كواليس سقوط «ألماجيا» زعيم عصابات المقابر.. آثار الإسكندرية المسروقة بخط يده في «الكتاب الأخضر»
في تطور مفاجئ في عالم تجارة الآثار غير المشروعة، أصدر مكتب الادعاء في مانهاتن الأمريكية مذكرة اعتقال بحق إدواردو ألماجيا، تاجر الآثار الإيطالي المعروف ذو الأصول المصرية، بتهم الاحتيال، والتآمر، وحيازة آثار مسروقة تم التنقيب عنها بشكل غير قانوني من إيطاليا ودول أخرى مثل مصر وليبيا.
اُتهم ألماجيا، الذي كان يعد من أبرز الشخصيات في عالم جمع الآثار وبيعها للمتاحف الكبرى، بتهريب وبيع آلاف القطع الأثرية غير المشروعة التي تقدر قيمتها بملايين الدولارات. تشمل هذه القطع تمثالًا مسروقًا من متحف جيتي في عام 2021، بالإضافة إلى العديد من القطع التي تمت استعادتها مؤخرًا من مؤسسات متحفية بارزة في الولايات المتحدة.
اتهامات رسمية لإداردو ألماجيا
أصدر ماثيو بوجدانوس، رئيس وحدة الاتجار بالآثار بمكتب المدعي العام في مانهاتن، مذكرة التوقيف بحق ألماجيا، وطلب من الإنتربول إصدار نشرة حمراء لضبطه دوليا. تتكون مذكرة القبض على ألماجيا، من 80 صفحة، تصفه بأنه: “شخص لطيف كان يبيع ويتبرع بالتحف الثمينة إلى متاحف وجامعين مهمين، ولكنه كان يعمل أيضًا بشكل مشبوه بعد أن بدأت السلطات الإيطالية تشك قبل عقود من الزمان في أنه كان يتعامل مع عصابات وسارقي المقابر”.
تضمنت القضية الكثير من التعقيدات، لكن العثور على “الكتاب الأخضر”، كما أطلق عليه ممثلو الادعاء، كشف الكثير من أعمال ألماجيا السابقة.هذا الكتاب عبارة عن جرد مكتوب بخط يد ألماجيا لكل قطعة من الآثار المسروقة وأماكن المقابر التي جلبها منها.
وصف ممثلو الادعاء في أوراق المحكمة إدواردو ألماجيا كتاجر آثار يتاجر بشكل صريح في استيراد عناصر غير قانونية، خلال سنوات إقامته وعمله في شقق بمدينة مانهاتن.
2000 قطعة أثرية مسروقة
بحسب صحيفة “نيويورك تايمز”، كان يحتفظ ألماجيا بأدلة على أنشطته غير المشروعة، حيث عُثر على سجلات أخرى للسلع المسروقة في إحدى شققه، وكان قد خبأ السجلات في صندوق يعود إلى عصر النهضة تحت تمثال رخامي لغزال.
استكمل ممثلو الادعاء هذه المرة سلسلة من الاتهامات السابقة لألماجيا، إذ بدأت التحقيقات في قضيته منذ عام 2018، وأفادت وحدة الاتجار بالآثار أنها استعادت 221 قطعة أثرية مرتبطة به، تقدر قيمتها بحوالي 6 ملايين دولار.
وبحسب نص التحقيقات: “حصل على آثار مسروقة، وقام بتسويقها وبيعها على أنها قانونية وعرضها بشكل علني في مؤسسات معروفة لزيادة قيمتها، ثم باعها لتحقيق الربح”.
عملت التحقيقات على استرداد بعض القطع المشبوهة التي تم بيعها بواسطة ألماجيا، وكتب المدعون أنه تم استرداد العناصر من: متاحف كليفلاند للفنون، جيه بول جيتي، فوردهام للفنون اليونانية والرومانية والإتروسكانية، الفنون الجميلة في بوسطن، ومتحف الفن في جامعة برينستون، ومؤسسات أخرى.
