فنان «السجاد اليدوي» عربي محروس: أنا وريث ويصا واصف

في قلب قرية صغيرة بمركز أشمون في محافظة المنوفية، حيث ينتشر “النول اليدوي” في كل منزل وتُعتبر جزءًا من التراث المحلي، نشأ عربي محمد محروس، الذي كان دائمًا محاطًا بعالم النسيج التقليدي. ورغم أنه لم يكن مختصًا في هذا المجال، إلا أن حبه للفن وجذبه للألوان وفنون “رسم السجاد” من خياله دفعه لتطوير مهاراته وتحويل النسيج إلى هواية وحرفة فنية. في هذا الحوار، يتحدث عربي عن رحلته مع فن «رسم السجاد» وكيف يرى نفسه هاويًا في هذا المجال، بعيدًا عن الصناعة التقليدية، معتمدًا على الأساليب الفطرية التي تميز أعماله الموجودة في أكثر من دولة حول العالم..
لست متخصصا في مجال النسيج.. لماذا اتجهت إلى صناعة السجاد اليدوي ؟
أنا في الأصل لست متخصصاً في مجال النسيج أو عاملاً فيه. عملت في مجال التربية والتعليم، ومن خلال تواجدي في قريتي، وجدت فرصة للعمل في هذا المجال الذي كان موجودًا أمامي. بدأت في النسيج من جانب فني، وسعيت إلى تطوير وتحسين الشكل العام للمنتجات، وليس من باب الصناعة التقليدية. كان الهدف هو إضفاء لمسة جديدة على المنتجات. وبدأت هذا المسار منذ بداية الثمانينات. وحين كنت طالباً في المدرسة اعتدت على رؤية إمكانيات كبيرة، وكان لديّ فكرة واضحة للعمل في هذا المجال. خاصة أنه في قريتنا، كل منزل كان يحتوي على نول، وكل أهالي القرية يعملون في النسيج.
هل تعتمد في صناعة رسم السجاد على رسم مُسبق أم من خيالك ؟
تعتمد بعض الأعمال الفنية بشكل كبير على الخيال، مثل تلك المُستَلهمة من المناظر الريفية أو الطبيعة المحيطة بنا. بينما هناك أعمال أخرى لفنانين أحول فيها لوحاتهم إلى قطع نسيج. كما نعتمد في بعض الأحيان على أعمال المستشرقين كمصدر إلهام أيضًا.
كم من الوقت يستغرق إعداد كل قطعة؟
يستغرق العمل على المتر المربع حوالي 25 يومًا، وإذا كان المقاس متر ونصف، فقد يحتاج الأمر إلى شهرين تقريبًا من العمل المتواصل. ويعتمد الوقت المطلوب على طبيعة العمل، فكل عمل يدوي يحتاج وقتًا أكبر مقارنة بالماكينات الصناعية التي تسهم في تسريع الإنتاج. أما بالنسبة للعمل نفسه، فالحالة المزاجية تلعب دورًا أساسياً في جودته. قد يقوم عامل النسيج بصناعة سجاد تقليدي بتصاميم معروفة مثل تلك المستوحاة من أصفهان أو التصاميم الإيرانية والتركية. ولكن السجاد الذي نصنعه يدويًا يهدف إلى أن يصبح قطعة فنية أو لوحة زخرفية، ويعتمد على تقديم منظر جمالي له قواعد وأسس فنية. من المهم أن يكون العامل في حالة مزاجية جيدة لأن التعب أو الضغط النفسي يؤثر سلبًا على الإبداع، ويظهر تأثيره في العمل بشكل واضح، سواء من خلال العيوب في القطعة أو عدم انسجام الألوان مع بعضها.
ما الذي يميز عمل عن آخر؟
في عالم الفن التشكيلي، كما يُقال، هناك “مدارس” فنية، وهذه التسميات تعكس الرؤية المختلفة للعمل الفني، سواء كان تجريديًا أو سرياليًا. نفس الأمر ينطبق على قطعة النسيج، حيث سينتج عنها في النهاية نمط معين يميزها. ولذلك، من المهم أن يكون العامل في هذا المجال لديه رؤية فنية وحسّ فني خاص، ويكون ملمًا بكيفية استخدام الألوان بشكل صحيح، مثل معرفة الفرق بين الألوان الساخنة والباردة وكيفية التنسيق بينها. على سبيل المثال، اللون البنفسجي هو لون لافت للنظر ويجب استخدامه بحذر، لأنه إذا استخدم بشكل مفرط قد يلفت الانتباه بطريقة غير متوازنة.
