في انتظار الهدم: الأيام الأخيرة لـ«سينما ملوي»
كنت شاهدا على آخر أيام مجدها. كانت اللمبات النيون البيضاء والملونة تضيء المدخل وتعتلي الواجهة، وإعلانات الأفلام المعروضة في فتارينها الزجاجية. كان كل عرض يتضمن فيلمين، أحدهما عربي وآخر هندي. كان ذلك في مدينة ملوي العريقة وحتى بداية تسعينيات القرن الماضي. ومن بعدها أصاب السينما ما أصاب المدينة من إهمال. ما خلف الفوضى في المدينة وحول واحدة من أقدم دور العرض السينمائية في الصعيد إلى مأوى للقوارض. طوال أربعين عاما، أغلقت فيها السينما وحتى اليوم، قبل أن يحصل ملاكها مؤخرا على تصريح رسمي بهدمها، ليسدل الستار على تاريخ طويل لعبته «سينما ملوي» في حياة سكان المدينة.
تاريخ سينما ملوي
أغلقت سينما بالاس بملوي بقوة سلاح الجماعات المتطرفة التي سيطرت على المدينة في ثمانينيات وتسعينيات القرن العشرين. بعد أكثر من نصف قرن من إمتاع جمهور المدينة وقرى مركز ملوي العديدة، فقد شيدت السينما في أربعينيات القرن الماضي. وكنت محظوظا بتجربة دخولها ومشاهدة أحد الأفلام بها في بداية التسعينيات، وكان فيلم “أبي فوق الشجرة” لا يزال يُعرض في دور عرض الأقاليم. بينما كان آخر أفيش رأيته على واجهتها هو فيلم “الراعي والنساء” لأحمد زكي وسعاد حسني. وظل الأفيش معلقا حتى اهترأ وأكلته الشمس والتراب.
“ناس وتراث” لإعادة إحياء المكان
حسب الباحث والمترجم محمد رمضان، فإن “سينما بالاس” بملوي هي ملكية خاصة تتبع عائلة “لاوندي”، وقد توارثتها أجيال متعاقبة، والورثة اليوم عددهم كبير. وقد حصلوا مؤخرا على رخصة لهدم السينما من الحي التابع له المبنى.
ويشير رمضان إلى مبادرة “ناس وتراث” التي أعادت الروح للسينما في سنوات سابقة، قائلا: “المبادرة كانت تهدف إلى خلق حراك يربط بين الفاعلين والمثقفين والعاملين على قضايا التراث وبين سكان المناطق التراثية، وعمل إضاءة للمواطنين بأهمية الحفاظ على التراث، لأن “محدش يحمي التراث سوى أهالي التراث نفسه”.
ويضيف: “كنا قد عملنا على إعادة تصور دور مختلف للمكان وإعادة استخدامه لأعمال أخرى. في مبادرة “ناس وتراث” قدمنا خلالها في المكان “السيرة الهلالية” وعروض تحطيب بالعصا لفرقة ملوي وعروض حكي لفرقة الورشة. نظمنا ندوات وأمسيات للكتاب من المدينة الذين عاصروا عروض الأفلام في سينما ملوي وكتبوا عنها، بالإضافة إلى المشاهير الذين حضروا عروضا خاصة في السينما في أوج تألقها”.
ويوضح رمضان: “استمرت أنشطة وفعاليات “ناس وتراث” حتى عام 2019. واستمرت فرقة مدحت فوزي للتحطيب في عمل بروفاتها في المكان حتى وقت قريب. لكن بعد حصول أصحاب دار العرض على تصريح بهدمها، فلن يوقفهم أحد أو يعارضهم، ومن المؤكد أنهم يريدون بيع الأرض، والحصول على ثمنها، ولا تشغلهم فكرة إن كان ذلك تراثا أم لا”.
مدينة بلا سينما
كان رمضان قد أطلق مبادرة “ناس وتراث” عام 2015 لإعادة إحياء الأماكن التراثية والتاريخية بمحافظة المنيا، بمشاركة المعهد الدنماركي المصري، وبرعاية وزارة الآثار المصرية. استمرت المبادرة لمدة أربعة أعوام، وكان من ضمن المبادرة محاولة إعادة إحياء سينما بالاس بملوي وتقديم بعض العروض الفنية والندوات.
يذكر أن مدينة ملوي في محافظة المنيا لا يوجد بها دور عرض سينمائي منذ إغلاق سينما بالاس في التسعينيات، كما تفتقد المدينة الكبيرة أي مساحة فنية أو ثقافية بخلاف نادي ناصر الاجتماعي الواقع على أطراف المدينة، الذي يستخدم كقاعة أفراح فقط.
اقرأ أيضا:
«رسم الشركة الإيطالية وإحياء سينما ملوي وقصر الملك فاروق» فعاليات «ناس وتراث 2018»