كيف احتفلت أسيوط بعيدها القومي؟
تصوير: أحمد دريم
ألغت محافظة أسيوط، احتفالاتها باليوم الوطني، الذي يوافق 18 إبريل من كل عام، ضمن الإجراءات الوقائية والاحترازية لمواجهة فيروس كورونا المستجد “كوفيد 19”.. فمنذ 221 عامًا، استطاعت قرية بني عدي بمركز منفلوط، قهر الفرنسيين، في معركة أسطورية، ولم يكن عدد سكانها يتجاوز وقتها الـ10 آلاف نسمة.
وقاومت القرية مدافع العدو بأغطية الأواني والعصي والسكاكين، حتى تقهقروا إلى الجبال، ثم انسحبوا بغير رجعة، واتخذت محافظة أسيوط من يوم 18 إبريل 1799 عيدًا وطنيًا تحتفل فيه بهزيمة الفرنسيين كل عام.
معركة على أرض أسيوط
في يوم 18 إبريل 1799، تعرضت محافظة أسيوط، لحملة فرنسية غاشمة، تصد لهذه الحملة أهالي قرية بني عديات، الذين لم يتجاوز تعدادهم حينها الـ10 آلاف نسمة.
كان للقرية طابع خاص في مقاومة الحملة الفرنسية، استخدموا أغطية الأواني والعصي والسكاكين، ورغم بساطة السلاح إلا أنهم أجبروا المعتدي على التقهقر وراء الجبال، والانسحاب بغير رجعة, ولكن استشهد نحو 3 آلاف من أبنائها، أي ما يعادل ثلث سكان القرية.
توثيق التاريخ لمدينة أسيوط
يتحدث الدكتور محمد عبدالحميد الحناوي، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بكلية الآداب جامعة أسيوط، عن ثورة بني عدي ضد الفرنسيين.
يقول: “قامت تحت قيادة الشيخ أحمد الخطيب، وكان أهلها يرسلون جماعات منهم إلى النيل لمهاجمة السفن الفرنسية، واشترك جميع أهالي القرية من سيدات ورجال في المقاومة. وكانت قرية بني عدي القبلية والبحرية تعادل نسبة عدد السكان الموجودة بمدينة أسيوط في ذلك الوقت”.
ويضيف: اشترك الحجازيون القادمون من أرض الحجاز، وأهل المغرب العربي والعُربان في المعركة ضد الفرنسيين مع أهل القرية. وكان يوم 18 إبريل 1799 يومًا مشهودًا في تاريخ أسيوط. إذ ضرب أهالي بني عدي في هذا اليوم مثلًا رائعًا في البطولة والفداء.
ويكمل: “استبسل الأهالي في تلقي هجمات الجيش الفرنسي. فاشتبك الفريقان في معركة حامية دارت في طرقات القرية، وفي بيوتها التي حصنها الأهالي، وجعلوا منها شبه قلاع.
وانتهت المعركة بعجز الفرنسيين عن الاستيلاء على القرية، بسبب مقاومة الأهالي. فلجأوا إلى وسيلة الحريق، فأضرموا النار في بيوت القرية فأصبحت البلدة شعلة من النار.
وبهذه الوسيلة نجح الفرنسيون في الدخول لبني عدي بعد أن أصبحت رمادًا، واحتل الجنود ما بقي من بيوت القرية.
قصص الأحفاد
يقول الشيخ قوشتي عبدالرحمن، مدير عام بالمعاش، حفيد الزعيم الشهيد أحمد الخطيب، زعيم مقاومة بني عدي، تاريخ بني عدي بدأ منذ الفتح الإسلامي لمصر، بوفد جزء من قبيلة بني عدي ابن النجار أخوال سيدنا عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، إلى القرية.
وكانت تحمل وقتها اسم “غريب وجديم”، وتم تغيير اسم القرية بعدها لتحمل اسم القبيلة، التي قاومت العدو، وكان النصر حليفها رغم سقوط كثير من الشهداء، فما من عائلة منها إلا ومنها شهيد، حتى بلغ عدد الشهداء أكثر من 3 آلاف شهيد في الوقت الذي كان عدد سكانها قرابة 10 آلاف نسمة.
قرية قاومت الفرنسيين
قاومت القرية الفرنسيين ولاحقت سفنهم المارة في نهر النيل، فما كان منهم إلا أن قصفوها بالمدافع من فوق تبة “السبع بنات”، من الناحية الغربية البحرية للقرية، وأحرقوا القرية، إلا أن أهلها استمروا في المقاومة، وانتصروا على عدوهم، مما أجبرهم على الهروب، يصف قوشتي.