في مجال النسيج، هناك مدارس فنية متميزة، وأحد أبرز هذه المدارس هو “مدرسة المعماري الكبير ويصا واصف”، الذي أسس في قرية الحرانية أول قرية للنسيج اليدوي، وابتكر منتجات عظيمة. ونحن جميعًا نستفيد من بعضنا البعض، وأعمالهم لا تزال تؤثر فينا، وقد تم الاستفادة من تقنياتهم مع التطوير المستمر في هذا المجال. في قرية الحرانية، تعلم الناس وابتكروا أساليب جديدة في عملهم، بينما في كفر الشيخ وبالتحديد في فوه، يتميز النسيج هناك بطابعه الخاص وخاماته الفريدة. كل مكان يترك بصمته الخاصة على النسيج اليدوي، وتعكس روح المكان على العمل نفسه، مما يضيف له طابعًا مميزًا. رغم اختلاف الأساليب. لكن في النهاية، الجميع يعتمد على فكرة واحدة مشتركة، وهي النسيج المصري القديم الذي كان يتم تنفيذه باستخدام النول. هذه الفكرة القديمة انتقلت إلى بلاد أخرى بنفس النول والتقنيات. ويضيف كل شخص لمسته الخاصة من خلال ألوانه واختياراته للخيوط، بما يتناسب مع ذوقه ورؤيته الفنية.
مجال عملك كان بعيدًا عن رسم السجاد، هل درست ما يتعلق بالفن التشكيلي؟
في البداية، كنت معلمًا وكانت مهنتي في التدريس. وعندما قررت دخول مجال جديد، كانت رؤيتي أنني لا أريد أن أكون شخص عادي في هذا المجال، بل عملت على تطوير ثقافتي. كان من الضروري أن أضفي اختلافًا وتميزًا على العمل، وإلا فلن يكون هناك فرق حقيقي. لاحظت أن التعليم الذي حصلت عليه أثر بشكل إيجابي على طريقة تعاملي مع رسم السجاد، لأنه منحني القدرة على إضافة نمط فني خاص، ليكون العمل في النهاية تعبيرًا عن شخصيتي. عملت على تطوير موهبتي بنفسي، واطلعت على الفن التشكيلي ودرسته بشكل مبدئي ضمن مناهج التربية والتعليم القديمة في مدرسة المعلمين.
كيف استفدت من تجربة قرية رمسيس ويصا واصف ؟
نتابع أعمال قرية رمسيس ويصا وهي تعتبر من المدارس المميزة في مجال رسم السجاد، ونحرص أيضًا على متابعة طرق بيع المنتجات. أول شيء يجب أن نفهمه هو كيفية إنتاج العمل، وفي النهاية من هو الجمهور الذي سيتلقاه. نحن نصنع منتجاتنا ولكن القليل فقط من الناس يدركون قيمتها الحقيقية. بالنسبة لي، أعتبر هذا المنتج جزءًا من السياحة في مصر، حيث يرتبط بشكل وثيق بالنشاط السياحي، خاصة في الأماكن السياحية مثل شارع الهرم وسقارة، وشارع السياحة. هناك مدارس نسيج متخصصة تعرض السجاد اليدوي مثل “مدرسة النيل” وغيرها، ولكنها ليست مكانا منتجًا، بل مكانًا لعرض السجاد اليدوي وتسويقه بشكل احترافي. ويستعينون بمترجمين يتحدثون عدة لغات لاستقبال السياح والترويج للمنتجات. يمكن العثور على هذه المنتجات في مناطق مثل سقارة، أبو الهول، الأهرامات، الأقصر، أسوان وبعض الأماكن في شرم الشيخ.
ونلجأ لهذه الطريقة في التسويق لأن المنتج اليدوي غالبًا ما يكون غالي الثمن، ويتم بيعه في محلات بسيطة ومعروفة وله أسلوب تسويقي خاص. من الصعب على النساج اليدوي أن يعرض ويبيع منتجاته بنفسه، لأن التكلفة المرتفعة تشمل المواد الخام وعملية التصنيع، وقد تستغرق قطعة واحدة شهرين أو أكثر لإتمامها. هذه هي المشكلة الأساسية التي يواجهها النسيج اليدوي وأي منتج سياحي، وهي مشكلة التسويق.
ترسم سجاد يروي ملاحم وقصص تاريخية.. حدثنا عنها؟
نفذت عمل قميص يوسف هو قطعة كبيرة وواسعة، ولا يمكن تنفيذها على مساحة متر أو 70 سم فقط. كل التفاصيل والحركات والتعبيرات تحتاج إلى مساحة كبيرة للعمل. لتنفيذ هذه القطعة، يجب أن يكون هناك شخص معي لاختيار التصميم وتوفير الخامات اللازمة مثل الحرير وغيرها. يتم التنسيق بيننا في كل خطوة من خطوات التنفيذ، مع الالتزام بالنواحي الفنية التي يختارها. في أحد المشاريع، قام دكتور من الإسكندرية بإرسال قطعة إلى فرنسا بعد أن قضينا شهورًا في الاتفاق على عمل يتناسب مع مختلف الأديان. بعد تفكير طويل، قررنا تنفيذ لوحة للفنان الإيراني محمود كيشان. تم الاتفاق على تحويلها إلى سجاد يدوي.
