فضيحة مالية تهدد معرض «توت عنخ آمون» في اليابان
تشهد اليابان استعدادات كبيرة لاستقبال معرض مؤقت لآثار الملك توت عنخ آمون. بينما يستعد العالم لهذا الحدث المنتظر، كشف منظمو المعرض عن وجود فضيحة مالية تهدد سمعة العائلة الحاكمة وتضع مساعد الأمين العام تحت المراقبة، مما قد يؤثر سلبا على العلاقات مع الحكومة المصرية.
توت عنخ آمون وملوك الشمس الذهبية
يحمل المعرض المرتقب عنوان «توت عنخ آمون وملوك الشمس الذهبية»، والمقرر عرضه في اليابان في نهاية العام الجاري، ضمن جولة مقتنيات الملك توت عنخ آمون خارج مصر. خضع المعرض لعملية تنظيمية استمرت منذ عام 2014، لوضع خطة لوصول المقتنيات الجنائزية الشهيرة للملك توت عنخ آمون إلى اليابان.
ونشرت صحيفة “نيوز بوست سيفين” اليابانية تقريرا توضح فيه وجود اتصالات مشبوهة وأزمات مالية واضطرابات ستضر بعلاقة اليابان مع الحكومة المصرية، وستشوه اسم عائلة ميكاسا الإمبراطورية والملكة أكيكو. وأشارت إلى أن اليابان تشهد اضطرابات تورطت فيها العائلة الحاكمة على خلفية تنظيم معرض مقتنيات الملك توت عنخ آمون. وهناك دعوات لإعادة النظر في الهيكل الإداري للمنظمة المسؤولة عن المعرض، بسبب الاضطرابات التي نشأت.
تحدث أحد المشاركين في تنظيم المعرض، مؤكدا أن الضغوط تتزايد من أجل اتخاذ إجراءات عاجلة بشأن هذا المعرض، بعدما تحول من عرض أثري مميز إلى جدل وفضيحة مالية بمبالغ مالية كبيرة.
علاقات مشبوهة
لفهم الأزمة، أشار التقرير إلى خمسة أشخاص مشبوهين، ثلاثة منهم لم يتم ذكر أسمائهم، بل تم الإشارة إليهم بـ”أ” و”ب” و”ج”. وذكر التقرير أن الشخص الأول المتورط، والذي يمثل دورا رئيسيا كنقطة اتصال بين المنظمين في مصر واليابان، لم يذكر اسمه واكتفى بالإشارة إليه بـ”أ”.
المهندس “أ” هو رجل ياباني له علاقة خاصة بالحكومة المصرية، وأشارت الصحيفة إلى العديد من المعلومات الشخصية عنه، كان في الأصل مهندسًا من شركة كبرى، ولكن عندما كان يعمل في مصر، تعمق في تفاعله مع علماء الآثار المحليين. وبعد عودته إلى اليابان ، بدأ في تأسيس شركة إنتاج فيديو لتقديم برنامج “اكتشاف أسرار العالم”، وقد تعمقت علاقته بالدكتور زاهي حواس، أول وزير للآثار في مصر والذي أشرف أيضًا على المعرض السابق، كما يمت بصلة قرابة مع عالم الآثار الشهير، الدكتور ساكوجي يوشيمورا (مسؤول آخر في مجموعة التخطيط).
والمهندس على صلة بمؤسسة غير ربحية لها صلات قوية في المناطق العربية والمصرية. كما لعبت المؤسسة غير الربحية دورًا مهمًا كعضو في الجهة المنظمة في “معرض توت عنخ آمون” السابق.
ساكوجي يوشيمورا وتبليط الهرم
اسم ساكوجي يوشيمورا، ليس جديدا في قضايا الآثار المثيرة للجدل، وقد تردد اسمه قبل أشهر عندما أعلن مصطفى وزيري، الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار حينها، عن مشروعه لتبليط أصغر أهرامات الجيزة بتمويل من بعثة يابانية يقودها ساكوجي يوشيمورا. وقد دافع عن الفكرة زاهي حواس، إلا أن وزارة الآثار واللجنة العلمية رفضت تنفيذ هذا المقترح.
كان هذا المشروع ضمن العديد من المشاريع الأثرية التي أصر ساكوجي يوشيمورا على تنفيذها على مدار 45 عاما في مصر، رغم عدم امتلاك اليابان مدرسة قوية في علم الآثار.
مشروع تجاري
تلعب المنظمات غير الربحية أيضا دورا أساسيا في تنظيم المعرض، وهي ذات علاقات وثيقة مع “أ” وفريقه. وبحسب الصحيفة اليابانية، فإن “أ” وآخرين دفعوا ملايين الدولارات كوديعة للحكومة المصرية، بعد دراسات توقعت أن يجذب معرض توت عنخ آمون الكثير من الزوار، مع تقديرات للوصول إلى إيرادات تصل إلى 10 مليارات ين من رسوم الدخول ومبيعات الكتالوجات.
مع موافقة الحكومة المصرية، سيتم أيضا عرض نسخ طبق الأصل من المعروضات في معارض أخرى، مما يزيد من الأرباح المحتملة. لهذا السبب، هناك اهتمام كبير من قبل العديد من الأطراف بالمشاركة في هذا المشروع، الذي يشمل أيضا عرض القناع الذهبي لتوت عنخ آمون والعربة الذهبية التي استخدمها لأول مرة في العالم. ومع ذلك، لم تخلُ التحضيرات من التحديات. فقد شهد تنظيم المعرض صعوبات كبيرة بسبب وباء كورونا، مما أثر سلبا على الخطط الأولية لإقامة المعرض بالتزامن مع أولمبياد طوكيو 2020.
