قدمتها أمينة رشيد: آني إرنو في مصر
“للشجاعة والحدة التي اكتشفت بها الأصول والاغتراب والابتعاد عن القيود الجماعية للذاكرة الشخصية”، كان هذا وصف الأكاديمية السويدية في البيان الرسمي، الصادر اليوم، لفوز الكاتبة الفرنسية آني إرنو بجائزة نوبل للآدب لعام 2022.
كاتبة الحياة اليومية
عبر 31 كتابا ورواية، استطاعت الكاتبة الفرنسية صاحبة الـ 82 عاما، التعبير عن الحياة اليومية، استمدت من تفاصيل حياتها الواقعية أحداثا للكتابة عنها، وقبل فوزها كانت واحدة من أكثر المؤلفين المرشحين للفوز بالجائزة.
بحسب ما أعلن موقع “جائزة نوبل” إنهم لم يتمكنوا بعد من الوصول إليها عبر الهاتف، لكنهم يتوقعون أن يتمكنوا من التحدث إليها قريبًا. وقال أندرس أولسون رئيس لجنة نوبل بالأكاديمية السويدية : “نقرأ في كتاباتها فحص إرنو باستمرار للحياة من زوايا مختلفة.. كتاباتها عن الحياة تتميز بتباينات شديدة فيما يتعلق بالجنس واللغة والطبقة”.
روائية تتبرأ من نفسها !
وُلدت إرنو عام 1940 ونشأت في بلدة يفيتوت الصغيرة في نورماندي. درست في جامعة روان، وكانت أستاذة جامعية وفي حوار قديم لها وصفت مسيرتها في الكتابة أنها كانت طويلة وشاقة.
لم تصف نفسها يوما أنها كاتبة روائية، لكنها قالت أن أسلوبها يمكن وصفه أنه “إثنولوجية خاصة بها”. ورغم صدور الرواية الأولى لها “الخزائن الفارغة” عام 1974 عن تعرض فتاة جامعية لعملية إجهاض غير قانونية وتجربتها الأليمة، لكن كانت شهرتها الحقيقية في عام 1983 بإصدار روايتها “المكان” التي تسرد النشأة الاجتماعية مع والدها “صاحب محل بقالة” وتأُثيره عليها.
بحسب كتاب “الكاتبات العربيات: دليل مرجعي نقدي ، 1873- 1999” الصادر باللغة الفرنسية، جمعتها علاقة صداقة بأستاذة أدب مصرية والتي كانت أول من ينقل أدبها إلى مصر باللغة العربية.
مناضلتان من فرنسا ومصر
يكشف الشاعر والناقد د. وليد الخشاب أستاذ الدراسات العربية أستاذ الدراسات العربية بجامعة يورك، كندا، علاقة الأديبة الفرنسية “آني إرنو” بالأدب المصري، ويقول لـ “باب مصر”: “كانت آني إرنو مناضلة في الحزب الشيوعي الفرنسي، ولهذا كانت صديقة لبعض اليساريين المصريين الذين عاشوا في فرنسا.
ومن بينهم صداقتها بالدكتورة الراحلة أمينة رشيد أستاذ الأدب الفرنسي والمقارن بكلية الآداب جامعة القاهرة، خلال فترة الستينات والسبعينات، وخلال التسعينات قررت أمينة رشيد ترجمة رواية “المكان” وهي أول رواية تُنشر لـ “آني إرنو” باللغة العربية في مصر. ويستكمل الخشاب، أنها ترجمتها مع الدكتور سيد البحراوي أستاذ الأدب العربي الحديث والنقد بكلية الآداب جامعة القاهرة قسم اللغة العربية.
إرنو في مصر
وقت إطلاق الرواية، حرصا على دعوة “آني إرنو” إلى مصر، وقدمت محاضرات وعُقدت ندوات بحضورها في مصر، وتعرفت خلال زيارتها على بعض أعضاء الوسط الثقافي في مصر.
