كيف أثرت الأغاني الشعبية في المقاومة الفلسطينية؟
انتشرت في الأيام الماضية أغنية لسيدة فلسطينية تدعى «أم العبد» أو «حليمة الكسواني»، تغنت أم العبد بكلمات وصوت شجي «شدو بعضكم يأهل فلسطين شدو بعضكم… ما وداعتكم رحلت فلسطين ما وداعتكم» وكأنها تنادي الأبناء والأحفاد من أهل فلسطين بالصمود أمام العدوان الغاشم على منطقة غزة، وأصبح الكثير يردد هذه الأغنية.
على مدار سنوات كثيرة، استطاع الشعب الفلسطيني أن يعكس نضاله المستمر في تراثه الشعبي الغنائي. إذ كان لهذا التراث باتساع أشكاله وألحانه دور مهم في تسجيل الأحداث الوطنية، وتأجيج المشاعر حتى أصبح جزءا من الشخصية الفلسطينية الوطنية.. «باب مصر» يستعرض بعض من هذه الأغاني والفرق.
نضال مستمر
وفي سبيل حفظ هذا التراثي الشعبي وخوفًا عليه من الاندثار، قام العديد من الأدباء والكتاب الفلسطينيين بجمعه وتدوينه، ومن هؤلاء الكُتاب “ضرار أبو شعيرة” الذي آلمه أن يضيع تراث شعبه. حيث ذهب يجمع من هنا وهناك الكثير والكثير من هذا التراث الغنائي الشعبي والوطني الزاخر والوفير.
رشوا الورد على الساحات
غاب العاشق بس ما مات
أوعوا تقولوا يموت العاشق
عمر العاشق ألف حياة
لون الأرض بلونه الأسمر
ومن دماته التل تعطر
أوعوا تقولوا الموج تكسر
موجة بيتبعها الألوفات
***
زاحفين يا بلدنا زاحفين
ملايين تتابع ملايين
مش من أجل الموت نموت
آرمال أرضك يا فلسطين.
مسارات الأغنية الوطنية الفلسطينية
يقول أبو شعيرة في مقدمة كتابه “دليل الأغنية الوطنية الفلسطينية.. فكر ومقاومة”: “ولما كان التراث سجل حضارة الأمة ومبعث أمجادها، فإن الفلكلور الفلسطيني بمثابة الهوية الإنسانية لشعبنا المعبرة عن حضارته والدالة عليها والمؤكدة لوجوده”.
وتابع: كان لاندلاع الثورة الفلسطينية دورًا في تطور أشكال الطرح الوطني في الأغنية الوطنية، وباتت الأغنية الفلسطينية الوطنية تعبر عن ضمير الشعب وتآزره في نضاله. فصاغ الشعراء الكثير من القصائد المغناة التي تربط الشعب بأرضه، وعودة الحق لأصحابه واستمرار ثورته.
يشير أبو شعيرة في كتابه، إلى الأغنية الوطنية الفلسطينية. حيث كان لها ثلاثة مسارات هامة وهي:
الأول: التثوير الجماهيري الغني بالصور الصارخة والمحملة بكل تفاصيل المعاناة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، فخاطبت كل شرائح المجتمع الفلسطيني.
الثاني: أخذت الأغنية الوطنية الفلسطينية طابع الواقعية من تحرير الكلمة، وفيها بدء الأدب والفن المقاوم في طليعة النضال التاريخي، كمدرسة تحريرية، ولعبت الأغنية الوطنية دورًا متميزا في الصراع الثقافي رديفًا للبندقية والعمل الثوري.
الثالث: يعد هذا المسار هو “المسار الملتزم” الذي أكد حقيقة التضحية والمقاومة، وعودة الحق لأصحابه، والتشجيع على مواصلة النضال لنيل بالحرية، فالتزمت الأغنية هنا بوصف الحالة بتفاصيلها. فكانت الكلمات والألحان تعبر عن الحدث والألم الفلسطيني، عن الفرح والعرس، الطفل والشهادة، السجن واللجوء، الغربة والحنين، التحدي والشجاعة، وتم توظيف القلم واللحن للتعبير عن المعاناة.
سأغني
سأغني آطير يا وطني
وسأبقى كنسرٍ يا وطني
وليعلم من باعوا وطني
أنا الآتون من الزمن
يا غزة في وطني المحتل
جرحٌ ودموعٌ ثورية
يا غزة من دمنا جدول
ينساب كنهر الحرية
عهداً للقدس وللمجدل
ولحيفا ويافا والقسطل
أن تبقى الثورة ساطعة
لو نشنق حينا أو نقتل.
في أوقات الثورات أو المعارك تكون الكلمة مثل طلقة الرصاص، وتعمل على تأجيج الشعور الوطني. مثلما ظهرت بعد هزيمة 67 في منطقة القناة بمصر فرقة “ولاد الأرض” التي تغنت بأغاني المقاومة، وظهر الثنائي “الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم”، ضمت الأراضي الفلسطينية العديد من الفرق الشعبية ومنها:
فرقة بيسان
كانت هذه الفرقة في عام 1979، وسعت إلى الحفاظ على التراث الفلسطيني بجذوره التاريخية الموروثة، دون أن تضيف ما يسيء إلى أدب التراث وفنونه. فغنت الفرقة للأرض والوطن والشهيد والأم الانتفاضة المباركة ومن أغانيها:
يما مويل الهوا… يما مويل ييه
ضرب الخناجر ولا… حكم النذل بيه
دلعونة يا مدلعن… جفرا وموليه
موشوم ع الزنود… لا بد يوم نعود
وحق الأرض علينا دين… جفرا ويا ها الربع ربع الجهادية
يكفي يا ربعي دمع… اليوم يوم المنية
يا ربعي زفوني… أرضي أنا عيوني
للأرض أنا مشتاق… زفوني ع العناق
وغنوا حنا لفلسطين… ردي منديلك ردي
يما منديلك دم… وإن مروا رفاقي لعندي ولا ربعنا التم
يما وسألوكي من وين هذا الدم… قولي رحل أبوك قولي رحل أخوك
لاطلع ع رأس الجبل… وأشرف على الوادي
وأقول يا مرحبا… نسم هوا بلادي
يا رب يطوف النهر تا يحمل الوادي… وأعمل زنودي جسر وأقطعك ليا.
فرقة القدس
فرقة غنائية وطنية تأسست في عام 1990، خلال ذكرى الأرض. حيث تعانقت الكلمة والطلقة، وتكامل اللحن مع هتافات الجماهير، وساهمت في صون التراث وحماية الموروث الشعبي الذي يشكل امتداد لتاريخ وتضحيات الآباء والأجداد.
يا أرض الثورة ضميني
وخلي الشمس بجبيني
إيديك قوة شراعي
ونور الفجر بعيوني
يا طبريا
فلسطيني وناديتك
لقيتك قلبي وضولوعي
بليل الغربة ضميتك
مسحت بثوبك دموعي
يا طبريا
مشيت وإيدك بإيدي
وعا درب شموعي تقيدي
تنادي القدس خطوتنا
وشمس من الفدا تزيدي.
فرقة أجراس العودة
انطلقت مطلع الثمانينات في لبنان معبرة في أغانيها عن الألم الفلسطيني، عن الفرح والعرس، الشهادة، الطفل والشجاعة، السجن واللجوء والغربة والحنين حاملة للتراث ومطورة له.
زيني الساحة
زغردي يما وزيني الساحة
ليوم العرس
بالسواعد المابتلين مش
ممكن يغمرها اليأس
زغردي يما زغردي يما
وزيني الساحة ليوم العرس
في الجولان عمت الحجار
تساند أطفال القدس
صفد تعانق جبل الشيخ
وبحيفا تواعد مجدل شمس
زغردي يما زغردي يما
وزيني الساحة بيوم العرس
للعمال والفلاحين زغردي يما
لأعلى جبين
للعشاق جوا الزنازين
زغردي للمطرقة والفاس
زغردي يما زغردي يما
وزيني الساحة ليوم العرس
وإن جيتك يما شهيد
لاقيني بأعلى الزغاريد
قولي لأخواتي اليوم عيد
وأحلى زفة وأحلى عرس.
فرقة محمد الدرة
بزغت مع انطلاقة انتفاضة الشعب الفلسطيني عام 1999 ممثلة الاتجاه الوطني. هي فرقة وطنية مستقلة، تعمل على إحياء وتطوير الأغنية الملتزمة بالقضية الوطنية، والتعبئة الشعبية للجماهير ومقاومة الاستعمار، والوصاية بالأغنية الثورية. مختارة كلمات أغانيها من واقع الحياة التي يعيشها الشعب الفلسطيني، ومتواصلة معه بفرحه وترحه. حيث شاركت بعشرات الحفلات الفنية الوطنية لتوصل الحدث الراهن، إلى العالم منادية بالعودة والتحرير.
