في مئوية ثورة 1919.. قصة توفيق أندراوس الذي هتف زعيم الأمة باسمه
في ذكرى مئوية ثورة 1919 نستعرض تاريخ توفيق باشا أندراوس، النائب البرلماني بمجلس الأمة لثلاث دورات متتالية، الذي قدم تاريخا كبيرا من النضال والوطنية، والذي يعرفه أهل الأقصر والصعيد عامة، ودائمًا يتذكرونه بمواقفه الوطنية.
توفيق أندراوس بشارة هو نجل أندراوس باشا، الذي ورث عنه الوطنية المخلصة، ولد عام 1893 بمدينة قوص وحصل على الابتدائية من مدرسة الأقصر الابتدائية، ثم رحل إلى القاهرة ليلتحق بالمدرسة التوفيقية الثانوية، وبعدها التحق بجامعة أكسفورد بانجلترا، ثم عاد لمصر ليبدأ مشواره الوطني الذي سجله التاريخ بحروف من نور.
في مئوية ثورة 1919.. مقابلته لسعد زغلول
كان توفيق أندراوس أصغر شابًا طلب من سعد زغلول انضمامه للوفد، الذي طالب باستقلال مصر التام، ويذكر السياسي المصري، وعضو الهيئة العليا لحزب الوفد آنذاك، فخري بك عبد النور، في كتابه “مذكرات فخري عبد النور: ثورة 1919 ودور سعد زغلول في الحركة الوطنية”، بداية ظهور توفيق باشا في مشوار الثورة.
يقول فخري عبدالنور في ذكرى مئوية ثورة 1919: “حين اعتزم سعد زغلول النهوض بعبء المطالبة بحقوق مصر فى مؤتمر السلام فى باريس، وكان ذلك في نوفمبر 1918، أجرى مشاورات مع زملائه لتشكيل وفد، ينوب عن المصريين فى مقابلة المعتمد البريطانى فى مصر”.
وكانت النواة الأولى لهذا الوفد تضم سعد وبعض زملائه من أعضاء الجمعية التشريعية، وهم علي شعراوي باشا وعبدالعزيز فهمي بك ومحمد محمود باشا وأحمد لطفي السيد بك ومحمد علي علوبة بك، وتعددت اجتماعاتهم واتصالاتهم إلى أن تحدد موعدهم لمقابلة السير ونجت المعتمد البريطاني في الثالث عشر من نوفمبر سنة 1918.
استكتاب التوقيعات في ثورة 1919
وبالفعل تمت المقابلة التاريخية التي كانت الشرارة الأولى للثورة، ولما كانت تنقص الهيئة السياسية الجديدة الصفة القانونية في المطالبة بحق الاستقلال والجلاء، فقد بدأ الوفد يستكتب التوقيعات من مختلف أفراد الشعب، هيئاته وجماعاته بتوكيله في الدفاع عن القضية المصرية والمطالبة بحرية البلاد واستقلالها، وأقبل الشعب على توقيع التوكيل إقبالا منقطع النظير.
ويذكر عبد النور، في ذكرى ثورة 1919، أنه سمع من صديقه علي شعراوي عن الوفد ومقابلة السير ونجت، فروى للحاضرين من وجهاء وأعيان الأقباط بنادي رمسيس، فلاحظوا أن أسماء أعضاء الوفد التي ذكرت بعرائض التوكيلات التي توزّع فى البلاد، ليس بينها اسم أحد من الأقباط، ورأوا أن هذا لا ينبغى أن يكون، وأنه لابد من استكمال هذا النقص.
لقاء مع سعد باشا
ويضيف القيادي الوفدي في كتابه أنهم قرروا انتداب ثلاثة من الحاضرين للذهاب إلى سعد باشا. وعرض هذا الموضوع عليه، واختير الثلاثة فعلا. وكان فخرى عبدالنور أحدهم، أما الآخران فهما الأستاذ ويصا واصف المحامى وعضو الحزب الوطنى. وتوفيق أندراوس من أعيان الأقصر. وطلب الثلاثة تحديد موعد لمقابلة سعد باشا فى بيت الأمة للتحدث معه في هذا الأمر وتحدد الموعد بالفعل.
