عم محمد سائق الحنطور: «بقينا أنتيكا»
يجلس العم «محمد» على سور بحر يوسف الذي يتوسط مدينة الفيوم، وأمامه ميدان السواقي الشهير، وإلى جواره عربة الحنطور خاصته، يراقب حركة المارة من حوله، منتظرا إشارة أي منهم لتوصيله، إذ باتت هذه المهنة مصدر رزقه الوحيد في توصيل الزبائن أو الترفيه عن أبنائهم.. «باب مصر» التقي سائق الحنطور.
بقينا أنتيكا
«بقينا أنتيكا» هكذا يصف العم محمد سيد، أربعيني، يعمل سائق عربة حنطور منذ طفولته، حاله وحال زملائه من أرباب المهنة الذين لا يتعدون على أصابع اليد الواحدة، بعد انتشار سيارات الأجرة بأنواعها المختلفة في الفيوم، ما تسبب في عدول العديد من السائقين عن العمل في مهنة “الحنطور” واتجاههم لمهن أخرى.
يقول سيد: أعمل في هذه المهنة منذ أن كنت في الخامسة من عمري، ولا أعرف غيرها، أنا الآن في الخامسة والأربعون، ضعف نظري، ولم أعد استطيع العمل مساءا، كما أن المهنة أصبحت لا تدر عائدًا مجزيًا، وهذا ما دفعني إلى العمل كـ”سايس” لدي أصحاب لسيارات الملاكي، أقوم بإزالة الأتربة من عليها وأنظفها وأغسلها وما أحصل عليه من هذا العمل أنفقه على الحصان وعلى زوجتي وأولادي، وهذا ليس حالي وحدي، بل حال جميع سائقي الحنطور بالفيوم، فأغلبنا ترك المهنة ويعمل في مهن أخرى.
اختفت مقولة «اطلع يا برنجي» من شوارع الفيوم، مثلما اختفت الحناطير، يقول عنها «محمد»: كان هناك ما يزيد عن خمسين عربة حنطور، منتشرة في مدينة الفيوم، مصطفة فيما يشبه الطابور، منتظرة دورها الذي يأتي سريعًا لزيادة نشاط حركة السياحة، حيث كانت العربة الأولى في الطابور هي “البرنجي” وعند رؤية الزبون يرتفع صوت زملاء عم محمد «اطلع يا برنجي».
التاكسي وقف حالنا
يشير عم محمد بيده إلى سيارات التاكسي التي تمر أمامه ويراها في عدة شوارع، ويقول: “التاكسي وقف حالنا، قبل ما يطلع كان الحال ماشي والرزق تمام، وكانت الناس بتتخانق علينا عشان نوصلها، أما الآن محدش معبرنا”، ويكمل: الحال أصبح غير الأول، كان الحنطور وسيلة المواصلات الأشهر وكانت كبرى العائلات تتعامل معنا لتوصيل أبناءها إلى مدارسهم صباحًا، كما كنا نذهب في توصيلات لبعض القرى والمناطق القريبة من الفيوم، أما الآن فحل التاكسي والسرفيس محل الحنطور، ولم يعد أحد يطلبنا كثيرا، وبعد أن كان يوجد أكثر من موقف للحنطور أصبحنا جميعا نقف في ميدان السواقي لقلة عددنا، ونتعرض لمضايقات كثيرة من مجلس المدينة والمحافظة، بجانب أننا لا نستطيع السير في الشوارع بسهولة من شدة الزحام، والسرعة التي يسير بها سائقي السرفيس والتاكسي في الشوارع.
يحكي عم محمد، الذي يسكن في منطقة الصوفي بالفيوم، هو وأغلب من يعملون في تلك المهنة، أنه خصص مكانًا لإقامة الحصان داخل منزله، ويتذكر كيف كان في الماضي العديد من إسطبلات الأحصنة نظير مبلغ مالي يومي، ولكنها اختفت الآن وتحولت لأبراج سكنية، مشيرا إلى زيادة أسعار أعلاف الأحصنة، ويقول: علف الحصان يكلف من 70 إلى 100 جنيه في اليوم، وفي أوقات كثيرة نأكله قبل أولادنا.
ساعات الّف أزف عرايس
وساعات أدور مع نور عرسان
وياما كان بيجيني مزاج
السوع العزال كرباج
ولما أقول شي
الزفة تمشي
ولما أقول هس
كله سمع هًس
ودقي يا مزيكا
زينة الحنطور
يُزين عم «محمد» الحنطور بالزينات الملونة من أشكال نحاسية وخيوط ملونة. ويضع سرجًا حديديًا على حصانه.. كما لون إطارات الحنطور بالألوان الزاهية.. بالطبع بجانب اللون الأسود الذي يشتهر به الحنطور. ويتذكر قائلا: سعر أغلى حصان كان زمان لا يتعدي الألف جنيه.. الآن سعره ما بين الستة والعشرة آلاف جنيه.. كما تتكلف عربة الحنطور لتصنيعها 15 ألف جنيها.. ولم يعد أحد يصنع الآن عربات الحنطور سوى شخص واحد فقط في الفيوم، ولا نعرف ماذا نفعل بعده.
وتابع: كانت عربات الحنطور في السابق شريكا في الأفراح.. فهي التي تسير في طابور لزفة العروسة، وإيصالها إلى بيت زوجها.. ويسير خلفها عربات أخرى تحمل المعازيم من السيدات، كونها وسيلة نقل أصحاب المكانة الاجتماعية المرتفعة والقادرين، ثم أصبحت بعد ظهور السيارات الخاصة في الشوارع وسيلة لانتقال العامة والطبقة المتوسطة والشعبية، فهي تدخل الحواري والأزقة، الآن أصبح نادرًا من يستقلها ويفضل غالبية الناس استقلال التاكسي.
ويختتم عم محمد حديثه: “السياحة ما عدتش موجودة زي زمان ومحدش بيجي الفيوم كتير، كنا زمان بنشتغل على السياح اللى بتزور الفيوم ونفسهم يلفوا شوية بالحنطور فسحة، لكن الآن نادرا لما بنلاقي حد عاوز يتفسح من أهل الفيوم زي زمان، إحنا بنرضى بقليله والله، ومش عاوزين غير اللى يكفينا ويكفي ولادنا، ومش طالبين الكثير، المحافظة عاوزة تنقلنا من الميدان، طب هنروح فين؟”.
تجمع حولي زملاء محمد من سائقي الحنطور، مطالبين عدم نقلهم من مكانهم، فهم عنوان له ولا يمكن تخيل بحر يوسف وميدان السواقي دون وجود عربات الحنطور.
تعليق واحد