من جوه الحرم طلعت شرارة
بتحدي الغاصب برمي الحجارة
شعبي من الداخل أعلن قراره
لتعودي حرة يا فلسطينا
يا عين ابكي يا عين نوحي
عا محمد الدرة وبيو المجروحي
يا عالم فيقوا كفاكم نوحي
ونعلي الراية بكل الكونا
وأنت يا فارس رمز البطولة
بتراب الوطن دمك مجبولي
علمت العالم معنى الرجولة
درب الشهادة أحلى ما يكونا
أمي الحنونة تصرخ وتنادي
هبو يا عرب ضد الأعادي
تحرير الوطن بدو إرادة
لأجلك يا قدس دمي مرهونة
الأقصى بينادي الأقصى بصيحي
قوموا يا عرب شعبي جريحي
النخوة نامت نامت منيحِ
بحياة الشهداء لا تفيقوها
الله أكبر نادي المنادي
حيوا الصلاة وحيوا المنادي
كرمال ترابك يا أرض بلادي
روحي وفؤادي والله مرهونة.
فرقة زغاريد الوطن
فرقة مستقلة تأسست عام 2001 أسسها الملحن يوسف العاص الذي عمل كعازف مع فرقة ناجي العلي، وكان مرافقا للشاعر الوطني أبوعرب في رحلاته. ومن ثم استقل ليعبر عن الهم الوطني بطابعه الخاص.
على دلعونا على دلعونا
وإحنا انتفضنا وما بوقفونا
يا أمي القبر ولا المذلة
بغير البارودة الغاصب ما يحل
وإحنا ع دروب الشهادة نظل
تانبني الدولة بكل فلسطينا
حرة يا بلادي مرفوعة الراسي
وبالحجر نمشي ونبني الأساسي
وإحنا انتفضنا وما بين الناس
وثورة بالحجر تايرحلونا
يا أم الشهدا يا رمز بلادي
يا أخت الأسرا يا عز جهاد
إحنا تعاهدنا ع الاستشهاد
بتاريخ انكتب للي يقرونا
يا ظريف الطول دبكة شمالية
ياما هـ الأرض عزيزة علي
ندبك بالفرحة ونغني عنه
ونحرس ها الوطن بقلبي وعينيا
يا ظريف الطول ما نقبل بالجور
من طبعنا بوجه الغاصبين نجور
لوجدنا الزوار ما نسكر الدور
وأن ما وسعت دار القلب مزينا
يا ظريف الطول من غزة وجنين
نزرع شوك ونار بوجه المحتلين
وبالقدس ورفح بحجارة وسكاكين
نعلنها حرة بصوت المئذنا
يا ظريف الطول شقينا الدروب
على طرد الغاصب توحدت القلوب
ردينا ع الموت وبشرنا المصلوب
وقامت القيامة والنصر مبنيا.
فرقة العودة
انطلقت عام 1987 قبيل انتفاضة الشعب الفلسطيني، وعبرت كلمات أغانيها عن الألم الفلسطيني في كل الأحداث، وعملت على ربط التراث بالفن المقاوم، ودعوة كل فلسطيني بالغربة إلى أن يعود لأرضه.
أنا رايح حارب يا أمي
لا تخافي علي وتنهمي
راح أبقى فوق أرضي صامد
وأفدي هـ الوطن بدمي
عشق ترابي مو باليد
ولالو جزر ولالو مد
وهادا عشقي يا أمي
وما بيقدر يمنعني حد
بلدي يا أرضي يا فلسطين
جايين ليكي منصورين
رافعين رايتنا عالقدس
وهادا يا أمي هو حلمي
بلادي حبا بقلبي
صورتا مرسومة بدربي
ما بتراجع عن حقي
ويشهد علي ربي
بلدي يا أرضي يا فلسطين
ما نخاف الموت بالساحة
ولا نخشى العدى وسلاحه
نذلو المحتل الغاصب
وما نخليه يشوف يوم راحة
بلدي يا أرضي يا فلسطين.
فرقة الاعتصام (كفر كنا/ فلسطين)
تكونت في ظل الانتفاضة المباركة عام 2000، أسهمت في رفع معنويات الجماهير الفلسطينية، فأخذت الدور الريادي من حيث تطوير الأغنية وفلسفة الصرخات الجماهيرية المنادية بتحرير الوطن.