حياة تحت المراقبة
ولد ألماجيا في نيويورك، لكنه نشأ في روما بإيطاليا، وتلقى تعليمه هناك وتخرج من جامعة برينستون عام 1973. ثم عاد إلى نيويورك في ثمانينيات القرن العشرين وبدأ عمله كتاجر آثار.
كان ألماجيا تحت مراقبة العديد من السلطات القضائية لمدة 20 عاما، وتمكنت وحدة الاتجار بالآثار في مانهاتن، من رصد الأسباب التي أدت إلى توجيه الاتهام إليه والحصول على مذكرة تفتيش. إذ تعامل بشكل مباشر مع سارقي القبور، وهرب أكثر من 2000 قطعة أثرية غير مشروعة بين عامي 1984 و2001.
على مدى سنوات عديدة، انتهى المطاف بالعديد من الآثار التي نقلها ألماجيا في مجموعات إلى العديد من المتاحف الأمريكية بما في ذلك متحف جامعة برينستون للفنون.
التعاون مع عصابات المقابر
ورغم أن مذكرة الاعتقال قد تكون جديدة، فإن الاتهامات الموجهة إلى ألماجيا ببيع القطع الأثرية بشكل غير قانوني ليست جديدة. فقد كان موضوعاً للتدقيق منذ عام 1992، وهو العام الذي ربطته فيه السلطات بسارق قبور، وفقاً لتقرير نشرته صحيفة “آرت نيوزباينر” في وقت سابق من هذا العام.
وقد عادت علاقاته المزعومة بعصابات المقابر إلى الظهور مرة أخرى بعد أربع سنوات، عندما أعلن محققو نيويورك أن إحدى صالات العرض في نيويورك كانت بحوزتها 24 قطعة أثرية نُهبت من موقع أثري خارج روما.
وقالوا إن ألماجيا هو الذي باع تلك القطع إلى المعرض. وظهر اسمه بشكل دوري في التقارير عن الآثار المنهوبة، وأصدر متحف الفنون التابع للجامعة خلال العام ونصف العام الماضيين تقريرين عن ارتباطه بألماجيا. وفي يناير، قالت المؤسسة إنها حددت 16 عملاً فنياً في مجموعتها يمكن ربطها به.
وفي تصريح سابق لألماجيا لصحيفة “برينستون ألومني ويكلي”، قال: “الآثار لم يتم التنقيب عنها بشكل غير قانوني، وإذا تم التنقيب عنها بشكل غير قانوني فهذا يكون قبل أن أشتريها ولا يعرف أحد ذلك”.
ألماجيا ومايكل شتاينهاردت
ارتبط اسم تاجر الآثار إدواردو ألماجيا بمايكل شتاينهاردت، الذي صدرت مذكرة ضبط بشأنه في ديسمبر 2021، وأعاد حينها مايكل 180 قطعة أثرية بقيمة إجمالية قدرها 70 مليون دولار.
وذكر اسم شتاينهاردت في “الكتاب الأخضر” الخاص بألماجيا، وكان يصنف الآثار بحسب المقبرة التي اشترى منها الأثر، والسعر الذي دفعه للمقبرة مقابل كل الآثار، والسعر الذي باعها به. وبحسب مذكرة الضبط لعام 2021، تضمن الدفتر ما يقرب من بيانات 1700 قطعة أثرية منهوبة من مقابر مختلفة.
اتبع ألماجيا خطة في التعامل مع عصابات المقابر، وهي جمع كل أثر حجمه صغير، أما الآثار ذات الحجم الكبير فلم يقبل على شرائها أو تمويل التنقيب عنها، وبعد اختيار الآثار التي يريدها كان يدفع مقابلها من خلال حساب مصرفي سويسري ثم يُهرب الآثار إلى سويسرا. وفي يونيو 1995، أرسل ألماجيا رسالة لشتاينهاردت يشكره على قبول قرض بقيمة 400 ألف دولار لإكمال اقتناء مجموعة أثرية كانت في زيورخ، واستخدم شركتين للشحن وهما: grosso art packers – excel shipping.
