في ذكرى مولد الشيخ جلال الكندي.. أين دفن ابنه تاج الدين؟
أورد الشيخ الأدفوي في كتابه (الطالع السعيد في ذكر نجباء الصعيد)، ترجمة وافية لشخصية الشيخ جلال الدين الكندي، صاحب المقام المعروف بعزازية دشنا، والذي ينطلق مولده في غرة شعر ربيع الأول من كل عام.
وأشار الأدفوي في ترجمته إلى الوصية التي تركها الشيخ جلال الدين لابنه تاج الدين، والتي حوت عشر بنود أهمها تقوى الله والإحسان إلى أهل الذمة والجد في طلب العلم، وبحسب الأدفوي فقد ولد الشيخ جلال الدين بدشنا سنة 615 هجرية، وتوفي في قوص سنة 677 هجرية ودفن بها خارج المقابر بجوار شيخه القشيري.
ويوضح الأدفوى أنه كان من تلامذة الشيخ تاج الدين الكندي، وقال عنه إنه كان شاعرا وفقيها ومحدثا.
مولده وحياته
يقول الأدفوي في ترجمته للشيخ تاج الدين: “هو محمد بن أحمد بن عبد الرحمن بن محمد الكندي، شيخنا تاج الدين بن الشيخ جلال الدين الدشناوي محتدا. القوصي مولدا دارا ووفاة. ويلفت الأدفوي إلى أن الشيخ ولد في قوص سنة 646 هجرية.
تتلمذ الشيخ تاج الدين على يد أبيه الشيخ جلال في الفقه الشافعي، وقرأ القراءات على الشيخ نجم الدين عبد السلام بن حفاظ، وسمع الحديث على العلامة المنذري والقشيري وابن دقيق العيد وأبي عبد الله بن النعمان.
ويلفت الأدفوي إلى أن الشيخ تاج الدين حدث في قوص والقاهرة والإسكندرية، وتتلمذ على يديه الكثير من الفقهاء، منهم الشيخ عبد الكريم بن عبد النور، وأبو الفتح محمد بن سيد الناس، وفخر الدين عثمان النويري المالكي، وسراج الدين عبد اللطيف بن الكويك الأصفوني.
ويضيف الأدفوي، أن الشيخ تاج الدين درّس في المدرسة الفاضلية بالقاهرة نيابة عن الشيخ القشيري ودرس في المدرسة العزّية بقوص والمدرسة النجمية والسراجية.
تاج الدين شاعرا
ويتابع الأدفوي، أن الشيخ تاج الدين أنشده قصيدة في مدح النبي صل الله عليه وسلم، مرتبة على حروف المعجم والتي يقول فيها:
أبيْت سوى مدح خير الورى* فأصبح نظمي وثيق العُرا
بروحي صفات تُحلّي القريض* وتسبكه ذهبا أحمرا
تُعين القريحة أنى ونَت * وتُبرز ألفاظها جوهرا
ثراء الفقير امتداح البشير * فهما طرا المدح فيه طرا
جمعت السرور لسُرّي به * فأضحى به العيش لي أخضرا
ويضيف الأدفوي أن ابنه كمال الدين عبد الرحمن قد أنشده أبياتا من نظم والده الشيخ تاج والتي تقول:
أبدا تحن لقربك الأظعان * وتهيم إن ذُكر الحِما والبان
ويَحثها وجدٌ بها لمنازل * قد حل بها الأمن والأمان
يا سعد عرّج بالمطي لروضها * فبعُرفه قد أُرشد الظعّان
وقال يصف حال الشيخوخة:
الشين في الشيخ من شيب غدا كدرا * فلم تُعْفه نفوس الغانيات سُدا
والياء من يأس أن يصبو إليه وقد * بدت لها لحمة من شيبه وسَدا
والخاء من خوف أن يُقضى له فترى * ما ابْيَضَ من شعرها في جيدها مسَدا
ناظم الألغاز
وينوه الأدفوي أن الشيخ تاج الدين كان بارعا في نظم الألغاز والأحاجي، لافتا إلى أنه لما حضر إلى قوص شاب يدعى علاء الدمشقي وكان متقد الذهن، فكتب له الشيخ تاج الدين لغزا في نملة، قال فيه:
يا من إذا ما قاصد أمّ له * تم له منه الذي أمّله
ومن حوى الفضلين فضل الندى * وفضل علم للهدى حصّله
ما اسم رشيق القد حلو الجَنا * ذي فطنة ممزوجة بالبله
ألمي دقيق الخصر قد زانه * ردف له يهتز ما أثقله
إذا انتمى يعزى لواد غدا * وارده مستعذبا منهله
حل به أسنى ملوك الورى * ومن غدا بالفضل والمعدله
إن قلت صف حسنه واقتصد * قلت مجيبا لك ما أجمله
أو قلت صف لي ملكه واقتصر * قلت أجل جلّ الذي يُجله
تصحيف ما الغَزْتُه مودع * في النظم فافتح بالذكاء مُقفله
وعكسه أيضا بلغت المنا * مستودع فيه فما المسألة؟
وفاته
ويشير الأدفوي إلى أن الشيخ تاج الدين في أواخر أيامه ضعف مدة ثم استقل عكازا يستند عليه، فقابله الأدفوي في الطريق وقال له مداعبا ما أحسن قول ابن الأثير في العصا (وهذه العصا التي هي لمبتدى ضعفي خبر، ولقوس ظهري وتر، وإذا كان وضعها دليل على الإقامة، كان حملها دليل على السفر).
يقول الأدفوي: إن الشيخ سكت لحظة مفكرا، ففطنت لفكرته وشرعت أغالطه فمشى، ثم بعد ذلك بأيام لطيفة توفى في ليلة الجمعة ثالث شوال سنة 722 هجرية.
++++++++++++++++++++++++
هوامش :
– الطالع السعيد في ذكر نجباء الصعيد (ب يدي أف) –الإمام الأدفوي –من ص 269 إلى ص 276