في ذكرى ميلاد "حليم".. محطات فنية غيرت حياة العندليب
كتب- إيهاب محمود الحضري
اسمه عبد الحليم علي شبانة، وكانت قرية الحلوات بمحافظة الشرقية هي محل ميلاده في الحادي والعشرين من يونيو لعام 1929.
جاء إلى الدنيا بعد رحيل أمه بدقائق، فقد ماتت بعد ولادته مباشرة، ولم يكد يتم عامه الأول في الحياة حتى لحق بها أبوه، ليتولى إخوته الثلاثة الكبار: علية، محمد، وإسماعيل، تربيته.
في عام 1943، التحق عبد الحليم بمعهد الموسيقى العربية قسم التلحين، حيث قابل كمال الطويل الذي كان يدرس بقسم الغناء والأصوات، وبعد أن أنهى حليم دراسته عمل مدرسًا للموسيقى لأربع سنوات ثم قدم استقالته ليلتحق بفرقة الإذاعة الموسيقية، حيث التقى، لأول مرة، بالإذاعي الكبير حافظ عبد الوهاب الذي آمن به واكتشف موهبته، وسمح له باستخدام اسمه ليصبح عبد الحليم حافظ، بدلًا من عبد الحليم شبانة.
حليم والغناء
كانت البداية الفعلية لحليم في عام 1951، عندما غنى قصيدة “لقاء” للشاعر صلاح عبد الصبور، ولحن كمال الطويل، حيث أجازته لجنة الإذاعة ليبدأ مشوارًا فرضه نجمًا جماهيريًا لا يُشق له غُبار، وقد تلتها أغانٍ عديدة منها: “اصحى وقوم”، “نسيم الفجرية”، “هلَّ الربيع”، “الأصيل”، وكلها أغنيات تلونت بالحب والرومانسية، غير أن ذلك اللون البهيج بدأ في الانحسار تدريجيًا مع حلول عام 1956، ليس بسبب العدوان الثلاثي على مصر، ولكن لأن مرض البلهارسيا كان قد اشتد أثره وتفاقم بدرجة واضحة، فبدأ الحزن يعرف الطريق إلى أغنيات حليم.
في الفترة التالية، ومع حضورٍ لافتٍ للعندليب، لم يكن غريبًا أن يلحن له الموسيقار محمد عبد الوهاب بعض الأغنيات: “نبتدي منين الحكاية”، “فاتت جنبنا”، “أهواك”. كما تعرف حليم على الشاعر الشهير نزار قباني الذي سمح للعندليب بغناء بعض قصائده: “قارئة الفنجان”، “رسالة من تحت الماء”، “زي الهوا”، “أي دمعة حزن لا”، وقد تعاون خلال تلك الفترة مع محمد الموجي، كمال الطويل، وبليغ حمدي، لتلحين الأغنيات.
غنى العندليب ما يقارب 230 أغنية عبر مشواره الفني الكبير، وقد قام صديقه المقرب مجدي العمروسي بجمع تلك الأغنيات في كتاب اسمه “كراسة الحب والوطنية.. السجل الكامل لكل ما غناه العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ” وقد تضمن كل ما غنى حليم، ما يمثل سجلًا أمينًا لمشوار العندليب الغنائي.
وكان عبد الحليم حافظ مصريًا قبل كل شيء، وكان واحدًا من هؤلاء الفنانين الذين فهموا قيمة الفن ودوره وتأثيره، لا على مستوى الذوق العام فقط، ولكن بقدرته على التأثير فيما يخص الجانب السياسي أيضًا، فوقف حليم بعد هزيمة 1967، في قاعة ألبرت هول بلندن أمام 8 آلاف شخص ليغني لصالح المجهود الحربي في تلك الفترة الصعبة في تاريخ مصر الحديث، وقد قدم عبد الحليم في هذا الحفل أغنية المسيح كلمات عبد الرحمن الأبنودي وألحان بليغ حمدي، وغنى في نفس الحفل أغنية عدى النهار، وهي أيضاً للأبنودي وبليغ، وهي واحدة من أبرز حفلات عبد الحليم على مدار تاريخه الطويل.
حليم والسينما
في عام 1955، كان عبد الحليم حافظ يطل على الجمهور من شاشة السينما لأول مرة، في فيلم “لحن الوفاء” ونتيجة لما حقق من نجاح على كافة المستويات، خطا حليم خطوات سريعة في عالم السينما، وقدَّم 15 فيلمًا آخرين، من أبرزهم “الوسادة الخالية”، “الخطايا”، “معبودة الجماهير”، وكان عام 1969 شاهدًا على انتهاء علاقته بالسينما، إذ عُرض في ذلك العام فيلم “أبي فوق الشجرة” وهو آخر أفلام العندليب، وقد حقق نجاحًا كبيرًا رغم ما وُجِّه إليه من انتقادات تخص احتوائه على مشاهد ساخنة.
كان النجاح الذي حققه عبد الحليم حافظ يعود إلى موهبته بالضرورة، غير أن المطرب الكبير محمد منير يرى أن ذكاء العندليب لعب دورًا مهمًا أيضًا في ذلك. يقول منير في شهادة منشورة بالكتاب، سالف الذكر: “عبد الحليم كتب له الخلود؛ لأنه لم يكن ينظر تحت قدميه، كان يتأمل التاريخ دائمًا، وينظر إلى داخل قلوب الناس مباشرة، وهو يغني لهم، ويرصد احتياجات الزمن.. فكان ذكاء حليم واحدًا من أهم أسباب نجاحه”.
مسلسل واحد يكفي
لم يقدم العندليب سوى مسلسل واحد عبر مشواره الفني هو مسلسل “أرجوك لا تفهمني بسرعة”، وقدمه في فترة السبعينات، وشاركه البطولة وقتذاك الفنان عادل إمام والفنانة نجلاء فتحي.
وصية حليم
أوصى عبد الحليم حافظ، في وصيته، أن تظل شقته أمام حديقة الأسماك في حي الزمالك باسمه، وأن تبقى مفتوحة لمن يحب أن يزورها من جمهوره أو معجبيه، وأن يسكنها من يشاء من أشقائه مع شحاتة وفردوس أبناء خالته، واللذان كانا يخدمانه منذ انتقالهما معه من العجوزة إلى شقته في الزمالك.
وفاته
وفي يوم الأربعاء، الثلاثين من مارس لعام 1977، كان المرض ينهي آخر جولات معركته مع العندليب الأسمر معلنًا فوزه عليه، بعد أن قضى على كبده بسبب إصابته بالبلهارسيا وهو صغير، وقد كانت جنازته مهيبة لم تعرف مصر مثيلًا لها إلا في مناسبتين: جنازة الرئيس جمال عبد الناصر، وجنازة أم كلثوم، وشيعه عدد هائل من جمهوره وصل إلى 2.5 مليون تقريبًا.
3 تعليقات