عائلة ألماجيا.. الهندسة والتنقيب عن آثار الإسكندرية
كشفت التحقيقات في عام 2023، أن خمس قطع أثرية أهداها ألماجيا لمتحف متروبوليتان كانت مسروقة من اكتشافات حديثة بين عامي 1984 و 1993، رغم إدعاء ألماجيا أنها كانت في حوزة عائلته لسنوات طويلة، بما في ذلك جزء من كوب أحمر تبرع به للمتحف وقال إنه عثر عليه حين كان يمشي في طفولته في الريف.
وكان يهدي الآثار باستمرار إلى المتاحف، لأن الإدارة إذا وجدت قطعة مثيرة للاهتمام يتم شراؤها. وفي مقابلة قديمة أجراها ألماجيا عام 2010 مع مجلة “برينستون ويكلي” الإيطالية، قال إن حبه للآثار يرجع إلى زيارته ليبيا مع والده حين كان في التاسعة وقرر أن يصبح جامع آثار، ووجد آثار آرا باسيس تحت قصر عائلته، وبعدها بدأ في جمع الآثار من كل مكان.
ورغم وجود قوانين تجرم بيع الآثار بتاريخ محدد، مثل القانون المصري لعام 1983 والقانون الايطالي لعام 1939، وبالتالي تدعي البلاد ملكيتها لكل القطع الأثرية بموجب هذا القانون، وبحسب المقابلة يصف ألماجيا هذه القوانين بـ”الغباء”.
كيف حصل ألماجيا على هذا الكم من الآثار؟
بحسب الموقع الرسمي لإدوارد ألماجيا، فإن بداية اهتمام عائلة ألماجيا بالآثار يرجع إلى عملهم في مجال المقاولات والبناء، إذ عاش العديد من من أفراد عائلة ألماجيا في مصر لأكثر من مائة عام من نهاية القرن التاسع عشر، وعملوا في مجال البناء، وشاركوا وفازوا بمناقصات إعادة بناء ميناء الإسكندرية، وبناء مجمع الصرف الصحي بالمدينة، وأرصفة قناة السويس، وأعمال السكك الحديدية الهامة.
تظهر الصور العديد من الاكتشافات الأثرية التي أجراها أفراد العائلة أثناء عملهم في مجال البناء والمقاولات. وترجع بداية أعمال عائلة ألماجيا في مصر إلى الجد الأكبر إدواردو ألماجيا، المعروف باسم “إدواردوني”، الذي أسس شركة هندسية كانت متخصصة في البداية في أعمال السكك الحديدية، ونجح فيما بعد في تنفيذ الأعمال البحرية. وفي عام 1899، قام بتوسيع مجال عمله إلى الخارج، ليشمل تركيا ورومانيا، ثم إلى مصر حيث أسس شركة لأعمال الموانئ والأعمال البحرية.
كان لإدواردوني، شقيق يدعى روبرتو، توفي في طرابلس، ونجله يحمل اسم إدواردو كعمه، وفي عام 1899، عهد إليه بإدارة شركة البناء التي أسسها عمه في الإسكندرية لتنفيذ الأعمال البحرية. وفي منافسة مع الشركات الإنجليزية والفرنسية والألمانية، فاز بمناقصات الأعمال في ميناء الإسكندرية. بتشجيع من عمه، ذهب إلى مصر حيث قام ببناء رصيف الميناء الشرقي ومجمع الصرف الصحي العام للإسكندرية.
تمويل مشبوه
ظل إدواردو في مصر حتى عام 1909، حيث أكمل أعمالًا أخرى مهمة لتطوير ميناء الإسكندرية مثل الميناء الغربي. وأسس مع شقيقه فيتوريو شركة بناء أصبحت لاحقا مع مرور الوقت من أكبر الشركات الإيطالية المتخصصة في الموانئ والأعمال البحرية. وقام بتنفيذ الجزء الأهم من أعمال بورسعيد كما عمل في قناة السويس. كما نفذت شركته أعمالًا في القاهرة ومواقع أخرى في مصر.
استمرت الشركة في العمل حتى عام 1934، حيث كان يجري أعمال التنقيب في أي موقع قبل العمل فيه، ووفقا لمذكرات حاييم وايزمان، الذي سيصبح أول رئيس للاحتلال الإسرائيلي، كان يريد التعاون مع ألماجيا لإنشاء ميناء كبير في حيفا، لكن تم التراجع عن المشروع.
