عندما رفض المصريون الاحتفال بـ«شم النسيم»
ارتبطت أعياد الربيع منذ القدم بأسباب اقتصادية مختلفة وخاصة المحاصيل الزراعية على مدار العام، وتم الاحتفال بفصل الربيع باعتباره فصل النماء ووفرة الغذاء، ولكن في الأعوام التي عانوا فيها من نقص المياه أو المحاصيل الزراعية كان للمصريين طقوس وممارسات أخرى، حيث ارتبط الاحتفال على أساس الاعتقاد بوفرة الطعام الذي يخضع للعوامل الطبيعية كالنباتات والمياه والأحوال الجوية وصحة الحيوانات.
الاحتفال بعيد «شم النسيم» اليوم، باعتباره أحد الاحتفالات الدينية المصرية القديمة للإلة “مِن” وكان يقام بمناسبة شهر الحصاد في إبريل من كل عام، ووفقا لكتاب «موسم النبي موسى في فلسطين» كانت تُنظم فيه المواكب وتقام الصلوات وتؤدى الرقصات، ورغم اختفاء عبادة الآلهة المصرية القديمة بمرور الوقت، إلا أنه لازم المصريين الاحتفال بعيد الربيع على ضفاف نهر النيل.
أحداث عام 1834
يحسب المصريون عيد شم النسيم حسب التقويم القبطي، ويتم تحديد يوم شم النسيم عندما تهب رياح «الخماسين» والرياح الساخنة في اليوم الذي يعقب الاحتفال بأحد الفصح القبطي، ولكن في عام 1834 كان الوضع مختلفا حيث كان العام الأول منذ بداية القرن التاسع عشر الذي يشهد إلغاء عام لهذه الاحتفالات.
ووفقا لكتاب «عادات المصريين المحدثين» للكاتب إدوارد وليم لين، كان هذا العام مصدر حزن للمصريين، حيث شهد العديد من الكوارث التي حالت بين الاحتفال بعيد شم النسيم وما توالى بعده من مناسبات واحتفالات اعتادوا على التجمع والاحتفال بها.
رغم كل ما تعرضت له مصر من مخاطر سواء الحملة الفرنسية، وحروب محمد علي باشا ضد المماليك إلا أن ذلك لم تؤثر على الاحتفالات الدينية والمناسبات، حتى شهد عام 1834 العديد من الكوارث الطبيعية، كان أولها رياحا ساخنة قوية صحبتها سحب غبار منعت المصريين من ممارسة عادتهم السنوية في الخروج في أفواج وجماعات للاحتفال، حيث تم إلغاء الاحتفالات بكل الأعياد على مدار عدة أشهر بعدما شهد هذا العام نقص مياه النيل، وتعرض المصريين إلى الجفاف والجوع حينها، وفقا لكتاب «نهر النيل نشأته واستخدامه».
حزن النيل
ويوضح أحمد كمال الباحث التاريخي، أن جفاف النيل في هذا العام أثر على الزراعة بشكل كبير، فضلا عن الارتفاع الكبير في درجة الحرارة والذي جعل الامر يزداد صعوبة حينها، مضيفا أن حاشية محمد علي باشا لجأوا إلى كبار رجال الدين من الأقباط والمسلمين، وكذلك المشعوذين لمحاولة إيجاد حل لهذه الازمة.
وتابع لـ«باب مصر» أن الحياة في القرن التاسع عشر اعتمدت بشكل كبير على قوة وخير نهر النيل، والتي كانت سببا أيضا في اهتمام محمد علي باشا بتطوير الزرعة وطرق الري لإيمانه بأنه شريان الحياة، ويقول: “ارتبطت الاحتفالات كلها قديما بمياه النيل وعلى ضفافه، خاصة مع صعوبة تخزين المياه لفترات طويلة في المنازل وعدم وجود شبكة لإيصالها إلى المنازل”.
ومر على المصريين في عام 1834 شهران يعدان الأكثر صعوبة، تم إلغاء الاحتفالات خلالها، حتى موعد ارتفاع منسوب النيل في يوليو، ويوضح كمال: “اعتقد المصريون حينها بوجود ما يسمى النقطة وهي نقطة مياه تسقط في النيل فتزيد منسوبه، ويستدلوا عليها من خلال اختمار العجين بدون خميرة وهذا ما كانوا يعتقدونه ولكن بالطبع ارتفاع منسوب النيل كان له أسبابه المنطقية الأخرى”.
احتفالات شعبية
وخلال القرن التاسع عشر كان للمصريين عادات خاصة للاحتفال بـ«شم النسيم» على مدار الأيام السابقة له، حيث جرت العادة على إظهار مراسم الاحتفال بعيد شم النسيم بمبادرات شعبية جماعية، يخرج فيها الناس صباحا في مجموعات، ليكونوا في استقبال الشمس وحاملين معهم الطعام والشراب، ويقضون يومهم في الخارج على ضفاف اليل منذ الشروق حتى الغروب.
ووفقا لكتاب «طقوس احتفالات المواسم الشعبية»، كان يصاحب التجمع الأغاني والأناشيد الخاصة بعيد الربيع، وكان يستمر الاحتفال حتى بعد العودة إلى المنزل، حيث تقطف النساء الأزهار ذات الرائحة القوية وتجلبها معها إلى المنزل، ومنها زهور الياسمين التي كانت توصف بأنها عطر الطبيعة، لتزيين المنزل وتعطيره ثم استخراج عطر للزينة منه بعد طحنه وتعبئته.
كِشك وشم الهوا
ووفقا لكتاب «عادات المصريين المحدثين» كان يُعرف يوم الأربعاء السابق لشم النسيم بـ«أربعة أيوب»، وكان للمصريين حينها طقوس خاصة مثل الاغتسال بالماء البارد، وفرك الجسم بنبات متسلق يعرف باسم «رعرع أيوب» أو «الغُبيرة» وهما نوعان من النبات يُقال أن النبي أيوب استخدمهما ليسترد صحته مجددا.
وشملت هذه العادات الأقباط والمسلمين حينها، سواء في المدن أو القرى، واليوم التالي وهو الخميس يتم تناول المأكولات المعروفة لعيد الربيع كالأسماك المجففة والبيض، أما يوم الجمعة كان مخصص لإعداد طبق «الخلطة» وهو مكون من الكشك والفول النابت والأرز والبصل والفول، وذلك خلال منتصف القرن التاسع عشر، وفي يوم السبت كانت عادة النساء رسم عيونهن بالكحل، في «سبت النور» ويرددن : “في سبت النور.. كل العيون كحيلة”.
وعادة ما كان يبدأ المصريون يوم شم النسيم، بكسر بصلة وشم رائحتها، ثم ينطلقوا من المنازل قبل الظهر لقضاء الوقت إما في المراكب أو على ضفاف نهر النيل، جالبين معهم الطعام والشراب الخاص بكل أسرة، وهي عادة عرفت باسم «شم الهوا»، وجمعت الطبقة الفقيرة والمتوسطة فقط.
اقرأ أيضا
بالفسيخ والبصل وأشياء أخرى.. هكذا احتفل المصريون القدماء بشم النسيم
4 تعليقات