جبارة جبارة
ثورتنا المختارة
صحينا الدنيا يما
وصحينا الحجارة
توحدنا بوحدة الزنود
من الضفة لغزة لسدود
اشتعلنا مثل البارود
من أول شرارة
عم نكتب اسمك بالدم
يا بلادي والشمل التم
يا خواني وأولاد العم
زيدوها حرارة
انتفضنا والإيد بالإيد
شب وبنت ودرب جديد
راية بإيد وثاني إيد
حجارتنا الهدارة
ردينا العدو الغدار
وقابلنا المدفع بالأحجار.
فرقة ناجي العلي
أسسها الشاعر والفنان الشعبي أبوعرب، ومنذ انطلاقة المقاومة غنى الأغنية الشعبية وحافظ على المثابرة بعطائه، فقدم ابنه شهيدا فغنى وعبر عن سمو رسالته فاستشهد ابن خاله ناجي العلي. فاعتز أكثر فكان مضمون ما قدمته الفرقة رديفا حقيقيا في معركة التحرير وتواصلها، له جولاته ومشاركته في الكثير من الاحتفالات الوطنية فكان مدرسة شعرية غنائية وطنية.
وصبرنا كثير يا صبرا
حتى كبرت هالشجرة
ولما أعطت زهر وثمر
حكموا عليها بالحسرة
ومن شاتيلا يا يمة
راحت ستي تعبي مية
ولما شافت دورية
وحدها واجهت عشرة
وسمعنا بحدها صوت الطفل
يئن ويغني معها غنية
نفدي وطنا بروح ودم
ولاد عمامي تسع أطفال
ذبحوهم ها الأنذال
ولما صار الدم شلال
أقسموا يروي هـ الشجرة
وصبرنا كثير يا صبرا
حتى كبرت هـ الشجرة
ولما أعطت زهر وثمر
حكموا عليها بالحسرة.
فرقة شهداء جباليا
ظهرت في عام 1999 من أبناء مخيم جباليا، قضى البعض منهم في أحداث الانتفاضة المجيدة، غنت للشهيد وكل ذرة رمل وكانت ذات طابع متميز بالتشجيع على النضال واستمرار الكفاح حتى التحرير.
علوها رايتنا علوها
بيوم انتفاضتنا علوها
هذي حجارتنا
ترفع كرامتنا
بعرس الشهيد الزين
غني له يا فلسطين
كل ما سقط واحد
يطلع بداله اثنين
تمتد ثورتنا
يوم انتفاضتنا
تمتد ثورتنا
يوم انتفاضتنا.
فرقة العاشقين
تشكلت في نهاية السبعينيات تحت إشراف الإعلام الجماهيري في منظمة التحرير. وكانت الفرقة الأكثر نشاطا، حيث شاركت باحتفالات محلية وعربية كما أنها قامت بأعمال فنية في المنظومة الاشتراكية.
الهوارة
عالهوارة الهوارة
حيوا أطفال الحجارة
شدوا الهمة حتى نعود
وعالغاصب شنوا الغارة
***
بيكفينا غربة وهم
ويا أصحابي ويا ولاد العم
كونوا الريح وشربة سم
بصدر الغاصب مرارة
***
لا تبخلوا بالغالي
فلسطين أغلى الغوالي
بتسوي كنوز المال
وكل حجرة من حجارة
***
ما يقدروا ينسّونا
وعن دربك يبعدونا
كيف بننسى الحنونة
كلْ أمنتنا عاسرارة
***
لا بنتهنى ولا بنرتاح
حتى يعود إلنا إلي راح
ويا فلسطين الفجر لاح
وجاينك بالبشارة
***
مشتاقين لديرتنا
إلْ حبيناها وحبتنا
ولأيام طفولتنا
لبساتنيا وأشجاره
ويحرم على عيوني النوم
وبسماك غرابي يحوم
ورح يجي رح يجي اليوم
تعودي للدنيا منارة.
اقرأ أيضا:
فلسطين.. قضية تفضح بشاعة النظام الدولي وإفلاسه
الأرشيف الفلسطيني: من يكتب حكايته يرث أرض الكلام
رسالة مفتوحة من المثقفين العرب لمثقفي الغرب: لنتحاور من أجل فلسطين