وبخصوص التوسع الكبير لشركة ألماجيا في مصر، وخاصة في الإسكندرية، وكيفية توفير رأس المال، يذكر ميلفا جياكوميلي، الأستاذ المشارك في الهندسة المعمارية المعاصرة في جامعة فلورنسا، في كتابه “شركات البناء الايطالية في مصر”. قائلا: “هؤلاء الزعماء العماليون الطموحون كانوا قادرين على الحصول على القروض من خلال عضويتهم في حركة الماسونيين أو حركة القديس سيمونيان. وكان لكل من الحركتين أتباع كثيرون بين أعضاء جمعيات المساعدة المتبادلة للعمال، وكان من الممكن أن يسهل ذلك العلاقات مع الماسونيين أو حركة القديس سيمونيان البارزين في النظام المصرفي”.
إنقاذ الحفارة
وبعد ثورة عام 1952، نصح فيتوريو، ابن عمه إدواردو أشيل، الذي لم يكن متأكدًا مما يجب فعله، بإنقاذ الحفارة “أرخميدس” التي كانت الأكبر حينها، عن طريق إخراجها من مصر، أما نجل إدواردوني، الذي كان يدعى روبرتو، فقد عاش في مصر أطول فترة. شارك في أعمال توسعة الرصيف الغربي لبورسعيد نيابة عن شركة قناة السويس.
وواصل عمله في حاجز الأمواج بالميناء الشرقي للإسكندرية. وبعد فترة الحرب والأحداث المرتبطة بالحرب العالمية الثانية والتي شهدت استيلاء الحكومة المصرية المتحالفة مع الإنجليز على الشركة، قرر العودة إلى إيطاليا. وبين عامي 1959 و1960، تم تصفية الشركة المصرية المملوكة لشركة “إمبريسا روبرتو ألماجيا”. كانت الشركة المصرية للمشروعات والإنشاءات – الشركة المصرية للمشروعات والمباني – (SEDEC). تم تعيين مصفى. جوزيبي كاميز، زوج فيرجينيا ألماجيا.
عادت الشركة من جديد لمصر في السبعينات، إذ تمكنت شركة ألماجيا من استئناف أنشطتها في مصر فقط في عام 1978. واستمرت هذه الأنشطة حتى عام 1983 مع إجراء عمليات مسح في ميناء الإسكندرية وحفريات لمد الأنابيب البحرية نيابة عن الشركات المرتبطة بشركة “إيني”. وفي ظروف غامضة، غادرت العائلة من مصر بشكل دائم.
استمر عمل العائلة في المجال الإنشائي في مصر من عام 1899حتى عام 1983، حتى صدور القرارات المتعلقة بتنظيم الآثار في مصر. ومن أبرز الأعمال التي أنشأتها عائلة ألماجيا: ميناء الأنفوشي الشرقي، كاسر الأمواج بالميناء الغربي، أرصفة جديدة للأخشاب، توسيع الأرصفة وبناء المستودعات، الرصيف والميناء في رأس التين، توسيع كاسر أمواج المنتزه وإنشاء سد، الترسانة العسكرية، حوض النترات، أرصفة المحطة البحرية، امتداد السد الغربي لقناة السويس لحماية ميناء بورسعيد، وغيرها من الأعمال. ومن بين أقارب ألماجيا عائلة أمبرون اليهودية.
محاكمات سابقة لزعيم عصابات المقابر
تمت محاكمة إدواردو ألماجيا لأول مرة بتهمة تهريب آثار، في عام 1992، عندما كانت السلطات الإيطالية تحقق في لوحة ثلاثية الكابيتولينا المنهوبة التي تصور كوكب المشتري وجونو ومينيرفا.
