في الأدب الفرعوني| الصدق يفقأ عين الكذب.. وأم القطط تقتص لصغارها

أورد الباحث محمد أبورحمة في كتابه (حواديت فرعونية) ترجمة لبردية “شيستر بيتي رقم 11” والموجودة بالمتحف البريطاني تحت رقم 10682، ترجع لعصر الأسرة 19 1152 – 1292ق.م، تسجل البردية قصة الصراع بين الصدق والكذب، ملمحا إلى أن القصة تؤكد على تلازم عنصري الصدق والكذب، فهما أخوين في القصة، كما كان أوزوريس رمزًا للخير بينما أخوه ست رمزًا للشر، وبالرغم من أن النصر كان حليف الكذب في أول الحكاية،إلا أن الصدق انتصر في النهاية، تأكيدًا على غلبة  القيم الأخلاقية النبيلة.

ابن الصدق

تقول الحكاية: ادعى الكذب أنه أودع عند الصدق مدية في حجم الجبال. وعندما فشل الصدق في إعادة تلك المدية الأسطورية اشتكاه الكذب لأرباب التاسوع قائلا: “لتأمروا بإحضار الصدق لتعمى عيناه ويصير حارسا أمام بابي”. ففعلت أرباب التاسوع ما قاله.
وبعد فترة من وقوف الصدق كحارس على باب أخيه الكذب، قرر الكذب التخلص منه لما وجد منه فضيلة التحمل والصبر.. فأمر خدمه بإلقائه إلى أسد جائع ليلتهمه.. لكن نبل الصدق أنقذه فأعطاه الخدم خبزا وماء وهرب بعيدا إلى الأدغال.. وأخبرا الكذب أن الأسد التهم الصدق.

الصدق يعيش وحيدا

عاش الصدق وحيدا في الأدغال، وفي إحدى المرات رأته امرأة جميلة فشغفت به حبا لجماله.. وتزوجته وأنجبت منه ولدا قويا وذكيا.

ذهب إلى المدرسة وتفوق في مهارات القراءة والكتابة، كما أتقن جميع فنون القتال، ليشب فارسا شجاعا وذكيا.. ويعرف قصة والده مع عمه الكذب فيقرر الانتقام لشرف والده بحيلة ذكية.. وذلك بأن يودع ثورا لدى فلاح بسيط ليرعاه وسط أغنامه نظير مقابل بسيط، ولما كان الثور كبيرا وجميلا.

استولى عليه الكذب عنوة، فتقدم ابن الصدق بشكوى لأرباب التاسوع مطالبا الكذب بإعادة ثوره.. وأمام التاسوع قال ابن الصدق: “وهل هناك أي ثور بحجم ثوري.. الذي إذا وقف على جزيرة آمون وصل شعر ذيله إلى مستنقع البردي في الدلتا. ويصل قرنه إلى الجبال الغربية، بينما يصل قرنه الآخر إلى الجبال الشرقية. أما البحر العظيم النيل فهو موضع راحته، ويولد له كل يوم ستون عجلًا”.

فقالوا له: “ليس حقا ما تقوله، إننا لم نر ثورًا بهذا الحجم”. فأجابهم: “وهل هناك مدية بالحجم الذي قلتم به؟ نصلها جبل أيل، ومقبضها أشجار قفط.. مستطردًا: “اقضوا بين الصدق والكذب، فأنا ابن الصدق وقد جئت طالبا الثأر له”. ويقسم الكذب بحياة آمون رع أنه لو وجد الصدق حيا فليفقأ عيناه ويقف حارسا على بابه.. وهنا يفاجأ الكذب بالصدق يقف أمامه، وينفذ فيه حكم التاسوع ويصير أعمى ويقف حارسًا على باب الصدق.

عدل قطة

وفي حكاية أم الصقور وأم القطط، والمدونة بالبردية رقم 1، 384، 1917 بمتحف ليدن بهولندا.. تعود لعصر الرعامسة 1077 – 1292 ق.م.. يشير أبورحمة إلى رمزية القصة والتي أكدت على فضيلة العدل والمتمثل في اقتصاص القطة من أم الصقور، التي التهمت صغارها ظلما، لترفع القطة يداها بالدعاء إلى رع مطالبة بالعدل السماوي.
حدث أن أنثى الصقر كانت ترقد على البيض فوق قمة شجرة بالصحراء وبالقرب منها قطة قد ولدت على الجبل.. وصارت أنثى الصقر تخشى على أطفالها من القطة.. فاتجهت إليها قائلة: “إلا نستطيع أن نعيش معا، بأن نقسم أمام إله العدل الأعظم. ألا يسطو أحدنا على أطفال الآخر، إذا ما خرج أحدنا لجلب الطعام لأطفاله”. فأقسما عهدًا أمام رع “سوف نتبع ذلك”.
وذات يوم شاهدت القطة قطعة من طعامها في منقار أحد الصقور الصغيرة.. ولما حاولت استعادته منه قائلة “أقسم أنه لا يوجد غير هذا الطعام لصغاري”، فحاول الطيران إلى العش فضربته بمخلبها، فاهتز توازنه وسقط ميتًا.

أنثى الصقر

وفي أحد الأيام انتهزت أنثى الصقر فرصة خروج القطة لجلب الطعام، فسطت على صغارها وقدمتهم وجبة لأطفالها، وحين عادت القطة، فجعت مما رأت، فتضرعت لرع ورفعت وجهها إلى السماء: “أنت تعرف حقي وباطل أنثى الصقر، التي هاجمت أولادي، بعدما حنثت باليمين المقدس، الذي أقسمته معها”، فسمع رع نداءها، فأنزلت قوة إلهية لتنتقم من أنثى الصقر، واستقرت قوة الانتقام تحت الشجرة التي تسكن فيها أم الصقور وصغارها.
وذات يوم رأت أنثى الصقر سوريا وهو يطبخ بعض اللحم، فأخذت بمنقارها قطعة لحم ووضعتها في العش، ولكنها لم تلحظ أنه قد علق باللحم بعض الفحم المشتعل، فسقط على صغارها فاحترقوا وماتوا، فجاءت القطة وقالت: “وحياة رع لقد هاجمتي صغاري وكنتي تطارديهم منذ البداية، حقا لقد سطوت على صغاري، ولن التهم صغارك لأنهم احترقوا”.

هوامش

1- حواديت فرعونية (النصوص الأصلية للأساطير الفرعونية) – تأليف محمد أبورحمة – حابي للنشر والتوزيع 2005 – صفحات من140 إلى 144، من 174 إلى 180، و251، و255.

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها

تعليق واحد

  1. تنبيه: floki mall

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر