حصري| قنصل عام فرنسا: هناك قصة حب بين الفرنسيين والإسكندرية
يقع مبنى القنصلية الفرنسية التراثي في منطقة المنشية على الكورنيش. هذا المبنى المطلي باللون الأبيض، الذي تعلو سطحه منحوتات للأطفال بأجنحة “ملائكة” يحتفظ في كل ركن داخله بتراث تاريخ مضى منذ تاريخ إنشائه أوائل القرن العشرين، وداخل المبنى. استقبلتنا چانينا إيريرا، قنصل عام فرنسا باﻹسكندرية، التي أجرت “ولاد البلد” معها حوارا حول تاريخ القنصلية التراثي في الإسكندرية والدور الهام الذي تلعبه القنصلية في إثراء التبادل الثقافي بين مصر وفرنسا. وتحديدا داخل مدينة الإسكندرية وعن مستقبل التراث والثقافة وكيفية صيانته والحفاظ عليه.
هناك قصة حب قديمة بين مصر وفرنسا، خاصة الإسكندرية.. فما هي أبرز الجهود التي تبذلها القنصلية لمد جسور التواصل الثقافي بين البلدين؟
صحيح هناك نوع من السحر من جهة الفرنسيين، خاصة المثقفين، تجاه الإسكندرية. فالأخيرة حتى يومنا هذا تعد مدينة أسطورية، وأظن أن هناك العديد من الأسباب. منها وجود عند خيال لدى الفرنسيين حول الشخصيات العظيمة مثل الأسكندر الأكبر ونابليون ومحمد علي.. إلخ. بالإضافة إلى وجود خيال أدبي للكتاب فرنسيين مثل فلوبير وشاتو بريون ونيرفال، وهؤلاء جاؤوا إلى هذه المدينة وكتبوا عنها، وإلى اليوم لاتزال قصة الحب بين مصر وفرنسا مستمرة. من خلال العديد من الأنشطة الثقافية.
وهناك المركز الفرنسي للثقافة ومدرسة “ليسية الحرية” المدرسة الفرنسيه في الإسكندرية، التي تخرج أجيالا جديدة من الفرنكفونية. بالإضافة إلى مركز دراسات سكندرية وجامعة السنجور، ومكتبة الإسكندرية التي تلعب دورا مهما بالنسبة للثقافة الفرنسية والفرنكوفونية. فضلا عن العديد من الأحداث السنوية، فهناك مهرجان كتابة البحر المتوسط. وهناك حفلة المواهب وأيضا شهر الفرنكوفونيهة، وقريبا يعد مركز دراسات الإسكندرية لـ”يوم التراث” وهو أمر مهم للثقافة والفرنكوفونية.
مبنى القنصلية مشيد منذ مطلع القرن الـ20، وبالتالي هو شاهد على عصور كثيرة، ولا يزال يحتفظ بشكله التراثي الذي شيد عليه رغم اختلاف شكل الشارع حوله.. نريد أن نعرف تاريخ إنشائه ومن الذي شيده وعلى أي طراز معماري؟
بالفعل.. هذا المبنى تم افتتاحه عام 1911 بإشراف مهندس ابن المدينة يسمى سانول ايرنولجيه. وقد شيد هذا المبنى على نمط منزل مميز في باريس. حيث يرمز هذا الطراز والنمط المعماري إلى العصر الذهبي للكوزموبولتنيه في المدينة في أواخر القرن 19، وحتى الحرب العالمية الثانية.
ماهي أهم الشخصيات والأحداث التاريخية التي شهدها مبنى القنصلية؟
شهد هذا المبنى الكثير من الأحداث التاريخية بالنسبة لتاريخ مصر والبحر المتوسط وبالنسبة للعالم أجمع. ولقد لعبت مدينة الإسكندرية دورا في الحرب العالميه الأولى والثانية. وفي عام 1956 شاهدنا خطاب الرئيس عبد الناصر هنا، الذي كان بداية أزمه مع مصر وفرنسا وأغلقت وقتها أبواب هذه القنصلية الفرنسية في هذه السنة حتى عام 1963م. وبعدها عادت العلاقات مزدهرة بين مصر وفرنسا.
وقد شهدت هذه القنصلية منذ تاريخ إنشاءها شخصيات هامة في مجال الثقافة والسياسة من المصريين والفرنسيين. ومن بين أهم هذه الشخصيات شخصية أزناهور والفنان عمر الشريف وهاني شاكر ويوسف شاهين.