في عام 2018، تم تعيين الشخص الثاني، الذي لم يذكر اسمه، وأشارت الصحيفة إليه بـ”ب” كمدير تنفيذي للجنة المنظمة، وقد أعلنت TBS عن استثمار قدره 500 مليون ين لتغطية تكاليف المكان والإعلانات، ولكن المحادثات انهارت بسبب تداعيات الوباء.
تحديات وتمويل وسلطات مشبوهة
خلال تنظيم الفعاليات الكبرى، غالبًا ما تعتمد وسائل الإعلام الكبرى على الجهات الراعية الموثوقة. على سبيل المثال، كانت معارض توت عنخ آمون السابقة، التي نظمتها أساهي شيمبون وتلفزيون فوجي في اليابان، محط اهتمام كبير. ولكن في الآونة الأخيرة، أثار قرار TBS بتغيير رأيها حول المعرض حيرة بين المعنيين. مثل السيد “ب” وزملائه الذين يسعون جاهدين لتأمين التمويل اللازم.
توضح الصحيفة اليابانية أن الشخص الثاني، وهو “ب” تعاون مع سيدة لم تذكر اسمها أيضا. وأشارت إليها بـ”ج”، وتعاونوا مع فريقهما لتنظيم المعرض. وجدوا أنفسهم في موقف صعب في عام 2023. حيث بدأت السيدة في إدارة حسابات المشروع وتوقيع مستنداته، ولكن هناك غموضا أحيط بخطط المعرض.
ويُشتبه في أن “ب” و”ج” يديران الأموال بطرق تختلف عما هو مدون. وتقول الصحيفة إنهما لجآ إلى تعيين الأميرة أكيكو رئيسة فخرية للمعرض، أملا في جذب رعاة الشركات الكبرى وتم استخدام اسمها في الترويج للمعرض. ولكن حتى الآن لم تجنِ الأموال المطلوبة. وسلطت الصحيفة الضوء على المخاوف المتزايدة التي تتعلق بالسيدة “ج” التي تولت هذا المنصب من خلال إدارتها لمشروعات تجارية ذات علاقة بالفتيات المراهقات، وتواجه حاليا مشكلات قانونية تتعلق بانتهاك قوانين المعاملات المالية.
وتوضح الصحيفة اليابانية: “تتصاعد التوترات، ويشير البعض إلى أن استمرار الوضع الحالي قد يلحق الضرر باسم عائلة ميكاسا الإمبراطورية، برئاسة الملكة أكيكو، بالإضافة إلى تقويض علاقة الثقة مع السلطات المصرية”.
اليابان وآثار مصر
في عام 1965، زار القناع الذهبي لتوت عنخ آمون اليابان لأول مرة، بعد عام من دورة الألعاب الأولمبية في طوكيو، وجذب نحو 2.95 مليون زائر في ثلاثة مواقع مختلفة، محققا بذلك رقما قياسيا لعدد الزوار في تاريخ المعارض الفنية في اليابان.
وتكررت الشهرة مع المعرض الثاني الذي أقيم في 2012، حيث جذب حوالي 2.5 مليون زائر. إلا أن التساؤلات حول سبب تنظيم معارض الكنوز المصرية في اليابان بشكل متكرر تظل قائمة. هل هي رغبة في تعزيز العلاقات الثقافية، أم أن هناك دوافع تجارية وراء هذه الفعاليات؟
وفي فبراير من هذا العام، تم تنظيم مؤتمر صحفي كبير في أحد الفنادق البارزة، حضره شخصيات هامة من الحكومة المصرية. وقد حضر الحدث أيضا سياسي، أعرب عن تقديره للتخطيط للمعرض، مؤكدا على التعاون الاقتصادي مع اليابان. كما يُقال إن هناك خطة لتعيين سياسي بارز كمستشار للمعرض.
موقف العائلة الإمبراطورية في اليابان
الأمير تاكاهيتو ميكاسا، مهتم بشكل كبير بالثقافة الشرق أوسطية، وقد أسس مركز الشرق الأوسط الثقافي بالتعاون مع مؤسسة إديميتسو كوسان. ورشح الأميرة أكيكو، التي تواصل مسيرة الأمير تاكاهيتو، لتولي منصب الرئيس الفخري، ما يعد خطوة طبيعية. ورغم ذلك، يشعر البعض بالقلق من أن اسم عائلة ميكاسا قد يُستغل في التعاملات المشبوهة المتعلقة بالمعرض. والذي تُقدَّر قيمته بـ10 مليارات ين.
حاولت الصحيفة اليابانية التواصل مع الأشخاص المتورطين، لكنهم لم يتلقوا ردا منهم. وأكدت المنظمة غير الربحية المسؤولة عن المعرض أنها قررت عدم التعليق على الموضوع.
اختتمت الصحيفة التقرير بفقرة مثيرة للجدل عن مصير مقتنيات الملك توت عنخ آمون، حيث قالت: “مع استمرار الأحداث والاضطرابات، يبدو أن معروضات مقبرة توت عنخ آمون، التي نجت من العديد من أزمات السرقة، ما زالت تشهد تقلبات. فحتى بعد أكثر من 3000 عام. يبدو أن الغموض والمشاكل التي تحيط بالمعرض تسبب قلقا كبيرا. كأن الفرعون نفسه يبكي في وادي الملوك بسبب ما يحدث اليوم”.
اقرأ أيضا:
«سويسري يفجر قضية جديدة»: يمتلك آثار مصرية سُرقت مع شاهد توت عنخ آمون