كرم يوسف تكتب: طنطا التي تلفظها درية شفيق.. وأحبها أنا
في أحد الأجزاء التي قرأتها من نصوص مذكرات درية شفيق، كان كلامها يحتوي على شعور عميق بالاشمئزاز من طنطا وكم بدت لها بلدة قذرة ووجوه أصحابها باهتة. قد يكون ذلك لظروف قدومها وانتقالها إلى طنطا والذي جاء نتيجة مباشرة بعد موت أمها. بالإضافة إلى التحولات التي كان عليها أن تتعامل معها كواقع لن يمكن تغييره قريبًا، جعلها ترى طنطا مكان قبيح للغاية.
في هذا الجزء أيضا الإشارة إلى العم الذي أثرى من بيع القطن واستغلال ظروف الحرب. وهو ما يعني بداية تكون الطبقة البرجوازية المصرية أوائل القرن الـ19، لست متأكدة من أن هذا العم الذي كان يجهض زوجته الجارية حتى لا تنجب أولاد من ذوي البشرة السوداء- كما تحكي درية – أن كان متزوجًا منها أو كانت مما “ملكت يمينه”؟
طنطا تعني بالنسبة لي العالم الروائي للكاتب المصري عادل عصمت، والذي تدور كل أعماله عن هذه المدينة والقرى المحيطة بها. وكتابه ناس وأماكن يعد وثيقة رائعة عن هذه المدينة ومحيطها من بشر وأماكن وتغيرات اجتماعية واقتصادية وغيرها.
طنطا هي مقام السيد البدوي والأسوار النحاسية من حوله ونقوشها الدقيقة، التي تبلى من لمس الأكف والاصابع ودعوات الملايين من البشر تطلب البركة والدعاء.
الموت، الانتحار، الطبقة، الغربة، الفقد، التمييز، كلها أسئلة يطرحها هذا الفصل القصير من سيرة درية شفيق.
أجدني اهتم أكثر بألمها ووحدتها لفقدان أمها في سن صغير نسبيًا. هذا الفراغ والإحساس بالوحدة الذي تشعر به الطفلة الصغيرة التي كنتها في الخامسة من عمري عندما مات أبي. فتجربة موت من نحبهم خاصة ونحن أطفال، تجربة قد يكون من المستحيل التخلص من أثرها المؤلم وقد تكون المحرك الأساسي في الكثير من القرارات المصيرية.
وأمام تجربة موت الأب أو الأم في سن صغير، تبدو معها كل تجارب الموت أو الانتحار رغم قسوتها، تجارب عادية.
اقرأ أيضا
ملف| راوية صادق تكتب: «درية شفيق»أو الطريق الشاق إلى المعرفة