هذه النوع من الأعمال يحتاج إلى تصميمات خاصة واتفاق مسبق، لأننى لا أستطيع العمل على تسويقه بمفردي. نفذت العديد من اللوحات الكبيرة بناءً على طلبات خاصة، بينما الأعمال التي أصنعها لحسابي الشخصي تكون أكثر بساطة، تهدف إلى أن تكون ذات طابع عام مقبول يناسب جميع الأذواق ويمكن وضعها في أي منزل. في أحد المرات، طلب مني شخص تنفيذ لوحة تمثل الموت، وهي لوحة كئيبة رغم أنها تعتبر عملًا عالميًا. هذا النوع من الأعمال لا أستطيع تنفيذه بدون اتفاق مسبق مع الشخص الذي يطلبها، لأنه يتطلب حسًا خاصًا واهتمامًا دقيقًا بكل التفاصيل. أما مثل أعمال المعماري ويصا واصف، فهي تتناسب مع جميع الأذواق في العالم. أغلب أعماله تتناول موضوعات مستوحاة من الطبيعة البسيطة دون تعقيدات فنية، مما يجعلها قادرة على التماشي مع مختلف الأذواق.
هل تختلف خامات “رسم السجاد” عن “السجاد اليدوي” للأرضيات ؟
نستخدم في رسم السجاد، صوف الغنم الذي يتم قصه سنويًا، وبعد ذلك نقوم بغسله جيدًا ثم صبغه يدويًا باستخدام صبغات طبيعية نباتية. أنا شخصيًا أختار خيطًا أبيض مغزولًا، وأتفقده للتأكد من خلوه من الشوائب قبل أن أبدأ بصبغه باللون الذي سأستخدمه في العمل. تبدأ عملية شغلي من مرحلة اختيار الألوان ثم الصباغة وأتحقق من ثبات الألوان لأتأكد من أنه لا يتغير أو يبهت مع الوقت.
وتتطلب عملية التصبيغ مواد مثبتة وألوان معينة، ويتم تحضير الماء بدرجة حرارة محددة قبل بدء الصباغة. بعد ذلك، نصبغ الصوف ونعَلقه ليجف في مكان مخصص لذلك. أما الورشة، فهناك مكان آخر مخصص للعمل نفسه. تبدأ العملية بالتصبيغ وتنتهي باللمسات النهائية للعمل. ولكن قبل كل ذلك، يكون لدينا تصور واضح عن الفكرة التي سننفذها، لتحديد احتياجاتها من الخامات والألوان والمقاس المناسب للنول.
هل تنفذ أعمال خاصة للمناسبات مثل شهر رمضان أو الأعياد ؟
في فن رسم السجاد، لا يوجد شغل خاص بمناسبات معينة مثل رمضان أو أي مناسبة أخرى، والفارق الوحيد في هذه المناسبات هو تغيير مواعيد العمل. على سبيل المثال، في شهر رمضان، نُنفّذ العمل بعد الإفطار لأن ذلك يتطلب تركيزًا ذهنيًا وجهدًا عضليًا، والأفضل أن أعمل بعد الإفطار حين أكون في حالة تركيز أفضل. ولا نقوم بتجهيز أي قطع خصيصًا للمناسبات لأن هدفنا ليس البيع المحلي، كما أن أعمالنا غير مرتبطة بأي طقوس دينية أو احتفالات محلية مثل عيد الأم أو شهر رمضان أو العيد، إلا في حال كان هناك طلب خاص من شخص معين.
وهل تنفذ أعمالا بالطلب لعملاء خارج مصر ؟
نعم، ولديّ العديد من الأعمال التي تم إرسالها إلى دول مختلفة مثل كندا، فنلندا، فرنسا، وأبوظبي، بالإضافة إلى أعمال في معظم دول العالم. معظم هذه الأعمال كانت طلبات من فنانين لتحويل لوحاتهم إلى سجاد يدوي. في بعض الحالات، يكون العمل محظورًا من النشر، حيث يتفق بعض الفنانين معًا على عدم نشر القطعة إلا بعد إقامة معرضهم الخاص. المشكلة تكمن في أن قطعة النسيج تكون موقعة باسم الفنان، ويعرض المعرض باسمه، رغم أنني قد أنجزت العمل. وكل مهنة تحتوي على تحديات، لكن في هذه الحالة، الفنان يرسل لي لوحات ليتم تحويلها إلى نسيج، ورغم أن العمل يُتوقع باسمه، إلا أنني لا أتمكن من التوقيع على القطعة باسمي. في بعض الأحيان، يرفض الفنان أن تٌسجل القطعة باسمي ويطلب أن تحمل توقيعه فقط.