فنانون عن حلمي التوني: المذاق الشعبي للحركة التشكيلية المصرية

بطريقة السهل الممتنع، استطاع الفنان الراحل حلمي التوني ترك إرث كبير يتنوع بين أغلفة الكتب والأعمال البصرية والتصاميم، دامجا العلم مع الإبداع لتقديم لوحات فنية يستطيع كل من يراها تذوقها باختلاف الفئة العمرية، وترك بصمة مميزة تجعل كل من يرى لوحاته يمكن التعرف عليها أنها من أعماله.

المذاق الشعبي للحركة التشكيلية المصرية

يرى الناقد الفني د. محمد كمال أن الفنان حلمي التوني (30 إبريل 1934 – 7 سبتمبر 2024) هو المذاق الشعبي للحركة التشكيلية المصرية، ووصف مسيرته بأنه استطاع بجهد كبير جدا أن يقدر الذائقة العادية لأنه استفاد جدا من التراث الشعبي المصري، وكان تركيزه أكبر على المرأة التي تعد ركنا ركينا في التراث الشعبي.

عقد الناقد الفني المقارنة بين حلمي التوني والفنان حسين بيكار، ويقول لـ«باب مصر»: “تعامل حلمي التوني مع الوسيط الصحفي الجماهيري واستطاع الوصول للناس مثل حسين بيكار، وهو فنان كبير وصل للصحافة، وبالتالي علاقته بالوجدان الشعبي كانت كبيرة جدا تماما مثل حلمي التوني”.

ويستكمل: “ولهذا أغلب أعماله كانت تتصدر الأغلفة، والغلاف الناجح هو الذي كان يحمل صورة لحلمي التوني، ويتساوى في هذا الأمر مع حسين بيكار لأنه كان يعمل بمجلة سندباد، والتوني عمل على الوسيط الصحفي، ورسوماته كانت تتصدر أيضا المجلات من الداخل، فهي ليست مجرد لوحة فقط، بل عمل له مكانة كبيرة في الوجدان الشعبي بدليل أن الجميع كان يراها ويتفاعل معها”.

تأثر الفنان حلمي التوني بالمشروع القومي المصري في الخمسينيات والستينيات، وقدم في مسيرته أكثر من 4000 غلاف. ويتابع د. محمد كمال: “هذا المشروع أثر على ثقافته بسبب انخراطه مع الرموز الثقافية بشكل دقيق وأصحابه لهم دور لأن الثقافة والسياق المعرفي حول حلمي التوني هو ما جعل التصوير مميزا وليست مجرد رسومات تلقائية”.

ويستطرد: “الكثير من الناس أساءوا فهم هذا النوع من الأداء، حيث اعتقدوا أن القيام بأي شيء بشكل عشوائي سيجعل الأمور تسير بسلاسة. لكن الحقيقة ليست كذلك، بل يتطلب الأمر انضباطًا علميًا دقيقًا. على سبيل المثال، في مجال التصميم والشكل والتلوين، يمكننا أن نرى نموذجًا ناجحًا مثل حلمي التوني، الذي درس هذه المجالات بعمق. يشبه ذلك ما قام به بليغ حمدي في الموسيقى، حيث كان من بين أكثر الفنانين الذين عملوا على تطوير التيمة الشعبية بفضل دراسته العلمية للتراث الشعبي”.

رسوم المجلات.. مدرسة خاصة

“مكانة وأعمال الفنان الراحل حلمي التوني تستحق التدريس في المناهج الأكاديمية” كان هذا رأي الفنان التشكيلي د. أحمد صابر، الذي يصف مسيرة حلمي التوني، ابن محافظة بني سويف، بأنه من الفنانين الكبار ومن رموز الفن في مصر وله دور كبير في رسوم المجلات وأغلفة الصحف.

ويتابع لـ«باب مصر»: “أسس مدرسة كبيرة في مجال الفن التشكيلي واللوحات، ومجال الصحافة أو الرسوم الصحفية، والفنانين في هذا المجال عددهم قليل جدا، وحلمي التوني كان من الرواد في هذا المجال وجمعت أعماله بين الثقافة الشعبية والأسطورة والميثولوجيا.

رغم وجود العديد من الفنانين التشكيلين الذين اعتمدوا على الرموز والموتيفات الشعبية في أعمالهم، إلا أن حلمي التوني أسس مدرسة متخصصة في الفن الشعبي والفولكلور والتراث، وكان من بين الأوائل الذين عملوا في هذا المجال. وأسس أيضا نهجًا فنيًا معروفًا باسمه، مما يجعل أسلوبه مميزًا للغاية. بمجرد أن ترى اللوحة أو الأسلوب المتبسط، يمكنك على الفور التعرف على أعمال حلمي التوني”.

لون واضح وخط واحد

لعب التوني دورا ذا تأثير كبير في الصحافة والمجلات، خاصة في مجال الفن. وأسلوبه في رسم الصحف والأغلفة كان يعتمد على البساطة والخطوط الواحدة ومساحات اللون الصارخة بدون تدرج، مما ساهم بشكل كبير في تمييز أعماله. تُعرف لوحاته بالبساطة، حيث تتألف غالبًا من مستويين أو ثلاثة فقط، مما أضفى طابعًا خاصًا على أعماله.