جمع المحققون أدلة تشير إلى أنها تم التنقيب عنها حديثًا من موقع غير مشروع بالقرب من روما. واعترف أحد تجار المقابر بمحاولة بيع القطعة إلى ألماجيا، الذي أراد إرسالها إلى عملائه بأمريكا. وفي عام 1996، صادرت السلطات الأميركية في نيويورك 24 قطعة فنية “إتروسكانية” من معرض فني في مانهاتن، واعتقدت السلطات أنها نُهبت من موقع كروستوميريوم الأثري في روما. وبعد التحقق، اتضح أن ألماجيا وجه مجموعة من لصوص المقابر للحفر سراً في الموقع، ثم هرب القطع الأثرية إلى سويسرا وبيعها لعملاء في نيويورك.
في عام 2000، تم احتجاز ألماجيا في مطار جون كينيدي الدولي مع قطعتين من اللوحات الجدارية المسروقة من فولشي. وتأكدت الجمارك الأمريكية من أن المستندات التي قدمها ألماجيا للأعمال الفنية كانت وثائق مزورة. وبعد بضعة أسابيع من هذه الحادثة، تم تفتيش حاوية كان يشحنها من إيطاليا إلى نيوآرك، نيو جيرسي، وتم ضبط خمس قطع أثرية مسروقة.
مذكرة تفتيش
في عام 2006، سلمت قوات الدرك الإيطالية معلومات وأدلة إلى إدارة الهجرة والجمارك، وتم تنفيذ مذكرة تفتيش لشقة ألماجيا في الجانب العلوي الشرقي من نيويورك ووحدة تخزين. وصورت العديد من الآثار واكتشفت سجلات تجارية دقيقة تصف أنشطته الإجرامية ومعاملاته وتسرد أسماء المقابر، البائعين، والجامعين والعملاء. ووصفت السجلات 1698 قطعة أثرية باعها ألماجيا. وبينما كان هذا التحقيق يتكشف، قام ألماجيا بتعبئة حاوية باللوحات والتحف وأرسلها إلى نابولي، ثم فر إلى أوروبا. وتم ضبط الحاوية في نابولي، وبعدها رفع المدعي العام الإيطالي باولو فيري، اتهامات ضد ألماجيا.
في عام 2011، أعاد متحف برينستون 16 قطعة أثرية تحمل اسم ألماجيا في قائمة المنشأ. وبحسب صحيفة “برينستون ألومني ويكلي”، قال ماثيو بوجدانوس: “إذا كان اسم ألماجيا هو الأول في قائمة المنشأ، فإن القطعة مسروقة”. وفي عام 2023، صادرت وحدة مكافحة الاتجار بالآثار التابعة للمدعي العام في مانهاتن عشر قطع أثرية مرتبطة بألماجيا.
شريك الصفقات المشبوهة
لم ينفذ ألماجيا الصفقات المشبوهة بمفرده، وبحسب التحقيقات ساعده شريكه “مايكل بادجيت”، أمين سابق في متحف جامعة برينستون للفنون، الذي استغل سمعته واتصالاته لتقديم المساعدة لألمالجيا في صفقات البيع، وساعده في عرض القطع الأثرية على المتاحف الكبرى.
ووفقا لاستجواب بادجيت في عام 2021، قال إنه لا يواجه أي اتهامات، ودافع عن نفسه قائلا إنه تمت تبرئته من تهم مشابهة في عام 2012. بعد أن هاجم ألماجيا المخبر الذي كان ينسخ الوثائق، غادر المكان غاضبًا دون أن يدرك أن العديد من الصفحات من دفتره قد تمت طباعتها وتخزينها في درج آلة النسخ. وقد تم تسليم هذه الصفحات لاحقًا إلى سلطات إنفاذ القانون.
يدير ألماجيا موقعًا إلكترونيًا يبرز تاريخه واهتماماته، حيث يروي شغفه منذ الطفولة بدراسة العالم القديم وعلم الآثار. يصف في أحد أقسام الموقع زيارته لموقع حفريات في ليبيا عندما كان طفلاً، حيث التقط قطعًا من جرة قديمة. وفي مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز عام 2021، عبر ألماجيا عن رأيه حول ما اعتبره أولويات خاطئة في ملاحقة تجار الآثار، قائلاً: “يتم إنفاق الكثير من الأموال على اضطهاد التجار، بينما كان يمكن استخدامها لإصلاح المتاحف الإيطالية، حيث تتعرض العديد من العناصر المماثلة بالفعل للخطر”.
