في مهرجان المسرح العربي.. إصدار خاص لـ”الحجراوي” يتضمن نصوص لـ”التونسي وحداد وجاهين”
أعلنت الهيئة العربية للمسرح، عن نشرها لكتاب “المسرحية الشعرية العامية في مصر 1921: 1986 دراسة تحليلية” للناقد المسرحي المصري عبد الكريم الحجراوي، في إصدار خاص بمناسبة مهرجان المسرح العربي الدورة الحادية عشر، المقام في مصر من الفترة 10: 16 يناير/ كانون الثاني، بالتعاون مع وزارة الثقافة المصرية برعاية وزيرة الثقافة إيناس عبد الدايم.
ويتعامل هذه الكتاب مع مجموعة من الأعمال المسرحية المكتوبة شعرًا باللهجة العامية المصرية، وتمثلت في أربعة نصوص لبيرم التونسي، ونص مشترك لكل من فؤاد حداد ومتولي عبد اللطيف، وأربعة نصوص لنجيب سرور، ونص لصلاح جاهين.
ويعد هذا الكتاب هو الأول من نوعه الذي يدرس هذا اللون المسرحي، فالحجراوي ينطلق من فرضية ترى أن المسرح الشعري العامي في مصر، قد أغفله الدارسون، نتيجة لطبيعة اللغة التي كتب بها ذلك النوع من المسرح، وتفضيلهم للمسرح المكتوب باللغة العربية الفصحى الشعري منه والنثري، كما ترجع قلة الدراسات للمسرح الشعري والنثري العامي إلى ضياع الكثير من نصوص تلك المسرحيات، لعدم اهتمام الفرق التمثيلة بالاحتفاظ بنسخ منها في أرشيفها، فبقيت أسماء تلك المسرحيات دون متون تلك النصوص، بالإضافة إلى أن المسرح بشكل عام يعاني في مصر قلة دارسيه.
ويكشف عبد الكريم الحجراوي في كتابه عن بدايات هذا النوع المسرحي في مصر، والدوافع التي أدت إلى ظهوره، والروافد التي استقى منها هذا المسرح مادته، ورصدت المؤثرات العربية والغربية عليه، واعتمد في هذا على ثلاثة مناهج، المنهج التاريخي، والمنهج الوصفي التحليلي، لدراسة تقنيات المسرح الشعري العامي، ثم المنهج الاجتماعي، لمعرفة قدرة هذه النصوص على مناقشة القضايا التي اهتم بها المجتمع المصري، في فتراته المتعاقبة.
يوضح الحجراوي ارتباط ظهور المسرح في مصر باللهجة العامية، وذلك في أواخر القرن التاسع عشر، في مسرح “يعقوب صنوع”، مؤسس المسرح العربي في مصر – 1870: 1872، وكان هذا الظهور للعامية في المسرح مقبولًا في فن جديد على مصر، لا توجد له سوابق أدبية باللغة العربية الفصحى، فلم تكن تحددت ملامحه من قبل، بالإضافة إلى رغبة “يعقوب صنوع” نفسه حين اختار العامية في إيصال رسائله وأفكاره السياسية إلى عامة الشعب بلغتهم، بالإضافة إلى أنه يكتب مسرحيات كوميدية، والأليق بهذا النوع من المسرح هو العامية.
واشتدت حركة الدعوة إلى العامية في مصر، بعدما اقترنت بحركات التجديد والإصلاح، حيث ظهرت حركة التمصير، بظهور القومية المصرية في أواخر القرن التاسع عشر، وتبعتها في أطوار نموها حتى بلغت أشدها بعد ثورة 1919، مما جعل حركة التأليف المسرحي بالعامية المصرية تشتد.
ويلفت الحجراوي إلى عدم تناول أحد من دراسي المسرح في مصر من قبل، دراسة المسرحية الشعرية بلغتها العامية المصرية، فهذا المسرح الشعري لم تكشف أبعاده، أو تترسم معالمه الأكاديمية بعد، رغم أن المسرح الشعري العامي ليس اتجاهًا وليدًا، بل إنه موجود منذ أكثر من قرن وربع من الزمان، وبالتحديد سنة 1889م، وذلك حين مصَّر “محمد عثمان جلال” أربع مسرحيات لـ”موليير”، وكتب من بعده في هذا المجال، كبار شعراء العامية المصرية، وإن كانت هناك أعمال درست من قبل شعراء العامية ومسرحهم ولكن بشكل فردي دون تسليط الضوء على المسرح الشعري العامي ككل.
