عمارة «فينيسيا الصغرى» أمام التحقيقات بسبب مخالفات إنشائية

«فينيسيا الصغرى»، أو عمارة «ميرامار» في وسط الإسكندرية كان سببا في إيقاف ثلاثة موظفين بحي وسط وإحالتهم للتحقيق، بعد أن قاموا بمنح تراخيص لأحد المطاعم الشهيرة بالقيام بأعمال إنشائية وتشطيبات داخل المبني التراثي مما يعتبر مخالفة جسيمة.
وكان محافظ الإسكندرية الفريق أحمد خالد سعيد قد أصدر القرار (رقم 465 لعام 2025). بإيقاف مدير الإدارة الهندسية والمهندس المختص للمنطقة محل المخالفة وموظف إشغال الطريق بالحي، وذلك لإصدار تراخيص إجراء أعمال إنشائية داخل مبني «فينيسيا الصغيرة» من أهم المباني التراثية على كورنيش الإسكندرية ومُسجل بمجلد التراث بالمخالفة للقانون. وذلك بعد أن أوقف الأعمال الجارية على الفور، وأحال المختصين للنيابة العامة. وكلف الإدارة العامة للشئون القانونية بالمحافظة باتخاذ ما يلزم من إجراءات قانونية حيال المخالفين.
وكشف رئيس حي وسط الإسكندرية، إتمام أعمال تشطيبات كاملة داخل المبني، لصالح سلسلة أحد المطاعم الشهيرة، وتبين أن التراخيص الصادرة لإجراء هذه الأعمال مخالفة للقانون. الذي ينص على عدم التعامل على المباني المسجلة بقائمة التراث. ويعد المبني من أهم المباني التراثية المُطلة على ميدان سعد زغلول. وجاء قرار المحافظ بإيقاف المسئولين عن العمل لمدة ثلاثة أشهر اعتبارًا من يوم 10 مارس 2025، مع صرف نصف الراتب الشهري فقط. وإحالتهم جميعا إلى الشئون القانونية لما نُسب إليهم بعد معاينة العقار محل المخالفة، وتحويل مختص الشئون الهندسية إلى النيابة العامة.
عقار little Venice
يؤكد الدكتور محمد عادل الدسوقي أستاذ العمارة بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا بالإسكندرية. على أهمية العقار محل المخالفة تراثياً، فلقد أنشأها المعماري الإيطالي جياكومو أليسندرو لوريا G.A.Loria، في عشرينيات القرن الماضي، ومدون على لوحة العقار التأسيسية «فينسيا الصغرى» (little Venice). ويُطلق عليه أيضا البندقية الصغيرة لأنه يحمل الطابع الإيطالي البديع، وهو من أهم المباني الأثرية بالإسكندرية فموقعه المميز على الكورنيش وتصميمه الرائع. جعله جاذبًا لعدد كبير من الفنانين والأدباء على مر العصور مثل نجيب محفوظ وعمر الشريف وإسماعيل يس وشادية وغيرهم..
وأوضح “الدسوقي” تنقسم المباني المُسجلة كتراث معماري إلى ثلاث تصنيفات (أ) و(ب) و(ج) وأغلب العقارات المسجلة في هذه المنطقة تقع في نطاق تصنيف (ج). ولكن هذا العقار يقع في تصنيف (ب) – الذي يضم عدد قليل من المباني – وهذا يعني أنه شديد الأهمية التراثية. والتعامل الإنشائي عليه يجب أن يكون في أضيق الحدود من خلال متخصصين لعدم تغيير ملامحه وتفاصيل جدرانه والمكونات المعمارية والإنشائية. وأضاف أن الجزء القبلي للعقار المُطل على ميدان سعد زغلول بمحطة الرمل – محل ضبط المخالفات وإيقافها – يقع ضمن ملكية القنصلية الإيطالية.
خطورة فقد الهوية الثقافية
وتضم منطقة محطة الرمل العريقة الكائنة بوسط مدينة الإسكندرية العديد من المباني التراثية المسجلة. والتي تُعد رمزًا تاريخيًا وشاهدًا على الكثير من الأحداث منذ نشأة المدينة. وهذا العقار يطل على ميدان سعد زغلول مباشرة ومن الناحية الأخرى على كورنيش الإسكندرية. ومن جانبه أوضح خبير التراث تامر ذكي، أن فكرة التغيير في المباني التراثية يُعد بمثابة تشويه للهوية الثقافية والوطنية للمدن والبلدان والشعوب. ولكن يمكننا القول إن دمج الموروثات التراثية المادية والغير مادية لتكون واحدة من الروافد الاقتصادية المهمة. لتمثل أحد أوجه الاستثمار والاستدامة في مجال التراث دون تشويه أو تدمير أو إحداث تغيير يطمس هويتها يكون له آثار سلبية على الهوية التراثية. وأضاف بأن يجب أن يكون الاستغلال متماشياً مع تراث وثقافة المدن والبلدان. فيجب أن يحدث التطوير والاستغلال للمباني التراثية دون أن تفقد هويتها. مؤكداً بأننا نستثمر تراث وحضارة وهوية.
رواية وفيلم “ميرامار”
ومن جانبها قالت الدكتورة دينا عزالدين، وكيل كلية السياحة والفنادق بجامعة الإسكندرية. أن عقار little Venice كانت عمارة سكنية، وكان من الممكن أن يكون فيها فنادق صغيرة boutique hotels. وهو من المباني الخاطفة للأنظار على الكورنيش من بهائها وجمالها، فلقد فازَ المبنى بجائزة أفضل الواجهات المعمارية عام 1929. مُضيفة إنه قبل انتشار الفنادق كانت البنسيونات هي الأكثر انتشاراً. ومن الجدير بالذكر أن الأديب الكبير نجيب محفوظ كان يفضل تناول قهوته فى مطعم ومقهى “اثينيوس” المجاور للعقار المذكور خلال زيارته لمدينة الإسكندرية. وعندما شاهد هذا المبنى الرائع على الكورنيش. وعلم أن به “بنسيون” قرر أن تدور أحداث روايته “ميرامار” داخل هذا المبنى.
وقد تحولت الرواية فيما بعد لفيلم سينمائي قامت ببطولته الفنانة شادية. وأخرجه كمال الشيخ عام 1969، يُعد من أهم 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية. واكتسب المكان شهرة كبيرة بعد عرض الفيلم، وتوافد عليه الكثير من المشاهير من فنانين وأدباء عند زيارة مدينة الإسكندرية.