تبرير السرقة
بدت تصريحات ألماجيا وكأنها تبرر عرضه للمواد المسروقة، حيث قال: “هناك أشياء في المتاحف الأمريكية مسروقة بلا شك من الحفريات، ولكن عندما لا تكون ذات أهمية كبيرة، أعتقد أنه يجب أن تبقى هناك ليتمكن الزوار الأمريكيون من تقديرها”.
في عام 2006، فر ألماجيا من الولايات المتحدة بعد أن قام عملاء من الأمن الداخلي وضابط من الشرطة الإيطالية بتفتيش شقته في الجانب الشرقي العلوي. وفقًا لمذكرة التفتيش، سلم ست قطع أثرية ورتب لإعادة السابعة، لكنه غادر البلاد بعد ذلك، مخبئًا بعض الآثار والوثائق في منشأة تخزين، ووضع البعض الآخر في حاوية شحن متجهة إلى نابولي. استنادًا إلى معلومات من المخبر، قامت السلطات الإيطالية لاحقًا بمصادرة تلك الحاوية، واستعادت عشرات القطع الأثرية وآلاف الوثائق، حسبما أفاد ممثلو الادعاء.
حلم إلغاء القوانين
من الغريب أن إدواردو ألماجيا كان من أبرز المناصرين لإلغاء القوانين الإيطالية القديمة التي تهدف إلى حماية الممتلكات الثقافية. بحسب صحيفة “لافوتشيونيورك” الإيطالية، كان يعتقد أن هذه القوانين تساهم في خلق أسواق سوداء للآثار والفنون، مما يؤدي إلى تعزيز التجارة غير القانونية والأنشطة الإجرامية المرتبطة بالأعمال الفنية المسروقة.
وفي إبريل 2023، قامت السلطات بمصادرة خمس قطع أثرية تبرع بها ألماجيا، وسط شكوك حول سرقتها. ووفقًا لصحيفة “ديلي برينستونيان”، تضم المجموعة الأخيرة التي يُحتمل أن تكون مسروقة آثارًا متنوعة تعود إلى مناطق مختلفة من البحر الأبيض المتوسط. من بين هذه القطع، توجد جرة جنازية إتروسكانية، وأمفورا أثينية مرسومة، بالإضافة إلى ستة أجزاء من تابوت روماني مصنوع من الرصاص.
بين عامي 1987 و2001، باع إدواردو ألماجيا ست قطع أثرية إلى متحف جامعة برينستون للفنون. في حين تم التبرع بعشر قطع أخرى هدايا. بما في ذلك بعض القطع التي ورثها شخصيات بارزة في مجال الفن مثل جويس فون بوثر، زوجة أمين متحف متروبوليتان للفنون الراحل ديتريش فون بوثر.
ارتبط اسم ألماجيا أيضا بالمجرم المعروف بييترو كاساسانتا، الذي كان يسرق الآثار من المقابر. وفي مقابلة مع مجلة “برينستون ألومني ويكلي” في سبتمبر الماضي، أكد ألماجيا براءته، مشيرًا إلى أن التغييرات في معايير تحديد منشأ الآثار قد أدت إلى لبس في السوق. وقال: “المشكلة الحقيقية تكمن في تطبيق معايير جديدة على سوق قديم، يعود إلى عشرين أو ثلاثين أو حتى أربعين عامًا”. وبحسب تقرير هيئة المحلفين الكبرى، الذي استشهد برسائل كتبها ألماجيا إلى المشترين والتي وصف فيها أنشطة التنقيب والنقل غير القانونية. يتضمن التقرير: “يبدو من كل الأدلة أن ألماجيا كان صريحًا بشكل مدهش مع عملائه بشأن إمداداته من السوق السوداء للآثار المنهوبة”.
اقرأ أيضا:
التفاصيل الكاملة لتورط مسؤولين بالمتحف المصري الكبير في سرقة تمثال «أوزوريس»