كيف احتلت أوروبا أفريقيا بألوان «الخرز» الزاهية؟
عشق الأفريقي للألوان الزاهية والجميلة يضرب بجذوره في أعماق التاريخ، ويرى بعض الباحثين أن الدول الاستعمارية في أوروبا، احتلتها بحجة بيع “الخرز”، الذي يتميز بألوانه الرائعة ولا يتوفر في البلدان الإفريقية ، بل خصصت الكثير من البلدان الأوروبية خطوط إنتاج متخصصة في صناعة “الخرز”، لبيعه للأفارقة مقابل استبداله بالعاج الموجود في سن الفيل.
وقالت الدكتورة آمال حمدي أسعد، رئيس قسم الأشغال الفنية والتراث الشعبية في كلية التربية الفنية بجامعة المنيا، خلال مشاركتها في جلسة الثقافات الشعبية والفنون البصرية، “التصوير والنحت والجداريات والعمارة”، والتي تم عقدها خلال الملتقى الدولي الثالث لتفاعل الثقافات الشعبية في أفريقيا، المقام حاليا في قصر ثقافة أسوان خلال الفترة من 13 حتى 16 نوفمبر الحالي، إن الإنسان الأفريقي كان يستخدم “الخرز” في تزيين العديد من الأعمال الفنية الخشبية، إضافة إلى استخدامه في تزيين ملابسه.
الأقنعة الخشبية
وأضافت أن الأقنعة الخشبية التي يرتديها زعماء ورؤساء القبيلة كانت تزين بالخرز، وكان الهدف منها التخفي، نظرا لأن كل زعيم أو رئيس قبيلة كانت له هيبة كبيرة، لذا كان يرتدي القناع ليكسر الحدة بين الملك وشعبه أو بين زعيم القبيلة وباقي اتباعه.
وأكدت آمال حمدي، أن الفنون الإفريقية هي فنون فطرية تمتاز بالأصالة وتعبر عن الماضي وتترجم التقاليد وتحمل في طياتها ثقافة القبيلة التي تنشأ فيها وهي تعبر عن الفكر المرتبط بالعقيدة والاحتفالات ذات الطابع السحري، لذا أصبح الفن الأفريقي ذو طابع خاص عن الفنون الأخرى.
الخامات الطبيعية
وأشارت إلى أن البيئة أثرت على نوعية وشكل الفن الأفريقي، فالأفارقة يعيشون في تجمعات صغيرة متميزة وأثرت فيهم جغرافيا المكان مثل درجة الحرارة والغابات الكثيفة التي تمده بالأخشاب التي ساعدته على إنتاج مشغولات خشبية رائعة، حيث استخدم الإنسان الأفريقي معظم الخامات الطبيعية البيئية في أعماله وكان أهمها الأخشاب، بالإضافة إلى خامات أخرى مساعدة لإظهار الزخارف والموز مثل المعادن والعظم والقرون.
وأوضحت أن المشغولات الإفريقية تصنف وفقا للأغراض الوظيفية مثل الأقنعة الخشبية الإفريقية سواء كانت محمولة أو ملبوسة فوق الرأس أو على الوجه، أو مثل أدوات الزينة الخشبية كأمشاط الشعر أو الأدوات التي تستخدم في الأغراض المنزلية مثل الملاعق والأواني والأوعية والأكواب والكؤوس، فضلًا عن المشغولات الخشبية الأخرى مثل الطبول والصولجان والعصا ومساند الرأس.
المشغولات التراثية
وأكدت أن الفن الأفريقي المعاصر أصبح منتشرا عالميا كتراث إنساني مثله مثل باقي المشغولات التراثية الأخرى، ويعرض حاليا في المعارض المختلفة والمحال المخصصة للتراث في أوروبا وأمريكا وغيرها، وتتميز الفنون الإفريقية بالثراء الفني الكبير، وأصبح هذا التراث مصدرا لكسب الرزق لدى الكثيرين، حيث تباع بعض الأقنعة التي تعلق على الحوائط كتذكارات سياحية في العديد من البلدان.
تميز نساء ولاته الموريتانية
ومن جانبه قال محمدن أحمد سالم أحمدو، الفنان الموريتاني، خلال الجلسة، إن لوحة الزخرفة التي تشتهر بها مدينة ولاته التاريخية في موريتانيا تشكل تراثا ثقافيا شعبيًا، حيث تتفرد هذه المدينة بهذا النوع من الزخرفة والتي لا يقيم بها سوى نساء المدينة فقط.
وأوضح أن الوسائل المستخدمة لرسم لوحات الزخرفة في مدينة ولات الموريتانية هي مواد بسيطة للغاية؛ مثل الطين الملون والصمغ، تستخدمها المرأة الموريتانية ببراعة شديدة في إنجاز الزخارف المختلفة.
وأشار محمدن إلى أن الغموض مازال يكتنف تاريخ ونشأة وأصول هذه الزخرفة في مدينة ولاته، وعلى الرغم من الدلالات والمعاني الرمزية لهذه الزخرفة إلا أنها مازالت سرا محجوبا استأثر به سكان هذه المدينة، ومازال هذا الفن يحتاج إلى المزيد من اهتمام الباحثين لدراسة البعد الثقافي الشعبي لهذه الزخرفة.