قصائد قبائل «البجاوية».. أشعار البطولة تنحت أسماء الجدود على صخور الجبال
تعتز القبائل «البجاوية» التى تعيش فى الجنوب الشرقى لمصر بأصولها، وتقدر نسبها القديم، وتنقل ثقافة احترام الجدود للأجيال عبر حكاياتها ونصوصها الشعرية، ولا يغفل الشعر الشعبى هذا الدور، فها هو النص الشعرى يبدأ بتعريف الجد، ويعني هنا أصل القبيلة بوصفه رئيسا وسيدا للقوم؛ ولأن الشاعر ينتمي إلى قبيلة العبابدة، فرع “العُقَدَة” – ينطقونها “العُجَدَة”– لذا كانت إشارته للفرع، وكذا فهو العقد الذي تجتمع حوله أفراد القبيلة، ولأن السيف عندهم من أسلحتهم المتعلقة بالقوة والشرف والكرامة والحماية، فإن الشاعر الشعبى يذكر نوعا يسمونه “الدُكَّري” واصفا إياه بالريان، أي الذي يلمع دلالة على أنه بتَّار، ويستمر الشاعر في شرحه للعادات الخاصة بالسيف؛ حيث لكل صبي سيفه الذي يدافع بها عن إبله وذاته، ويصبح السيف صاحبا له في كل وقت؛ في ارتحالاته وغدوه ورواحه؛ فالقبيلة لا تصدر إلا الفرسان الأقوياء، ورغم أن صبيانها يتسمون بالفروسية؛ لكنهم لا يعصون أفراد قبيلتهم من الكبار، كما يستكمل واصفا “الكُربياي”، وهو نوع من أنواع المصدات التي يطلق عليها أيضا “درقة”، وهي تستخدم أثناء الحروب للدفاع عن النفس، كما تستخدم كمصدات للسيوف أثناء الرقص، وهو ما عايناه ميدانيا في رقصة “الهوسييت”، ويطلق البعض عليها اسم الزرافية” لاستخدام جلد الزراف في كسوتها، والشاعر يصف “نكت الزرافية” ليشير إلى القوة، والنكت في لسان العرب أن تغرس قضيبا في الأرض، فيقولون “نكت الليث”، النكت أن تنكت بقضيب في الأرض؛ فتؤثر بطرفه فيها وفي الحديث، فجعل ينكت بقضيب أي يضرب الأرض بطرفه، والنكت: قرعك الأرض بعود أو بإصبع، وفي الحديث بينا هو ينكت إذا انتبه أي يفكر ويحدث نفسه وأصله من النكت بالحصى، ونكت الأرض بالقضيب، وهو أن يؤثر فيها بطرفه، فعل المفكر المهموم، وفي حديث عمر رضي الله عنه: دخلت المسجد؛ فإذا الناس ينكتون بالحصى أي يضربون به الأرض والناكت: أن يحز مرفق البعير في جنبه ، يقول النص:
جـــــدك عـقيـد قيمـان(1)
والــُدكَّـــــــرى(2) الـــــــــــــرَّيــان
مسكـوه ولاد صبـيـان(3)
قال فـارسـن(4)مطيع الكل
والـكربـياى(5) ليه ضـل(6)
نـَكَـــــتْ(7) الــــــــــزرافيــــــه(8)
ســـــــواهـــــــــــــا شـمـشـيـه(9)
رقصة الهوسييت
إن قبائل البجا تعتز بجذورها، وتحتفظ بحكايات وأشعار عن الجدود وحياتهم في الجبال والمراعى، وبطولاتهم، وهم دائما يسردون تفاصيل حروبهم ومواجهتهم لقواهر الطبيعة بما فيها من حيوانات وطيور جارحة، فضلا عن مواجهتهم لمن يعتدى عليهم من القبائل الأخرى، وهم يجعلون من السيف رمزا للقوة والدفاع عن النفس، لذا سنجد اعتزاز بسيوفهم المتنوعة وبرقصاتهم التى يستخدمون فيها السيوف “رقصة الهوسييت”، والسيوف عند البشارية لها أنواع كثيرة نذكر منها: (1) السليمانى، وهوسيف نصله ذو ثلاثة مجار، الأوسط أطول من الأخرين، في نهايتهما توجد دقة عبارة عن هلال ذى ثلاثة أسنان، وفى منتصفه نقطة- (2) دوكاريب، ونصله لا توجد به أي مجار، ويوجد على جانبى النصل دقتان عبارة عن هلال ذى ثلاثة أسنان، وفى منتصفه نقطة- (3) كارياى، وهو سيف نصله له مجرى واحد عريض في منتصف النصل، وعندهم نوع من السيوف يقال له: مأدَد، وهوسيف نصله من الحديد، ذويد محلاة بخيوط من سلك الفضة وجرب من الجلد يسمونه (برشم)، له حليات مثلثة الشكل ورسوم تغد بالضغط على الجلد(10)، ولا يتوقف الأمر عند الاعتزاز بالجذور وحسب، لكنهم يعتزون ببلادهم، وعاداتهم، وتماسكهم في مواجهة أعدائهم:
يا شلاتين.. مرسى علم.. حلايب
اسمنا فيكى حاضر ولا غـأيـب
بشاريه ونوبه وعبابده صفوفنا
معروفين كرما(11) نكرم ضيوفنا
لكن ساعة الجد بتجرح سيوفنا
ويا الدرقه (12) ما بتفضل رقايب
بشارية – نوبة – عبابدة