يؤكد الحجراوي أن الحركة المسرحية في القرن التاسع عشر لم تنشأ من فراغ، بل كانت هناك العديد من الظروف التي مهدت لظهور فن المسرح في مصر، ومنها المحدث الذي يحكي القصص نثرًا على عكس المنشد، أو شاعر الربابة الذي يقص على الجمهور سير الأبطال شعرًا، معتمدًا على حافظته فيمثل بعض الأحيان انفعالات ومشاعر أبطاله، الذين يحكي عنهم، فهذا المنشد عنصر من العناصر التي مهدت لظهور الشعر العامي المسرحي، هو الأمر الذي مهد لظهور المسرح ككل في مصر، وخاصة المسرح العامي الشعري.
ويشير إلى أنه في عام 1889م 1307هـ، وبعد اثنين وأربعين عامًا من أول مسرحية عربية ظهرت لـ”مارون النقاش” أبو الحسن المغفل 1847م، قدم “محمد عثمان جلال” أربع مسرحيات فرنسية لـ”موليير” وقام بتمصيرها شعرًا وضمها في كتاب واحد واسمه “الأربع روايات من نخب التياترات”، وهي: “الشيخ متلوف والنساء العالمات” و”مدرسة الأزواج” و”مدرسة النساء” وبعد ذلك قام بضم هزلية أخرى قصيرة لـ”موليير”، “الثقلاء” عام 1896م 1314 هـ.
ويعلق الدكتور “محمد يوسف نجم” على مسرحية الشيخ “ملتوف” قائلًا: “فإن الشيخ متلوف في بديع زجلها، وروعة شاعريتها، وصدق تمثيلها للروح المصرية الشعبية لتقف إلى جانب ترتوف موليير موقف الند للند”.
في عام 1904 خرجت أول مسرحية مصرية عامية غير مترجمة، أو ممصرة لـمحمد عثمان جلال، وكانت المسرحية بعنوان رواية “المخدمين”، تدور “حول حيل المخدمين ومكرهم وخداعهم وخضوع الخدم لسيطرتهم”، وهي عبارة عن ملهاة.
وخلص الحجراوي في كتابه إلى مجموعة من النتائج منها تعلق كتاب المسرح الشعري العامي بالقضايا الوطنية التي عاصروها وشغلت الرأي العام المصري، هو ما ظهر بوضوح في أعمالهم المدروسة.
كما شهد هذا النوع المسرحي نقلة كبيرة على يد نجيب سرور، الذي جعل من اللغة العامية لغة قادرة على سرد المآسي التراجيدية في المسرح، وليست لغة ملاهٍ كوميدية فقط، وقد استطاع توظيف المنهج البريختي بما يخدم فكره الثوري.
وتَبِع كتَّابُ المسرح الشعري العامي، نهجَ من كان قبلهم من شعراء الفصحى بالمسرح، من حيث استخدامهم لعناصر السرد والغنائية والحكاية، وذلك نتيجة لتأثرهم بفنون الفرجة العربية الخمسة المتمثلة “في رواية السيرة الشعبية، والأرجوز، وخيال الظل، والمحبظين، والتعزية”.
اشترك جميع كتاب المسرح الشعري العامي في الطابع الغنائي، الذي كان العنصر الأبرز داخل أعمالهم مع اختلاف المدارس المسرحية التي اعتمدوا عليها في سواء المنهج الكلاسيكي الأرسطي، أو المنهج البريختي، الذي يعتمد على التغريب وكسر الإيهام والجوقة.
عبد الكريم الحجراوي من مواليد إسنا جنوب الأقصر، باحث دكتوراه في جامعة القاهرة بكلية الآداب قسم اللغة العربية، له مجموعة من الأعمال الإبداعية قيد النشر، منها ديوان شعر بعنوان “لم يكن عدلًا” ومجموعة قصصية بعنوان “القيامة”، وروايتين “ما قبل الرحيل” و”هند”، بالإضافة إلى عدد من الأبحاث النقدية موزعة ما بين الرواية والمسرح والأدب الشعبي.
5 تعليقات