وإذا عدنا إلى التاريخ القديم لم يكن مقر القنصلية هنا. بل كان على وجه التقريب في شارع النبي دانيال أو شارع فرنسا ولدينا هنا داخل القنصليه صورا للقناصل القديمة. من بينهم فريناند ديليسيبس بين عام 1863 وحتى 1967م. وأيضا القنصل دروفتي الذي لعب دورا استراتيجيا بالنسبة للتقارب مع محمد علي.
الإسكندرية والعالم يتغيران بشكل كبير.. من وجهة نظرك ما هي أكثر التدابير التي ينبغي أن نتخذها لصيانة التراث الثقافي غير المادي، حتى نحافظ على روح هذه المدينة الجميلة والأسطورية كما وصفتيها سابقا؟
هذه مشكلة عالمية في كل مدن العالم رغم أن هناك تقدم ونمو اقتصادي. لكن هناك تهديد للتراث والحل هنا: أولا عن طريق رفع الوعي للسكان المحلين. من خلال وسائل الإعلام التي تلعب دورا كبيرا في هذا الإطار، خاصة السوشيال ميديا. ثانيا: إبرام القوانين وتطبيقها لحماية هذا الكنز. وثالثا: دور شركات القطاع الخاص، مثل شركة سيجما هنا في الإسكندرية وفي القاهرة، الذين يعملون على نماذج جديدة للحفاظ على هذا التراث. بالإضافة إلى المساهمة في الاقتصاد وفرص العمل في الوقت نفسه.
هناك العديد من الأقاويل عن إغلاق منارات ثقافية في الإسكندرية، مثل المعهد السويدي، والقنصلية البريطانيه والأمريكية.. هل سيؤثر ذلك من وجهة نظرك على المناخ الثقافي في الإسكندرية؟
نعم، نحن حزينون جدا لإغلاق المركز السويدي في الإسكندرية. وأظن أنه كان يملك رؤية جيدة فيما يخص التبادل الثقافي. ولكن أظن على الرغم من هذه الإغلاقات، إلا أن هناك من يستثمر أكثر في مجال التعليم والثقافة بالإسكندرية، وفرنسا تقوم بالإستثمار أكثر في هذين المجالين. فمثلا جامعة السنجور لديها طموحات بالنسبة للإبداعات عند الشباب، فهناك مشروع إبداع مركزي عند السنجور بالتعاون مع الجامعات المحلية. وأيضا لشركة سيجما مشروع لفتح كنز ثقافي في بنايتهم في شارع فؤاد على ما أظن. وأيضا مدرسة فرنسا ليسية الحرية لديها مشروع تكبير المحل، بالتعاون مع مدارس أخرى، لذلك ليس كل شيء سلبي.
وأحب أن أنوه إلى نقطة أخيرة وهي أن ازدهار الثقافة المحلية في الإسكندرية، ليس فقط بفضل الأجانب لكن أظن صراحة أن الثقافة أولا يتم الحفاظ عليها وتنميتها بيد شباب المدينة والإزدهار سيأتي منهم.
نريدك أن تحدثينا عن الفاعلية الثقافية التي تعقد في نوفمبر المقبل، بالتعاون مع مركز الدراسات السكندري، ومن وجهة نظرك ما هو دور الإعلام المحلي في صون وحماية التراث غير المادي؟
كما أشرت سابقا أن الإعلام، وخاصة السوشيال ميديا، له دور كبير في تقدير وحماية ورفع الوعي حول حماية التراث وخاصة في الإسكندرية. واعتقد أن مركز الدراسات السكندري يفهم ذلك تماما ولديه استراتيجية كاملة للتعاون مع الإعلام، على سبيل المثال أنتم، وهذا التعاون بهدف انتشار هذه الثقافة لحماية وتقدير التراث.
وفي هذه السنه عنوان “يوم التراث” الذي ينظمه مركز الدراسات هو عنوان جميل جدا، وهو حول “الحدائق” و”الريف” في الإسكندرية، وهذا مثير جدا وأعتقد أنني سأشارك في هذا الحدث ولدي فضول كبير. وأخيرا اعتقد أن هذا سيساعد في رفع الوعي حول حماية تراث “الخضر” في المدينة وحول المدينة وارتباط ذلك بالبيئة وحماية البيئة في الإسكندرية وفي العالم بشكل عام.
* مؤسسة ولاد البلد الشريك الإعلامي لمركز الدراسات السكندرية.
تعليق واحد