عندما يلتقي الشعر بالسينما: في «سنوات السوبر 8».. أديبة نوبل مخرجة سينمائية!
العمر الطويل قد يكون نعمة، وقد يأتي بالحظ الوفير أحيانا. هذا ما حدث مع الأديبة الفرنسية آني إرنو، التي حصلت منذ أسابيع على جائزة نوبل في الآداب وعمرها 81 سنة. بما أن نوبل تمنح للأحياء فقط، فإن أحد شروطها أن تعيش طويلا حتى يأتي عليك الدور.
نوبل لم تكن مكافأة نهاية العمر الوحيدة التي حصلت عليها إرنو. فخلال العقد الأخير شهدت أعمالها إقبالا كبيرا، وترجم معظمها للغات كثيرة، منها العربية.
علاقة متأخرة بالسينما
كان أول فيلم يصنع عن نص أدبي من تأليف آني إرنو هو “الآخر” l’ Autre في 2007، عن رواية “احتلال”. وعرض في عدد من المهرجانات، من بينها مهرجان القاهرة، على ما أتذكر، ولكنه لم يترك أثرا أو ذكرى كبيرة.
لكن خلال السنوات الماضية بدأت السينما تهتم بأعمال إرنو. حيث صنع فيلمان روائيان مقتبسان عن أعمالها وفيلم وثائقي عنها. كما قامت هي أيضا بصنع فيلم عن فترة من حياتها بعنوان “سنوات السوبر 8”. عرض في مهرجان “كان” الماضي (قبل شهور من حصولها على “نوبل”)، وحل ضيفا على مهرجان القاهرة السينمائي الدولي منذ أيام.
منذ ثلاثة أعوام، وقبل حصولها على “نوبل”، صنع فيلمان عن أعمال آني إرنو هما: “عشق بسيط” (ترجمت أيضا بعنوان “شغف بسيط”) Simple Passion من إخراج اللبنانية الفرنسية دانيل عربيد. تم اختياره للمشاركة في مسابقة مهرجان “كان” خلال فترة حظر الكورونا، ونال تقييمات نقدية متوسطة، وهو يروي جزءا آخر من سيرة إرنو، تعترف فيه بوقوعها في عشق شاب يصغرها بسنوات كثيرة، وانفصالهما.
**
الفيلم الثاني هو “حادث سعيد” Happening (أو “حدث” كما ترجم للعربية، وإن كان العنوان الفرنسي وترجمته الإنجليزية يشيران للحمل، بينما العنوان العربي غامض). وهو فيلم رائع من إخراج أودري ديوان، حصل على جائزة أفضل فيلم من مهرجان “فينيسيا”. الفيلم، كما الرواية، التي تعد من أوائل أعمال إرنو، يروي قصة طالبة جامعية فقيرة موهوبة في الأدب خلال ستينيات القرن الماضي تحمل رغم إرادتها. مما يهدد مستقبلها التعليمي والعملي، فتقوم بعملية إجهاض غير مشروعة وخطيرة، لكنها تنجو وتواصل طريقها التعليمي والأدبي.
قبل حصولها على نوبل أيضا، ظهرت آني إرنو العام الماضي في فيلم وثائقي عنها بعنوان “أحببت العيش هناك” I Have Loved Living There من إخراج ريجيه سوديه. تروي فيه بعض ذكرياتها في المدن.
أما فيلم “سنوات السوبر 8″ الذي يحمل اسم آني إرنو كمخرجة، بجانب اسم ابنها ديفيد. فهو، مثل أعمالها الأدبية، سيرة ذاتية في قالب فني شاعري. وبالتحديد سيرة كاميرا من نوع الـ”سوبر8” اشترتها الأسرة في بداية سبعينيات القرن الماضي، وقاموا على مدار عشر سنوات بتصوير حياتهم المنزلية ورحلاتهم وإجازاتهم في فرنسا وخارجها. قبل أن يقع الطلاق بين آني وزوجها فيليب ويرحل مصطحبا مع الكاميرا، تاركا لهم الشرائط التي قام بتصويرها وآلة العرض المنزلي.
شرائط عائلية.. تروي العالم
الفيلم عبارة عن مونتاج لبعض المواد التي صورتها هذه الكاميرا، مصحوبا بتعليق صوتي كتبته وألقته إرنو بصوتها على الأحداث والمشاهد التي نراها ومشاعرها. تروي، مثلا، كيف كانت تكتب الأدب سرا، دون أن تخبر أحدا، قبل أن ترسل روايتها الأولى إلى دار نشر “جاليمار” فيتم نشرها، ويتم اعتمادها ككاتبة.
نرى مشاهدا متفرقة من رحلات الأسرة خلال حوالي عقد يمتد من 1972 إلى 1981 داخل فرنسا وبلاد مختلفة من العالم: تشيلي، ألبانيا، إنجلترا،إسبانيا، البرتغال، روسيا وغيرها، رحلات تبدو شخصية جدا. ولكن إرنو تروي الأسباب “السياسية” والاقتصادية وراء اختيار هذه البلاد. كما تذكر ملامح من هذه الفترة العصيبة التي شهدت ذروة الحرب الباردة بين المعسكرين الغربي والشرقي، والإطاحة بحكم سلفادور آليندي في تشيلي، والديكتاتورية في ألبانيا التي جعلتهم محاصرين داخل فندقهم غير قادرين على زيارة البلد أو الاختلاط بأهلها.
وتتوقف أحيانا لتذكر أشياء عن علاقتها بأمها التي تظهر في بعض المشاهد. وعن علاقتها بزوجها الذي يظهر نادرا (بما أنه كان المصور الرئيسي الذي يحتكر استخدام الكاميرا). كما تتمهل أحيانا لتتذكر ما كان يدور بعقلها وقلبها في بعض المشاهد.
باختصار، تختزل إرنو رحلة عمر وحياة عائلة وعالم بأسره في 60 دقيقة تمتلئ بالحنين لزمن مضى. وترصد أحلاما كبيرة وانكسارات أكبر تعرضت لها هذه الأحلام الفردية والعامة. وتفسر، بطريقة ما، كيف وصل العالم إلى ما هو عليه الآن.
“سنوات السوبر 8” هو ثمرة علاقة حب بين الأدب والسينما، وبين الزمن المفقود والبحث عنه ومحاولة استرجاعه، وبين المقاطع الصامتة لكاميرا عفي عليها الزمن وقدرة الشعر على بث الحياة والروح فيها
اقرأ أيضا
حلق تامر حبيب.. ومكالمة الملك تشارلز!