كيف رمز المصري القديم إلى الحياة؟
“عنخ” أو علامة الحياة، الذي يطلق عليها اصطلاحا مفتاح الحياة، رمز مصري قديم، واكب اختراع الكتابة المصرية القديمة، واستخدم كتميمة لبعث الحياة وتجددها، لذلك نراه معلقًا في أيدي الآلهة والملوك.
وعلى مدار عقود حاول علماء الآثار تفسير شكل تلك العلامة والتي تتكون من دائرة بيضاوية يمتد منها خط رأسي، يتقاطع مع خط أفقي، وسجلت عشرات النظريات حول مدلول العلامة، والتي ركزت على ربط شكل العلامة بمدلولها اللغوي وهو الحياة.
ورغم أن شكل العلامة مستوحى من رباط النعل، كما يذكر الدكتور عبد الحليم نور الدين في بحثه “الرموز والتيجان في مصر القديمة”، إلا أنه لا يُعرف ما العلاقة بين الشكل وبين المعنى المجازي للحياة.
وحدة الحياة في مصر
ويعتقد الباحث الأثري خالد بكير أن علامة الحياة بشكلها المعروف ما هي إلا نموذج يرمز إلى الوحدة بين شطري مصر، مشيرًا إلى أن الجزء البيضاوي يشبه إلى حد كبير الدلتا وهي مصر السفلى، بينما الجزء العمودي الممتد أسفلها هو الوادي أو مصر العليا، ويرمز الخط الأفقي إلى صحاري مصر الشرقية والغربية.
ويتابع أن الظهور الأول لعلامة الحياة كان بعد انتصار الملك نارمر (3100 ق.م) على ملوك الشمال وتوحيد شطري مصر تحت تاج واحد، والذي اعتبره المصريون بداية حياة جديدة.
ويوضح بكير أنه يمكن القول أن علامة الحياة في شكلها الحالي تمثل خارطة مصر، التي صنعها النيل.
الزواج المقدس
ويرى المرشد السياحي رمضان عثمان أن العلامة ترمز إلى اتحاد جهازي التناسل الذكوري والأنثوي، وأن الشكل البيضاوي يرمز إلى الجهاز الأنثوي، بينما الجزء العمودي يرمز إلى الجهاز الذكوري، التقائهما يرمز إلى الزواج المقدس، الذي ينتج الأطفال ممثلين في الخط الأفقي.
يتابع أن المصريين القدماء كانوا من أوائل من أصل فكرة الزواج لحفظ الحياة، بدليل أنهم وضعوا الآلهة في ثالوث مقدسة، يتكون من الأب والأم والابن في إشارة إلى استمرار الحياة من خلال علاقة الزواج .
أصل الوجود
صلاح يرى أن العلامة تشرح في شكل مبسط بداية الخلق، وأن الشكل الأفقي يرمز إلى السماء المنبسطة، ويرمز الشكل العمودي إلى خروج الحياة من الأرض وصعودها إلى السماء، في إشارة إلى تعاقب الموت والحياة، ويمثل الشكل البيضاوي إما البيضة الكونية، التي انبثقت منها جميع المخلوقات أو قرص الشمس، الذي بعث الحياة على الأرض حين أشرق لأول مرة التل الأزلي.
أما علامة الخرطوش الملكي ما هي إلا أحد تطورات علامة الحياة، كما أن الخرطوش عبارة عن شكل بيضاوي مطول ينتهي بأربعة خطوط رأسية تتقاطع مع خط أفقي، موضحا أن الشكل البيضاوي يرمز للشمس والخطوط الرأسية ترمز إلى الأشعة والخط الأفقي للأرض، وكان الملوك يكتبون أسماءهم في هذا الشكل، ضمانًا للحياة الأبدية.
الحبل السري
ويعلق على هذه النظرية الدكتور وائل سليمان، أستاذ الآثار اليونانية الرومانية بكلية السياحة والفنادق جامعة المنيا، أنه من الجائز صحة النظرية العلمية، مع أنها كانت تحتاج إلى بعض التوضيح بالأدلة والبراهين .
استخدامات العلامة
الباحثة زينب دياب، ماجستير في الفن المصري القديم، تقول إنه من الشائع أن نرى علامة الحياة في أيدي تماثيل الملوك، لترمز إلى الحياة الأبدية، وكذلك استخدمت في تزيين أعتاب بوابات المعابد وأحيانا كانت تدمج مع علامات أخرى مثل علامة الاستقرار وعلامة القوة لتعطي معنى الحياة القوية والمستقرة.
وتلمح زينب إلى أن الاستخدام الأكثر شيوعًا كان استعمالها كتميمة لجلب الحظ والسعادة، وأن الفلاح المصري القديم اعتاد في موسم حصاد القمح أن يصنع علامة الحياة من سنابل القمح ويعلقها على شجرة أو نخلة، بجوار المحصول لاعتقاده أنها تجلب البركة والخير.
وتتابع دياب أن مفتاح الحياة استخدم كتميمة لطرد الأرواح الشريرة في حالات الولادة ويظهر ذلك واضحًا في أحد مناظر معبد كوم أمبو، الذي يمثل سيدتين تجلسان على مقعد الولادة بينما صورت علامة الحياة بجوارهما لطرد الأرواح الشريرة، وضمان حياة الأم والمولود.
ومن المناظر المعروفة في المعابد والمقابر الملكية منظر تقريب علامة الحياة إلى انف الملك بواسطة احد الآلهة في إشارة إلى منحه نسمات الحياة.
وتلفت إلى أن اللون المستخدم في تمائم علامة الحياة يؤدي إلى اختلاف المدلول السحري فمثلا في حال اللون الأزرق تشير إلى الحياة المتجددة وإلى مقاومة قوى الشر، وباللون الأخضر تشير إلى الصحة والشباب وباللون الأسود تشير إلى الحظ السعيد .
تعليق واحد