علاوة على ذلك، قام بإعادة رسم أغلفة كتب نجيب محفوظ بعد عمل جمال قطب، مستخدمًا أسلوبًا مميزًا. كان لكل من الأسلوب والشكل أهمية خاصة في عمله، مما جعله يحتل مكانة بارزة بين الفنانين. ويتابع د. صابر: “يجمع أسلوبه بين البساطة والفن الشعبي ورسوم الأطفال، وهو ما أضفى على أعماله طابعًا مميزًا عبر الأجيال. وقد لاحظت أن العديد من الفنانين قد تأثروا بأسلوبه وقاموا بتقليده”.

المعادلة الصعبة التي نجح التوني في تحقيقها هي اختيار الألوان الصريحة والبساطة في اللون، فكلما كانت صريحة وقوية وفي نفس الوقت فيها غنى لوني أصبحت هذه هي المعادلة الصعبة، ويضيف: “اتبعها في أغلفة الكتب والمجلات لأن في الطباعة كل ما كانت الألوان بسيطة كانت أفضل وأقل في تكلفة الطباعة”.

مطالب بتدريس فلسفة التوني

وعلى الصعيد الأكاديمي، يقول: “يوجد قسم خاص لفنون الكتاب نتعلم من خلاله كيفية تصميم لوحات بسيطة وسهلة التنفيذ دون تعقيد الألوان. خاصة في اللوحات الكبيرة. كان لعمل حلمي التوني دور كبير في هذا المجال. حيث كان يعمل على عناصر زخرفية، ومر عبر تسلسل عمل في مجلات متنوعة مثل “دار الهلال”، و”مجلة سمير”، و”ميكي للأطفال”، بالإضافة إلى مجلات السينما والمسرح. هذا التسلسل والتنوع جعل عمله مزيجًا فريدًا من تلك العناصر”.

من الجانب الأكاديمي، يرى صابر أن حلمي التوني يعد من أهم الفنانين في مجال رسوم فنون الكتاب في مصر والوطن العربي. لوحاته تتميز بأنها تخاطب الجميع، حيث تتجنب التعقيد الموجود في المدارس الفنية مثل الميتافيزيقية أو السريالية. التي قد تكون مفهومة فقط للكبار. بينما أعماله، بأسلوبها الكارتوني ومحتواها الواضح، تظل مفهومة وجذابة لجميع الأعمار.

جمعت أعمال التوني بين رسوم الأطفال والرسوم الموجهة للكبار. وسبب هذا المزيج تأثره بالتسلسل والتدرج في المجلات التي عمل بها، وظل محافظا على هذه التيمة في كل أعماله. وظهر ذلك واضحا في دوره وتناوله لروايات نجيب محفوظ بعدما رسمها الفنان الراحل جمال قطب. وكان واضحا الفرق بينهما وتأثر كل فنان وتفرده بطريقة معينة في الرسم.

علامة بارزة في عالم الفن التشكيلي

حضور مميز في مجال الرسم الصحفي أو التوضيحي، ورحيله سيترك خلفه فراغا عميقا في عالم الفن التشكيلي، بهذه الكلمات نعت الفنانة التشكيلية د. شيرين البارودي الفنان حلمي التوني.

وتضيف لـ«باب مصر»: “عرفت أعماله بقدرتها على التفاعل مع الجمهور بفضل بساطتها ووضوحها، مما يجعلها تصل إلى القلب بسرعة وسهولة. كان التوني من أبرز الرموز في استلهام القصص الشعبي وتقديمها بطريقة معاصرة. حيث أكد على الرموز الشعبية في كل أعماله، مُثبتًا بذلك مكانته الكبيرة في تاريخ الرسم الصحفي والتوضيحي”.

تميزت أعماله بأسلوبه الفريد الذي اقترب من العمل الصحفي. حيث كان اللون لديه صريحًا ومباشرًا، دون استخدام فكرة الطبقات التي يتبعها العديد من المصورين.

واستخدم الألوان بوضوح مع تأثيرات بسيطة ولكن قوية، مما أعطى أعماله طابعًا خاصًا. كانت رموزه، مثل العروسة والحصان والمرأة، تُعبر عن تراثه الخاص وتضيف لمسة فنية مميزة. وتستكمل لـ”باب مصر” :”كان التوني من رواد الفن الشعبي، الذي يعتبر تاريخًا يمكن لكل فنان استلهامه. استخدم رموزًا مثل الطائر والسمكة والشجرة بطرق تعكس شخصيته الفنية الفريدة. بمجرد أن يرى أحد أعماله، يعرف أن هذه الأعمال هي من توقيع حلمي التوني”.

تصف فنه بأنه فن لكل الفئات العمرية، يستطيع المتخصص وغير المتخصص تذوقه، وفكرة رسومه للأطفال سهلة. بينما فكرة رسومه للمتخصصين والمتذوقين أعمال قيمة. وبهذا التكنيك تتفق فئات مختلفة على فنه.

اقرأ أيضا:

حلمي التوني.. حارس الفولكلور ورائد فن البوب

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر