عيد الفطر .. هكذا كانوا يحتفلون في مصر وفلسطين وبلاد الشام

تشترك العديد من المدن العربية في طقوس الاحتفال بعيد الفطر، على الرغم من التباين الثقافي والظروف السياسية التي تمر بها كل دولة، إلا أن الاحتفال بعيد الفطر يحمل في طياته العديد من الطقوس المشتركة التي تجمع بين الماضي والحاضر والتي تمتد إلى مظاهر اجتماعية ودينية تعكس تاريخًا طويلًا من العادات.
احتفالات عيد الفطر قديما
أشار خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان عضو المجلس الأعلى للثقافة لجنة التاريخ والآثار، رئيس حملة الدفاع عن الحضارة المصرية إلى مظاهر الاحتفال بعيد الفطر قديما، وكانت تبدأ من آخر أيام رمضان حيث يصعد ناظر دار طراز الخاصة إلى القلعة فى موكب كبير وبصحبته عدد كبير من الحمالين يحملون خلع العيد لحملها إلى السلطان.
تابع لـ “باب مصر”: “فى صباح يوم العيد ينزل السلطان إلى الحوش السلطانى لتأدية صلاة العيد ويسمع الخطبة بجامع الناصر محمد بن قلاوون بالقلعة ويعود إلى الإيوان الكبير المشيد عليه حاليًا جامع محمد على حيث يمد سماط حافل للطعام بلغت تكاليفه فى بعض السنوات خمسين ألف درهم وأخيرًا يخلع السلطان على الأمراء وأرباب الوظائف كما يفرج عن بعض المساجين طبقًا لما جاء فى دراسة أثرية لعالم الآثار الإسلامية الدكتور على أحمد الطايش أستاذ الآثار والفنون الإسلامية بكلية الآثار جامعة القاهرة”.
أما فى العصر المملوكى كان يجتمع فى صباح اليوم الأول أهالى الحى أمام منزل الإمام الذى سيصلى بهم صلاة العيد فى المسجد فإذا خرج إليهم زفوه حتى المسجد وبأيديهم القناديل يكبرون طوال الطريق وبعد انتهاء الصلاة يعودون به إلى منزله على نفس الصورة نفسها التي أحضروه بها.
وفى العصر العثمانى فان يبدأ الاحتفال الرسمى بعد فجر يوم العيد حيث يصعد كبار رجال الدولة إلى القلعة ويمشون في موكب أمام الباشا من باب السرايا (قصره) إلى جامع الناصر محمد بن قلاوون فيصلون صلاة العيد ويرجعون ثم يهنئون الباشا بالعيد وينزلون إلى بيوتهم فيهنئ بعضهم بعضًا.
واستكمل: “وفي ثان أيام العيد ينزل الباشا للاحتفال الرسمى بالعيد حيث يجلس في الكشك المعد له بقراميدان (ميدان القلعة) وقد هيئت مجالسه بالفرش الفاخر والمساند الجميلة والستائر الفخمة وتقدم القهوة والمشروبات وقماقم العطور والبخور ويأتى رجال الدولة للتهنئة”.
مظاهر الاحتفال الشعبي
ونوه الدكتور ريحان إلى مظاهر الاحتفال الشعبى بالعيد حيث يخرج الناس فى أول أيام العيد فى القاهرة والمدن الأخرى للنزهة فى النيل وركوب المراكب ويذهب البعض الآخر لزيارة أقاربهم وأهلهم لتقديم التهنئة والبعض يذهب إلى القرافات لتوزيع الصدقات رحمة على موتاهم، ويتناولون السمك المشقوق أي السمك المجفف البكلاه خاصة في العصر المملوكى.
وعن العيدية يوضح الدكتور ريحان أنها كلمة عربية منسوبة إلى العيد بمعنى العطاء أو العطف، وهو لفظ اصطلاحى أطلقه الناس علي كل ما كانت توزعه الدولة أو الأوقاف من نقود فى موسمي عيد الفطر وعيد الأضحى كتوسعة على أرباب الوظائف وكانت تعرف في دفاتر الدواوين بـالرسوم ويطلق عليها التوسعة فى وثائق الوقف وترجع هذه العادة إلى عصر المماليك وكان اسمها “الجامكية” وتم تحريفها إلى كلمة العيدية.
وعلى حد وصفه، كان السلطان المملوكى يصرف راتبًا بمناسبة العيد للأتباع من الأمراء وكبار رجال الجيش ومَن يعملون معه وتتفاوت قيمة العيدية تبعًا للرتبة فكانت تقدم للبعض على شكل طبق مملوء بالدنانير الذهبية وآخرون تقدم لهم دنانير من الفضة وإلى جانب الدنانير كانت تقدم المأكولات الفاخرة.
وأردف الدكتور ريحان إلى أن العيدية منذ العصر الفاطمى كانت توزع مع كسوة العيد خارجًا عما كان يوزع على الفقهاء وقراء القرآن الكريم بمناسبة ختم القرآن ليلة الفطر من الدراهم الفضية وعندما كان الرعية يذهبون إلى قصر الخليفة صباح يوم العيد للتهنئة كان الخليفة ينثر عليهم الدراهم والدنانير الذهبية من منظرته بأعلى أحد أبواب قصر الخلافة. وقد أخذت العيدية الشكل الرسمى فى العصر المملوكى وأطلقوا عليها الجامكية وحرفت بعد ذلك إلى كلمة عيدية وفى العصر العثمانى أخذت العيدية أشكالاً أخرى فكانت تقدم نقودًا وهدايا كما يحدث اليوم
وفى عصر أسرة محمد على وحتى الآن أصبح شكل “العيديّة” ما نعرفه اليوم حيث يقوم ربّ الأسرة والأبناء الأكبر سنًا من الأشخاص العاملين أصحاب الدخل بتقديم العيدية للأطفال والزوجة والبنات الأكبر سنًا وارتبطت باعتبارها مبلغًا نقديًا مع الهدايا الأخرى.
طقوس فلسطين
وأردف الدكتور ريحان أن طقوس العيد فى فلسطين متشابهة مع مصر فى عدة أمور حيث يعد الفلسطينيون الكعك العيد في منازلهم، بمساعدة الأمهات لخبرتهن الكبيرة، وتبدأ عملية إعداد الكعك بما يسمى “بسّه”، أي خلط السميد أو الطحين مع السمنة والزبدة وزيت السيرج، ثم تركها طوال ليلة كاملة حتى يتشرب السميد المواد الدهنية، وفي اليوم التالي يتم عجن ذلك بالماء والخميرة ودقة المعمول المكونة من اليانسون والمحلب والشومر والمستكة، قبل تقطيع العجينة إلى قطع صغيرة.
وبعد التقطيع، يتم حشو تلك القطع بعجوة التمر أو الجوز أو الفستق الحلبي، قبل أن توضع في قوالب خاصة بالمعمول ثم تُخبز في الفرن. ولذلك يوجد في المدن الفلسطينية معامل خاصة لصناعة القوالب الخشبية لتزيين الكعك. وينتشروا فى الأسواق ليلة العيد بنفس ازدحام القاهرة وحتى بزوغ الفجر لشراء ضيافة العيد وملابسه، وحلاقة شعرهم التي اعتادوا على تأخيرها حتى اللحظة الأخيرة لاستقبال العيد بأبهى حلة. ويحرص الفلسطينيون على زيارة المقابر ثم زيارة أقاربهم وتهنئهم بالعيد، وهم حريصون على صلة الرحم ويزورون الأهل فى جماعات كبيرة تصل إلى 30 شخص ويفتخرون بذلك طمعًا فى الأجر والثواب
وأضاف: “بالطبع “العيدية” من أبرز العادات المرتبطة بالعيد حيث يمنح الرجال الأطفال والسيدات من أقاربهم المال تتفاوت بحسب درجة القربى والوضع المالي، وبعد زيارة “الأرحام” يتوجه الناس لتهنئة جيرانهم وأصدقائهم، ولا تخلو ضيافة العيد في منازل الفلسطينيين من كعك العيد بالإضافة إلى الفاكهة والمكسرات والقهوة السادة”.