فوق تبة جبلية مرتفعة، أطلق عليها تبة “السبع بنات”، كانت تتمركز مدافع الفرنسيين، لضرب القرية، وهنا يحكي لنا أحد أحفاد الشيخ أحمد حُمان، خطيب المقاومة، ويقول، قرأت وحكوا لي أنه في الثامن عشر من إبريل 1799 جاء الفرنسيون ليحتلوا بني عدي، ونهب ثرواتها، وأموالها عن طريق النيل، فتصدى لهم أبناء القرية بالأسلحة البدائية البسيطة “عصا وشوم وأغطية الأواني وسكاكين”.
بسالة العدويين
يكمل، ولما انهزم الفرنسيون أمام صمود وبسالة العدويين لجأوا إلى حيلة وهي الدوران خلف بني عدي عن طريق الجبل واستوطنوا تبة عالية تسمى تبة “السبع بنات”، وهي أعلى مكان خارج البلدة، ويكشف القرية بمنازلها، وكانت بيوتنا وقتها بسيطة ومبنية بالطوب اللبن وعبارة عن دور واحد فقط، ونصبوا فوقها مدافعهم، وأخذوا في ضربنا بالنيران، حتى احترقت معظم القرية واستشهد حوالي 3 آلاف شهيد بها، وتم نهب ثرواتها.
لم يكن الرجال فقط، هم أصحاب البطولات في معركة أهالي بني عدي بالفرنسيين.
ولكن كان للمرأة دورا هاما في تكبيد العدو ويلات الخسائر، وكان بينهن أيضا الشهداء. وكانت أشهرهن الشهيدة عز العرب حسن مخلوف، إحدى شهيدات المقاومة.
يشرح محمد عبدالله محمد حسن مخلوف، موجه لغة عربية بتوجيه منفلوط الأزهري، وحفيد الشهيد عز العرب، تفاصيل ما حدث.
يقول إن منازل القرية كانت مكونة من دور أو دورين، والمباني مشيدة بطريقة قتالية، كانوا يصنعون فتحة في المنزل تسمى “سِنبلة” في الجدار المُطل على الشارع، يسمح للمقيم بالمنزل أن يرى من بالخارج، ولا يسمح لمن في الخارج أن يرى من في الداخل.
استراتيجية مختلفة للقتال
ويضيف: كان البُناة يقومون بعمل فتحات في المبنى تسمح بمرور الأسهم منها إلى خارج المنزل، لتصيب المحتل في مقتل. ومن هنا يبدأ دور النساء، وكن يقمن برمي السهام لتمر خارج الفتحة لتصيب الفرنسيين المارين في الشارع.
ويشير إلى أن النساء كن يعتلين أسطح المنازل لرمي الأحجار بالمقاليع المصنعة من ليف النخيل، التي تطورت لاحقا لـ”المنجنيق”.
يتابع حفيد الشهيدة عز العرب، كانت جدتي تقاتل بنفسها كسائر النساء، إلا أنها كانت تقود مجموعة مقاومة ضد المحتل لتخفف العبء عن الرجال، وعندما تفوقت القوة الفرنسية على جزء من المقاومة الشعبية، عمد الجيش الفرنسي إلى إطلاق الرصاص على النساء قبل الرجال، فأصيبت جدتي في عدة أماكن من جسدها، وتخلت عن رضيعها وألقته بجانبها، وتوفيت وكانت وقتها في أوائل الأربعينيات من عمرها.
وعن سبب هجوم الفرنسيين الضاري على بني عدي. يقول حفيد الشيخ العياط، إن شباب المقاومة ذهب إلى نهر النيل، يشاكس الفرنسيين مراكبهم المرابطة هناك. وكانت قريتنا هي الوحيدة التي تقاومهم، وتستعصي عليهم بصمودها. فقاموا بالهجوم على القرية وانهزموا في الجولة الأولى.
واستمرت المعركة 40 يوما متواصلة. ولم يجد الفرنسيون طريقا لمواجهة شراسة أبناء القرية، إلا الحيل الخداعية. فهاجموا من الخلف عن طريق الجبل. ثم صعدوا التبة وشيدوا أبراجا وغرفا للاحتماء بها. ونصبوا مدافعهم، في مواجهة القرية، لتحرق نيرانها بيوتنا.
ويكمل حفيد الشيخ العياط: رغم إحراق القرية، واستشهاد ثلث أبنائها تقريبًا، إلا أن الثلثين المتبقين، لم يخضعوا للهزيمة. فقاموا بنصب الأكمنة في الزراعات للفرنسيين، وبعد استدراجهم وإيهامهم بأن القرية انهزمت. وزحف الفرنسيون بريًا إلى قلب القرية، فباغتهم أهلها بالهجوم عليهم من الزراعات بأسلحتهم البسيطة، وهزموهم شر هزيمة. وفر الفرنسيون هاربين خارج القرية.
ملحوظة: شهادات الأهالي المذكورة حول وقائع المقاومة والمعركة تم الحصول عليها في عام 2016.
2 تعليقات