رحّب بهم سعد باشا ترحيبًا كبيرًا، وأعرب عن اغتباطه بالفكرة التي حضروا من أجلها. ودار الحديث حول اختيار عضو أو أكثر من الأقباط في الوفد. فيما أكد توفيق أندراوس “أن الوطنية ليست حكرا على المسلمين وحدهم” فسرّ سعد باشا وقبّله على هذه الكلمة. وعاد الأستاذ توفيق فأكد أن العنصرين اللذين تتألف منهما الأمة المسلمين والأقباط يعملان بتفكير واحد. ورأى واحد، فيما يحقق مصلحتهما في الحصول على الاستقلال.
دوره في الثورة
أهل الأقصر يتناولون المواقف البطولية لتوفيق أندراوس حتى يومنا هذا؛ فمن بين الروايات التي يتم تداولها؛ أن القصر الملكي في وقت الثورة حاول إقصائه عن المشاركة بالثورة، وخاصة أن أحمد حسنين باشا، الذي رافقه خلال دراسته بجامعة أكسفورد، عرض على توفيق أندراوس رغبة الملك فؤاد في تعيينه سفيرًا بلندن، مقابل ترك سعد زغلول وعدم مشاركته، فما كان من توفيق باشا إلا أنه رفض بشدة واستمر في دعمه للثورة.
كما قام أندراوس ببيع سبعمائة فدان ووضع ثمنها، تحت تصرف السيدة صفية زغلول أم المصريين، من أجل الحركة الوطنية، حين علم بنضوب خزينة الوفد.
مواقف بطولية جمعته بزعيم الأمة
يستشهد الدكتور عبد الجواد عبد الفتاح، شاهد على تاريخ الأقصر؛ على وطنية توفيق باشا أندراوس وإخلاصه لوطنه. يقول إن أشهر موقف ندلل به على وطنية الرجل هو تحديه لبدر الدين بك، مدير الأمن العام. ويشرح قائلا “حين صادرت الحكومة وسلطاتها حرية سعد زغلول عام 1921 في رحلته النيلية، ومنعت الحكومة الباخرة نوبيا، التي كان يستقلها زغلول من أن ترسو على أي شاطئ من شواطئ المحافظات، بحجة الحفاظ على الأمن العام”.
ويضيف عبد الفتاح؛ حاول المواطنون آنذاك في جرجا وأسيوط إيقاف السفينة لكنهم فشلوا في ذلك. إلا أن توفيق باشا أندراوس لجأ لحيلة تمكن من خلالها إرساء السفينة أمام قصره بكورنيش النيل بالأقصر. إذ احتشدت الجماهير آنذاك لتشهد زعيم الأمة. بعد أن استغل توفيق باشا كونه قنصلًا لعدة دول أجنبية، فرفع أعلام تلك الدول وهو ما أعطاه حصانة قانونية. فكانت الأقصر المدينة الوحيدة التي استطاعت استقبال سعد زغلول. ورحبت به الجماهير قائلة يحيا سعد، فرد سعد زغلول: بل يحيا توفيق بك أندراوس.
ويتابع؛ كما أن توفيق أندراوس كان له موقفًا جريئًا له في الثلاثينيات. حين عارض توفيق باشا الحكومة وبلدية الأقصر بتحويل مدافن المسلمين إلى الجبل. وأصر أن تظل بمكانها بالسيد يوسف. وبرر ذلك بأن أبناء الأقصر يحتاجون لسيارات لنقل موتاهم مما يكلفهم فوق طاقتهم.
توفي توفيق باشا عام 1935، ويقول عبد الفتاح؛ إنه في وفاته بكاه أهل الأقصر والشعراء والعامة. منهم محمود بك محسب والشاعر محمد موسى الأقصري، كما حضر جنازته مكرم عبيد وحشود غفيرة.
و في ذكرى الأربعين لوفاته حضر الزعيم مصطفى النحاس رئيس الحكومة، حفل تأبين توفيق باشا بكنيسة العذراء. وألقى خطبة شديدة الوطنية في تأبين توفيق باشا.