احتفالات بلاد الشام
وتابع الدكتور ريحان أن بلاد الشام تشتهر بصناعة المعمول منذ العهد الكنعاني من 5000 عام حين كان يُصنع ابتهاجًا بعودة “الإله بعل” من الموت، وورثن النساء الكنعانيات صناعة المعمول حتى اليوم بشكل مستدير كما ورثن المصريات كعك قدماء المصريين المنقوش بعدة زخارف.
رصد كتاب “الحياة الإجتماعية في بلاد الشام في عصر المماليك الشراكسة 784 – 922 هجريا” لمبارك محمد الطراونة، مظاهر الاحتفالات بعيد الفطر قديما في بلاد الشام في عام 912 هجريا/ 1506 ميلاديا، من بينها: “كان العيد يوم الجمعة وبترتيب من نائب دمشق حدد العيد بيوم الخميس وأحضر شخصا ورا برؤية هلال العيد، لتطير المماليك من خطبتين في يوم واحد إذ أن ذلك نذير شؤم بوفاة السلطان”.
واستكمل الكتاب: “كان من التعارف عنه ليلة عيد الفطر أن يكبر المصلون في المآذن حتى ثلث الليل الأول، ويسير الناس في الشوارع جماعات فرحين منشدين مغنين ويطلقون الصواريخ ويسهرون حتى الصباح بينما يسهر الاتقياء منهم بالاستماع إلى القرآن الكريم والأذكار، في حين يطلق رجال القلعة المدافع إيذانا بقدوم العيد”.
***
في صبيحة يوم العيد يجتمع اهل الحي أمام منزل الإمام الذي يصلي بهم صلاة العيد فبعد خروجه إليهم يزفوه إلى المسجد وبأيديهم القناديل ويكبرون طول الطريق وبعد الانتهاء من الصلاة عادوا به بالطريقة نفسها.
وأضاف الكاتب: “كانت العادة المتبعة ليلة العيد توجه قضاة القضاة إلى السلطان عندما يكون موجودا في بلاد الشام للسلام عليه وتهنئته بحلول عيد الفطر. وفي عام 796 هجريا/ 1394 ميلاديا، توجه القضاة ليلة العيد للسلام على السلطان في مدينة دمشق، وفي صباح يوم العيد يخرج السلطان من القلعة في موكب مهيب وعلى رأسه العصائب السلطانية.
ويشرح الكاتب مصطلح العصائب السلطانية، وأوضح: “هي رايات صفر عليها ألقاب السلطان واسمه مطرز عليها بالذهب، وترفع على رأس السلطان مظلة تعرف بالجتر وهي قبة من حرير أصفر مزركش بالذهب وفي أعلاها طائر من فضة مطلي بالذهب يحملها النائب، وبعد الصلاة يتجمهر الناس لرؤية السلطان والسلام عليه ثم يعود موكبه إلى القلعة”.
وفي حالة عدم وجود السلطان فكانت العادة في بلاد الشام قيام النائب بموكب إلى المسجد الجامع الذي تقام فيه صلاة العيد والاستماع إلى خطبة القاضي الشافعي وحضور باقي القضاة وأركان الدولة. وبعد انتهاء صلاة العيد يسلم المصلون على بعضهم ويذهبون لزيارة القبور ويتبادلون الزيارات في البيوت ويقدمون الحلوى بمختلف أصنافها للمهنئين. وفي ليلة العيد، يتم توزيع الصدقة على الفقراء والأيتام وتوزيع الطعام والحلوى بأنواعها عليهم.