كمال عباس يكتب: أسئلة معلقة إلى «هاني»
كان اليوم عاديا لم أتفاجئ صباح هذا اليوم بأي نوع من الأحداث، ولم يكن لدي أي مهام للقيام بها خارج حلوان. مما يعنى أنني سأقضي اليوم في مقر الدار، كان كل شيء طبيعيا بل وعلى غير العادة في هذه الساعة من النهار لم يتردد أحد على المقر لا أعلم لماذا؟
أمسكت التليفون رغم أنني لم أكن أفكر أو أنوي إجراء أي مكالمات. فتحت الفيس بوك بحكم العادة وليس بقصد البحث عن شيء محدد، وما هي إلا لحظات حتى طالعني خبر مكون من ثلاث كلمات (هاني شكر الله مات). توقفت أمام الكلمات الثلاث لم أحرك الشاشة ولم أرفع عيني عنها. لا أعرف ما هي مشاعري هل كانت عدم التصديق؟ صدمتني الكلمات الثلاث بحدتها وصلابتها، فأصابتني حالة من التبلد.
الغريب أني لم أشكك في صدق تلك الكلمات رغم أنها لا تحمل أي دليل على مصداقيتها. سال الدمع من عيني واضطربت نفسي من رهبة الموت فجأة، تزاحمت الذكريات على عقلي وعلى سطح طاولة الاجتماعات التي طالما جمعتنا مع فريق تحرير مجلة «كلام صنايعية». تزاحمت في رأسي ذكريات كثيرة وتراءت لي صور من الرحلة التي جمعتنا على مدى أكثر من 30 عاما هي عمر صداقتنا.
**
تذكرت لقاءنا مع رحمة وصابر بركات في مقر الدار بشبرا الخيمة عندما فردت أفرخ الورق أمامك وبالمسطرة والقلم رحت تحول فكرة مجلة عمالية تصدرها الدار من فكرة مجردة إلى حقيقة. مجلة لها اسم «كلام صنايعية» لها أبواب متعددة (هموم العمال، أيام العمال، مواجع، واحد مننا، شواكيش). وشعار يعبر عن شخصيتها «مر الكلام زى الحسام يقطع مكان ما يمر». هكذا كانت المجلة التي صنعتها مجلة من العمال وإلى العمال.. تعبر عن آلامهم وآمالهم، وتحكى عن أبطالهم وتئن بمواجعهم.
كان يومي الخميس والجمعة الأخيرين من كل شهر موعدنا مع فريق عمل المجلة (خالد البلشي، وفاطمة فرج، وعادل زكريا) محررين، (رحمة رفعت، وعايدة سيف الدولة) كُتاب. وهاني مصطفى لتصميم الغلاف والماكيت، ومجاهد العزب للرسم، ومها صبحي للتنفيذ على الكمبيوتر.
في هذين اليومين يتحول مقر الدار بالمساكن الاقتصادية بحلوان إلى صالة تحرير، كثير من العمل ينجز، من مراجعة للمادة التحريرية، لإعادة الصياغة، لضبط اللغة الصحفية، لاختيار العناوين. ومع ساعات العمل جمعتنا حكايات ومناقشات وضحكات.. حكايات خالد البلشي عن مغامراته أثناء إعداده التحقيقات الصحفية. تحقيقات بطعم حياة العمال ومعجونة بكلماتهم. فرضت هموم العمال مناقشات عن (حق الإضراب، الأجور، استمارة 6، الحريات النقابية). وفي وسط ذلك كنت حريص على تجميع النكات وحفظها حتى تلقيها على حسام عند عودتك للبيت.
**
هكذا كانت تمضي بنا أيام إعداد المجلة. ثم نعيش حالة من الترقب والانتظار حتى تخرج المجلة من المطبعة بسلام. ويتم تأمين التوزيع في المصانع المختلفة بحلوان وشبرا الخيمة والمحلة والعاشر من رمضان والإسكندرية. هكذا كانت تجربتنا تجربة مليئة بالأمل والشغف.
تركت أنت المجلة بدون إبداء أسباب، الغريب أني لم أناقشك أبدا في أسباب تركك للمجلة، لم نعد نلتقي يومي الخميس والجمعة الأخيرين من كل شهر. ولكننا جمعتنا لقاءات كثيرة وتشاركنا في تجارب أخرى وكنت دائما أبحث عنك لتجيبني أو لأناقشك في أسئلة معلقة.
وبطبيعة الحال ومثل كل أصدقائك لم أنجِ من مقالبك، لم أنس أبدا عندما لم تحضر لاستقبالي في مطار فلورنسا لمشاركتنا في المنتدى الاجتماعي العالمي. رغم تأكيدك أنك ستكون في انتظاري ورغم أني أكدت لك ليلتها على موعد الوصول ورقم الرحلة إلا أنى لم أجدك في انتظاري.
انتظرت طويلا ولكنك لم تأتِ، وهكذا أمضيت الأيام الثلاث الأولى ما بين المشاركة في فعاليات المنتدى والبحث عنك حتى التقيتك صدفة في أحد شوارع فلورنسا. وحينها رحت تعاتبني غاضبا أنني لم انتظرك لأكتشف أنك ذهبت لاستقبالي في اليوم التالي لمجيئي. وهو نفس ما حدث بعد ذلك بسنوات عندما حضرت إلى حفل زفاف ابنتي بسمة لتجد القاعة فارغة لأنك ببساطة ذهبت في اليوم التالي للفرح. إلا أن المقلب الكبير اللي مش عارف إزاي قدرت تعمله فينا “هو إنك تسيبنا وتمشي فجأة”.
**
أنا لا أعرف إن كنت مهتم بمعرفة ما حدث ويحدث، ولكني كنت في حاجة إليك. وبحثت عنك لمشاركتي الحسرة على ضياع الحديد والصلب. نعم لقد تم إيقاف الحديد والصلب وأطفأت شعلة أفرانه. والآن تباع ماكيناته وخطوط إنتاجه خردة.
مازلت احتاج منك إجابة على أسئلتي المعلقة حول كيفية تفكيك الاستبداد في بلدنا. حول حالة الضعف والاغتراب المتزايد التي تعيشها القوى المدنية. في حاجة لمناقشتك حول الخطاب الشعبوي الذي رغم ما يسببه من كوارث في منطقتنا مازال خطابا رائجا. مازلت احتاج لمناقشتك عن سبيل لخروج اليسار من أزمته.
اقرأ أيضا:
هالة شكر الله تكتب: أخي العنيد، الصامت، المتأمل
باسل رمسيس يكتب: هاني شكر الله بين لحظتين