتعلقة بعنصر الحناء تستحق التسجيل، ومن بينها انفراد واحة سيوة بالفخار السيوي الفري من نوعه، وهو واحد من نوعين فخر في مصر تصنعه النساء كفن نسائي وتدخل الحناء في صناعته إذ يتم تزيينه بوضع النقوش عليه بالحناء.
وأضاف لـ “باب مصر”: “التراث المادي المتعلق بالحناء وهو فخار سيوة الوحيد في مصر ويوجد أيضا في واحة في جنوب ليبيا وواحة في الجزائر والغرب لكن في سيوة مهدد بالاندثار”.
كذلك ارتبطت الحناء في سيوة بعادات متنوعة، منها عادة “السبوع” حين يتم الطفل الأسبوع الأول من عمره، وأوضح كواليس هذه الطقوس: “يتم جلب إناء فخار وتضع فيه السيدة ماء وحناء وقطعة حلي من الفضة خاص بها، ثم تحطم الإناء بما يتضمنه”، ويصف هذه العادة: “كأنها تطير ورا الشر” اعتقادا من السيدة بإبعاد الشر عن ابنها.
وهذه العادة نفسها مُتبعة بطريقة مشابهة في الصعيد مع الأطفال، واستكمل: “خلال ختان الطفل يتم وضع الطفل بالكامل في الحناء ويرتدي ملابس بيضاء، وارتبطت هذه العادة المستمرة باعتقادهم لانتقال الطفل لحياة جديدة كأنه عريس”.
اقرأ أيضا:
نهلة إمام: الأهم من تسجيل «اليونسكو» أن يكون لدينا أرشيف وطني كبير
فيديو| في إسنا.. حنة العريس شكل تاني