هكذا تتجلى الأشعار التي يتبارى أهل الجنوب الشرفي غناءً على أصوات البسنكوب والتصفيق؛ ومنها أغنية تمتدح البلاد، وتعلن عن مجبة أبنا البجا لمدن المنطقة “شلاتين- مرسى علم – حلايب” عاكسة السمات التي تتمتع بها القبائل هنا من الكرم، متسائلين عن حضورهم في المكان، وتجمع الأغنية كل التجمعات الإثنية هناك “بشارية – نوبة – عبابدة” في صف واحد، يجتمعون على المحبة والغناء والسعي للرزق في الجبال والوديان، ويرصد النص بعض صفاتهم مركزة على إكرام الضيوف؛ لكنهم حين يتم الاعتداء عليهم يقومون بسل السيوف لمواجهة العدوان وتقطيع رقاب من يعتدي عليهم، ومن محبة البلاد إلى الفخر بانتصارات مصر والعرب في حرب أكتوبر 1973 على العدو الصهيونى؛ فالشعر الشعبى لا يتوقف عند ذكر صفات القبائل وامتداحها، فحسب؛ لكنه يتابع ويسجل محبته وفخره بانتصارنا في الحروب على أعدائنا:
انتصروا العـرب يوم عشـره فى رمضـان(13)
انتصروا العـرب دايـان صبـح مرضـان
عشان جيش العرب قرض اليهـود قرضـان
ومـائيير للصبـاح ما بطـلـت جضــان(14)
== == == == == ==
انتصروالعرب يوم سبـت كـان فى العصـرى(15)
وَعَـدِّيْنَا القنـال رافعـين علمـنا المصــرى
واتـهـزم اليهـود وجيوشـهـم محتصــرى(16)
تبقـى نفـوسهم طـول الأبـد منكســرى(17)
== == == == == ==
جيت أتسلى يوم فى الجرنال لقيت صورتها
لغـأيـة الدقـن نازلـه الـجلود قورتها
حتى الكـلب دايـان ماشـى بشـورتها
وانتصر العـرب مائير يا طـول حـيرتها
== == == == == ==
مائيير تبـكى وتقـول الفـكر احتـار
دايـان اتمسح مين الـ يجيـب التــار
ولسه من العرب راح يشوف بلاوى كتار
والمنخـار شـبر والعـين تلـت تمتـار
== == == == == ==
غضب الله على عينه الشمال مكدوده
ومائيير تبكى وتلطم كتير فى خدوده
== == == == == ==
لما طلقنا صاروخ سام تلاته وسته
راح نــــزل الفانتـــوم عليه ميـــت حته
دايان العبيط يوم طين عليك يتأتى
وسنلاحظ أن القصيدة تتسم بملمح سردى، إذا تحكى بعض تفاصيل المعركة التى انتصر فيها العرب – لاحظ تركيز النص على العرب – على الصهاينة، بداية من ذكر موعد قيام المعركة “يوم عشره من رمضان” عبور قناة السويس، ورفع العلم المصرى على أرض سيناء، ووصفه لحالة موشى ديان وجولد مائير لحظات الهزيمة، كما لا يخلو النص من وصف بعض أنواع الأسلحة التى ساهمت في النصر، وتسير القصيدة على نمط رباعى متتالى القافية، على النحو التالى(أ-أ- أ-أ)، وتعد نمطا غير متكرر في الأشعار التى قمنا بجمعها، نظرا لارتباطها بحدث يعد حديثا مقارنة بما تتناوله الأنواع الأخرى من ذكر البطولات الخاصة ببعض الشخصيات في القبيلة، أو القصائد التى تزخر بصفات الفخر ببعض العادات والتقاليد الخاصة بالجدود.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- أى رئيس، وسيد القوم، أى أنه عقد الذى يلم أفراد قبيلته .
- اسم من اسماء السيف عندهم.
- صبية.
- فارس.
- درع / درقه تستخدم أثناء الحروب للدفاع عن النفس، وتستخدم الآن كمصد لضربات السيف أثناء الرقص.
- له.
- ألقاها أرضا.
- الزرافيه: درع / درقة، تسمى الزرافيه، وهى تستخدم أثناء الرقص بالسيف لصد ضربات السيف، وسميت
- بهذا الاسم لأنها تغطى بجلد الزراف، وهناك نوع آخر من الدروع يسمى الكوربياى (أنظر حرف الكاف)، أى أنه جعل من درعه المسمى “زرافيه” شمسية له، أى حماية من ضربات الأنداد الراقصين.
- صناعات وحرف شعبية مصرية، (إشراف علمى)، الهيئة العامة لقصور الثقافة، 1995.
- كرماء، من الكرم.
- الدرقة : مصد ضربات السيوف.
- يبدو أن هذا النص مؤلف، رغم أن شاعره يؤكد أن الجميع يردده، لكن ما كان يعنينا عند جمعه هو قدرة الشاعر على ملاحقة بعض الأحداث المهمة فى تاريخ الوطن لينشدها شعراً.
- صيغة مبالغة، وتعنى أنها لم تكف عن البكاء بغيظ .
- ساعة العصر.
- محاصرة.
- منكسرة .
أقرأ أيضا:
«صبّى الجبنة يا بنية».. المشروب السحري لقبائل الجنوب الشرقي لمصر