وعلى حد وصف الخشاب، منذ ذلك الوقت أصبحت الأديبة الفرنسية آني إرنو واحدة من الأدباء الفرنسيين القلائل الذين تُترجم أعمالهم إلى اللغة العربية بانتظام، ويضيف: “بعد عمل أمينة رشيد وسيد البحراوي أصبحت إرنو موجودة بقوة في الرسائل الأكاديمية في مصر مثل رسالة الماجستير للصحفية دينا قابيل، وجزء من رسالة الدكتوراة للدكتورة داليا السجيني المدرس بكلية آداب جامعة القاهرة”.
العلاقة التي خلقتها أمينة رشيد عن أدب “آني إرنو” استمرت لاحقا، إذ ترجمت هدى حسين لها ثلاث روايات كما ترجمت لها نورا أمين رواية أخرى أيضا. ويضيف د. وليد الخشاب: “كنت تلميذا لأمينة رشيد وخلال عملي في الإذاعة الفرنسية، حاورتها في منزلها عن عملها وخاصة عن رواية المكان المترجمة عن آني إرنو”.وليد الخشاب
كتابة ذاتية
المثير في كتابات “آني إرنو” أنها تكتب كتابة ذاتية، والمقصود بها على حد وصفه هي كتابة عن خبرات ذاتية، كذلك معظم كتاباتها الإبداعية عن تجاربها الشخصية، وهذا يشبه الطريقة التي اتبعها الكُتاب في مصر خلال التسعينات.
ويضيف الناقد الأدبي: “لهذا نجد اهتمام بهما في الأدب الفرنسي أو القارئ للأدب الفرنسي، لأن كتاباتهما ذات روح تشبه كتابة المصريين في التسعينات”.
عن روايتها المُعربة الأولى “المكان”، يصفها بأنها كانت حينها حديثة نسبيا لأنها تناولت الصعود الثقافي والطبقي، والمكان المقصود به المكان في المجتمع العالم، وكيف ارتقت في السلم الاجتماعي رغم أنها من أسرة من الطبقة العاملة، ثم أصبحت أستاذة أكاديمية كبيرة ومرموقة ورغم ذلك لم تنس مكانتها الاجتماعية الأولى.
وقالت في مقدمة رواية “المكان”: “هذا الكتاب ولد من وجع، وجع أتاني فترة المراهقة، عندما قادتني المتابعة المستمرة للدراسة، ومعاشرة زملاء من البرجوازية الصغيرة إلى الابتعاد عن أبي، العامل السابق، والمالك لمقهى بقالة، وجع بدون اسم، خليط من الشعور بالذنب والعجز والتمرد، لماذا لا يقرأ أبي، لماذا “يسلك بفظاظة”، كما يكتب الروائيون ؟. وجع مخجل لا يستطيع الإنسان أن يصرح به أو حتى يشرحه لأحد”.
كتابة من وجع
بالإضافة إلى ذلك، فإن المثير في كتابة “آني إرنو” أنها تكتب عن تجربتها كامرأة، وكانت كتاباتها الواقعية سببا في تغير النظرة العامة للغرب. ويوضح: “عادة ما ينظر المصريون إلى الغرب أنه متقدم، ولديه قيم معينة، لكن كتابات إرنو تذكرنا بالصراعات التي تحدث على مدار التاريخ وعند قراءتها نرى كيف كانت في حالة سيئة وتعرضت للعديد من الظروف التي تهدد حياتها ومستقبلها”.
في روايتها الصادرة عام 2000، بعنوان “الحدث” كتبت عن تجربتها مع الإجهاض في الستينيات عندما كان لا يزال غير قانوني في فرنسا، والتي تم تحويلها لاحقا إلى فيلم وفاز بجائزة الأسد الذهبي في مهرجان البندقية السينمائي عام 2021.
ويتابع الخشاب: “كانت حامل وأجهضت، كان الإجهاض حينها ممنوعا ونحن في تصورنا أن الإجهاض من الأمور المُباحة، لكنه كان جريمة مثل الحال في الوطن العربي، كذلك نعتقد وجود ديموقراطية ومساواة في فرنسا لكن بقراءة رواية المكان نكتشف وجود طبقية وتعالي على الطبقة من أصول عمالية مثل إرنو”.