جلبها الأجانب واختص بها “الثغر”.. “الفريسكا” منحة التعدد الثقافي في الإسكندرية
“كان فيه يا بلدنا يا نسّاية.. حتة بسكوتة فريسكاية، عالشط تبعتر ضحكتها.. تفرش حدوتة وغنواية، نشوانة بسحر جلال الكون عشقانة جمال الصوت واللون”، تلك الكلمات التي كتبها الشاعر أحمد فؤاد نجم، تتر المسلسل الشهير “فريسكا” الذي أدت دور البطولة فيه الفنانة آثار الحكيم، ولعبت دور بائعة الفريسكا، تلك الحلوى الصيفية الأكثر شهرة بين المصطافين في محافظة الاسكندرية.
الفريسكا
وتشتهر محافظة الإسكندرية بحلوى “الفريسكا” التي تباع على شواطئها للمصطافين، تلك الحلوى التي تحتل مكان الصدارة بين “تسالي الشاطئ” عند الصغار والكبار.
والفريسكا إما رقائق بسكويت أبيض مائل للاصفرار، دائرية الشكل كبيرة الحجم، ممزوجة بعسل النحل الابيض.
والنوع الثاني رقائق بسكويت دائرية صغيرة جدا وبداخلها حشوة مختلفة لها عدة أنواع منها “السمسم والسوداني وجوز الهند والحمص”، مع مزجهم بالعسل الأسود.
أصل الفريسكا
بدأت حلوى الفريسكا في الانتشار منذ أن كان الثغر ملاذا لعدد كبير من الجاليات الأجنبية: اليونانية والايطالية والفرنسية…، فترة الاحتلال الإنجليزي لمصر، بحسب ما ذكره الدكتور محمود حجر، أستاذ التراث والأدب الشعبي بجامعة الاسكندرية.
يقول حجر إن كلمة Fresca هي كلمة إيطالية تعني الشيء الطازج أو المنعش أو اللطيف، كما أن تلك الكلمة استخدمها الباعة على شواطئ البحر في الإسكندرية “الكوزموبوليتانية” التي كانت تتحدث باللغة الإيطالية واليونانية والفرنسية والعبرية في خليط أطلق عليه “الفرانكيت”.
يضيف أن حلوى الفريسكا كانت لا تباع في إيطاليا أو في أية دولة من الدول المطلة على البحر المتوسط، على عكس ما يتوقع، بل اختصت بها الإسكندرية، رغم أن ظهورها وانتشارها كان بسبب الجاليات الأجنبية في الثغر.
الإسكندرية الكوزموبوليتانية
أستاذ التراث والأدب الشعبي يقول إن مطلح الكوزموبوليتانية يعني أن الثغر كانت متعددة الأعراق والطوائف منذ زمن قديم، فكان يعيش اليونانيون واليهود والإيطاليين والفرنسيين والمصريين معا، كما أنه الثغر كان به أحياء كاملة مخصصة لكل جالية.
ويشير حجر إلى أن تعدد الثقافات هو ما جعل لحلوي بسيطة مثل “الفريسكا” وجودا، إذ ارتبط وجودها بثقافة متعددة عاصرتها الثغر، ويعتبر ذلك التجانس اختراعا نتج عنه عيش وتآلف جنسيات مختلفة معا.
فريسكا التفاح من العصر العثماني
هناك نوع آخر أطلق عليه اسم “الفريسكا” أيضا ويحظى بشهرة واسعة وإقبال كبير من المصطافين، وهو عبارة عن تفاح مغطى بطبقة من الكراميل الدبق أحمر اللون، ومغطاة بورق شفاف اللون ومغروس بها عصا بلاستيكية طويلة.
يقول محمد توفيق، الباحث في التراث الشعبي بجامعة الإسكندرية، إن حلوى التفاح أو فريسكا التفاح، كما يطلق عليها تعود أصولها إلى لعصر العثماني، وأن تلك الحلوى كانت تقدم للأطفال والكبار، وكانت تحظى بإقبال شديد إلى أن انتشرت وأصبحت تصنع في مصانع صغيرة وتباع علي شواطئ ورمال البحر بالإسكندرية.
أيوه يا فريسكا
تلك الكلمات كان يرددها أحمد الصعيدي، بائع الفريسكا، وهو شاب في العشرينات من عمره، طويل القامة، ذو بشرة سمراء مختلطة بلون الشمس من شدة سيره نهارا علي رمال شاطئ بحر العجمي غربي الاسكندرية، حاملا صندوقا زجاجي من طابقين، يمتلآن بأشكال مختلفة لحلوى الفريسكا حافي القدمين جائلا بين الشماسي التي يجلس أسفلها رواد الشاطئ.
يسرد أحمد، تفاصيل يومه مع “الفريسكا” قائلا إنه يعمل في بيع الفريسكا منذ نحو 15 عاما عندما كان طفلا يبلغ من العمر 10 سنوات، وإن أكثر بائعي الفريسكا ورثوا تلك المهنة من جدودهم وآبائهم فهي مهنة قديمة منذ وجود الأجانب في الاسكندرية.
يتابع إنه يعمل في هذه المهنة خلال أشهر الصيف فقط، ثم يعود لمحافظته سوهاج مع دخول فصل الشتاء، ليمارس هناك عمله عامل بناء.
ويوضح أن جميع بائعي الفريسكا يجلبون بضاعتهم من مصنع يصنعها بشكل يومي لتكون طازجة، ويأخذ كل بائع حصته، مشيرا إلى أنه يتعامل مع مصنع لصناعة البسكويت يقع في منطقة باكوس خاص بتصنيع الفريسكا.
اليومية
بينما يقول شوقي فايز، أحد بائعي الفريسكا على شاطئ الهانوفيل غربي الإسكندرية، عدم وجود فرص عمل، هو ما دفعني لتلك المهنة، لكني لست متضررًا من ذلك، بل إن عملي في بيع الفريسكا على الرغم من بساطته، إلا أنه “فتح بيتي و أطعم أولادي.
يضيف فايز، السوهاجي الأصل، أنه بدء العمل في بيع الفريسكا منذ 5 سنوات، ويخرج منذ السابعة صباحا حتى غروب الشمس.
يتابع أنه يعمل بائع جائل من خلال مصنع بسكويت هو الذي يعطيه البضائع مقابل يومية 80 جنيها وأحيانا تصل إلي 100 جنيه، حسب حالة البيع والقوة الشرائية لدى المصطافين، مشيرا إلى أن هذا الموسم من المواسم الجيدة لبائعي الفريسكا، إذ يوجد إقبال كبير من المصطافين على الاسكندرية.
عن الأسعار
أما هريدي النحاس، أحد بائعي الفريسكا الجائلين علي شاطئ 6 أكتوبر غربي الإسكندرية، يقول إن الفريسكا حلوى لها زبائنه فهي تلقى إقبالا كبيرًا من الصغار والكبار.
ويوضح النحاس أن سعر الفريسكا هو جنيه ونصف الجنيه فقط لمختلف الأنواع أيًا كانت، أما سعرها قبل 20 عامًا فكان يبلغ 10 قروش، ثم ارتفع بعد ذلك إلي 25 قرشًا ثم 50 قرشًا ثم 75 قرشًا، ثم جنيه ومنذ الصيف الماضي ثبت سعرها على جنيه ونصف الجنيه، إلى الآن، بسبب ارتفاع سعر السكر والدقيق والمكسرات ويومية البائع.
2 تعليقات