«لعبة الشيطان».. كيف ساعدت الولايات المتحدة على إطلاق العنان للأصولية الإسلامية
كتب – مارك أمجد
يطرح مؤلف الكتاب روبرت دريفوس أفكاره على النحو التالي؛ بينما نحن نراقب الآن ثورة عنيفة في محافظات إيران، ونرى “ترامب” على تويتر يدفع بالشباب الإيراني دفعا نحو اختيار مصيره. يجب أن نتذكر شيئين في غاية الأهمية: أن الرئيس الأمريكي لن يشجع أبدا رغبات ثورية شبابية، إن لم تكن تتسق من البداية مع مصلحة أقوى دولة في العالم، الأمر الثاني، أن هذه المشاهد التي نراها لاصطدام قوات ردع الشغب بالمتظاهرين، جديرة أن تعيد إلى أذهاننا مشاهد من الثورة الإيرانية عام 1979 حينما أسقطت التيارات اليمينية الشاه، وظهرت للسطح ما عرفت وقتها بالجمهورية الإسلامية الإيرانية.
هل تفاجأت أمريكا في السبعينات بهذه الثورة؟ إلى حد كبير نعم، ويرجع هذا إلى فقر معلومات أجهزتها الاستخباراتية، وعدم معرفتهم الجيدة بالخميني التي تلخصت في أنه بالنسبة لهم “زعيم ديني”، والسبب الثالث كان ثقتهم الشديدة بقوة الشاه، وبجهازه السافاك (جهاز المخابرات والأمن القومي الإيراني) الذي خضع النظام، لكن ما الذي يهم أمريكا أصلا في الشأن الإيراني، كي تسعى دوما أن تكون في طليعة الدول الكبرى التي تتحكم في خيوط الأوضاع هناك؟ إذا لم تكن تعرف الإجابة فعلا، فأنت لا تعرف إذا أن أمريكا اهتمت منذ وقت بعيد جدا، بكل بقعة في العالم، تتوفر بها تربة جيدة لغرس بذور الإسلام السياسي، الذي من شأنه أن يكون الجني الذي سيلبي كل الرغبات، ويقضي على كل الأعداء، أو بمعنى أدق، السوفييت الشيوعيين.
إن نظرة متأنية لتاريخ العالم في القرن العشرين؛ بداية من الحرب العالمية الثانية، إلى الحرب العربية الإسرائيلية بكافة جولاتها من 67 حتى 73، إلى جهاد المسلمين الأفغان ضد الاتحاد السوفيتي في الثمانينات، كفيلة بإقناعنا أن كل ما وصلنا له الآن، تحكمت فيه قوتان، حتى إن لم تكونا تحت الضوء دوما: هما الأمريكان والسوفييت، وبينهما الإسلام، لكن ليس كدين، بل كعقيدة حربية كافية لتحفيز مُلتحين أصوليين، باختلاف جنسياتهم، على حمل أسلحة أجنبية، لنصرة دينهم ومحاربة عدوهم، لصالح كيان آخر لا يهمه الإسلام أصلا. الجوكر الوحيد باللعبة، المالك الخفي للعتاد والسلاح. وكما تقول قوانين الحرب: “عدو عدوي، صديقي”.
نهج واحد غبي اتبعه السادات وأمريكا
لقد لعب السادات في سبعينات القرن المنصرم، لعبة أذت مصر كثيرا وأرجعتها بين الدول القبلية، لكنها قتلته في النهاية، في يوم احتفاله بإنجازه الحربي الشهير: عبور قناة السويس في شهر رمضان. ولاختيار هذا الشهر بالذات دلالة لن نفوتها. إذ انتوى السادات أن يكون خليفة جديدا بزي مدني معاصر وغليون. ما فعله السادات هو أنه هيأ مصر كي تستقبل كل اليمينيين الذين لفظتهم في عهد ناصر، وكان دافعه الأكبر؛ إخافة الناصريين والشيوعيين وتحصين نفسه بهالة من الجماهير، تليق بأول رئيس مؤمن لمصر. كذلك أمريكا، ستنفق أموالا بأرقام عجيبة كي تبني ترسانة لها في أفغانستان لزعزعة السوفييت، وستساهم بشكل سري في بناء جماعة طالبان الإرهابية، غير عالمة أنها بفعلتها هذه غذّت وحشا كبيرا، سيفلت من معقله يوما، ليلتَهَم أبناءها الأبرياء وهم يتساقطون من برجيّ التجارة العالميين في نهار سوّدته الأدخنة، من أيلول 2001.
كذلك السادات، ترك الحبل للإسلاميين المتشددين، الذين خرج من عباءتهم من قبل ثورة 52، وكان هو حلقة الاتصال بينهم وبين تنظيم الضباط الأحرار، حتى لفوا ذلك الحبل حول رقبته، وقتله الثعبان الذي كان يوما ما حاويه.
جمال الدين الأفغاني وحسن البنا وبن لادن
لعل الصورة التي في أذهاننا عن الشيخ جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده، هي أنهما كانا صاحبي مدارس مُجدِدة مستنيرة، لكن بما أننا عرب، يبدو أن هناك من لا يشاركونا هذه الصورة، ولديهم معلومات قد تصدمنا: إذ يرى مؤلف كتاب لعبة الشيطان أنهما كانا دجالين، ملحدين، عملا لصالح الدول التي تدفع أكثر كي يساعدون على جذب الناس، باسم الدين، في الحقل المطلوب. كما يرى المؤلف أن الأفكار التي مهّد لها الأفغاني ومحمد عبده، هي التي سيسير على خطاها حسن البنا عندما سيشكل في محافظة الإسماعيلية عام 28 جماعة بسيطة ستنطلق لكافة أقطار المسكونة لتصير حزبا سياسيا وميليشيا مسلحة، لها القدرة على تحديد مجريات الأمور في الشرق الأوسط. ثم يأتي في الأربعينات أبو الأعلى المودودي في الأربعينات ليحاكي البنا بتجربة باكستانية هذه المرة. وفي النهاية، السعودي بن لادن، الذي لن يقنع بالمناوشات المحدودة، وسينقل الجهاد لمستوى العالمية، في نيويورك.
جميع وجهات النظر السياسية المطروحة تخص مؤلف الكتاب وليس كاتب المقالة.
قيل عن الكتاب أنه أول وأوفى بحث في السياسة الأمريكية على مدى ستين عاما من الدعم الأمريكي للأصولية الإسلامية.
المؤلف روبرت دريفوس
عمل كرئيس تحرير مشارك لمجلة The Nation الأمريكية. ومحرر مسئول عن تغطية شئون الأمن القومي في مجلة The Rolling Stone. تُنشر مقالاته في عدة صحف منها: Washington Monthly, The New
Republic, The Texas Observer.
الكتاب نُشر لأول مرة عام 2005 في نيويورك، وصدر بالعربية عن دار الثقافة الجديدة بالقاهرة في 387 صفحة من القطع الكبير عام 2010. ترجمة أحمد مصطفى حسونة وراجعه الأستاذ الدكتور عبد المنعم خربوش.