«على قدر حلمك»: تراث فن الخيامية المصري بتصميمات معاصرة
في معرض «على قدر حلمك» المستمر على مدار خمسة أيام حتى الاثنين القادم 21 مارس الجاري، مجموعة من المعلقات النسيجية، تُقدم التاريخ المصري عبر تنفيذه بأيدي أصحاب الحرفة التراثية ولكن لتجسيد مجموعة من الأفكار المعاصرة، ليصبح هذا المزيج بمثابة خطوة مبتكرة للحفاظ على فن «الخيامية» المصري، عبر مجموعة من التصميمات الأصلية لمؤسسة «مركز» والمؤرخ المعماري سيف الرشيدي، وتنفيذ جاليري «يدويات» وأتيليه عاطف كمال.
على قدر حلمك
نفذ المعلقات مجموعة من صناع الخيامية المهرة. هذه المجموعة من المعلقات ذات التصميم المبتكر تأتي حفاظا على الحرفة التقليدية المصرية القديمة، واعتمدت على مهاراتهم لإنتاج معلقات جدارية تعكس مشاهد ومشاعر من مصر المعاصرة والحديثة التي تدور حولهم. ويكشف المؤرخ المعماري المصري سيف الرشيدي، مدير مؤسسة بركات لدعم الدارسين والمحافظين على التراث في العالم الإسلامي، كواليس تدشين المعرض ومجموعة المعلقات ذات التصميم الأصلي.
ويقول سيف الرشيدي لـ«باب مصر»: “صممنا هذه المجموعة رغبًة منا في الحفاظ على حرفة تقليدية مصرية قديمة استخدمت لتزيين وإدخال البهجة على المنازل والأماكن العامة”.
تم استلهام اسم المعرض من بيت شعر للفلسطيني الراحل محمود درويش: “على قدر حلمك تتسع الأرض”. ويتفق الاسم مع موضوع المعرض الذي يجسد حالات الحلم المختلفة. من الحلم العالمي بالازدهار والوفرة والذي نراه في الحدائق والفاكهة كاملة النضج، إلى حلم الهدوء متمثلا في الحركة اللطيفة للمراكب التي تُبحر في سكون صعودا وهبوطا في مياه النيل.
كذلك تعكس بعض القطع الحالة النشطة للحلم، حلم التعليم، متمثلا في حلم الآباء لأبنائهم، أحلام الدولة التي تنسق حاليا رؤيتها لنهضة مصرية. وحتى الحلم الدنيوي المتمثل في الاستقلال المادي والمغامرة والذي تعبر عنه مشاهد سائقي “التوك توك” ساعين وراء الرزق في أحياء القاهرة المختلفة.
الفكرة والتنفيذ
يضم المعرض 25 معلقة. ويستخدم هذا المعرض الخيامية لإبراز الحرفة والاحتفال بتقاليدها. على مدار ألف عام قام الحرفيون المصريون صانعي الخيامية بدمج تقاليد الحرفة مع جوانب الحياة وفقا لطلب العميل والمناسبة. ويتابع الرشيدي: “في حالات قليلة نُعيد إنتاج القطع الأثرية لفهم مدلولات المقاييس والألوان. ولكن في أغلب الأحيان نعتمد على التصميم التراثي لخلق شيء جديد”.
ابتكار معلقات معاصرة مستوحاة من التراث، عملية طويلة تستغرق العديد من المراحل. ويوضح الرشيدي: “عملية تصميم وإنتاج هذه القطع هي عملية معقدة، باستخدام القلم والحبر والطلاء وبرامج التصميم معا. قد تستهلك بعض القطع 20 أو 30 تجربة تصميم قبل أن نستشعر استيعابنا للفكرة التي نرغب في نقلها. يليها عملية ترجمة التصميم على قماش والتفكير في الأقمشة المناسبة”.
وعن مرحلة اختيار الألوان يضيف: “أحيانا يكون اللون المثالي متاحا فقط في نسيج سميك جدا أو آخر رقيق فيتحتم علينا العودة إلى لوحة الرسم. ونعمل من خلال عملية تأملية تعاونية. إذ نتأمل القطع عن بُعد ونفكر فيما إذا كنا بحاجة لإضافة بعض من الغرز أو مزيد من التفاصيل”.
تعكس مجموعة المعلقات المعاصرة التقليد التاريخي لهذه الحرفة، عبر استخدام فنون الخيامية لإنتاج ألواح كبيرة تصل أطوالها إلى خمسة أو ستة أمتار والتي شكلت أسقف وجدران الخيام أو الستائر النسيجية الكبيرة. وعن الوقت المستغرق للانتهاء من تنفيذها، يستكمل: “في تلك الأيام كان يعمل أربعة أو خمسة أشخاص على كل لوحة في نفس الوقت مما يخلق جوًا من الصداقة والود بحيث يستمتع الحرفي بالعمل وتعكس أيضا روح العمل الممتع، يفكر الحرفي، ويتحدث ويخيط”.
الخيامية بين التاريخ والحداثة
هذا ليس المعرض الأول للرشيدي. إذ أقام العام الماضي معرضا عن الخيامية وفنونها التراثية، لرغبته في رؤية هذا الفن في كل بيت مصري.
ويقول: “المعرض السابق عن الخيامية القديمة. لكن المعرض الحالي يقدم مجموعة محددة لأن– المركز – مكان حرفي مقره في المعادي يقدم منتجات حرفية مرتبطة بمصر، لتطوير الحرفة وتقديمها بشكل جديد. وساعدتهم في التصميمات المعاصرة مع ورش الخيامية لإنتاج مجموعة المعلقات المستوحاة من التاريخ المصري بشكل معاصر”.
تم الإعداد لتصميم القطع وتنفيذها لفترة تراوحت بين 6 إلى 7 أشهر. بعضها تم بشكل مستوحى من معلقات قديمة ترجع إلى القرن التاسع عشر، مع تغيير الألوان، وقطع أخرى مستوحاة من التراث المصري مثل الجدارية الفرعونية، قطعة من نسيج قبطي مع التعديلات عليها ومضاعفة حجمها، وقطع أخرى تتعلق الاعتماد على رموز مصرية. مثل حيوان”سيد قشطة” نظرا لمكانته لدى المصريين القدماء، وأخرى من الفن المملوكي، مع رموز معاصرة مثل “التكاتك” في الأحياء الشعبية.
يرى المؤرخ المعماري أن نجاح افتتاح المعرض، قبل أيام، دليلا على قيمة الحرفة في مصر، عبر تقديم الحرفة التقليدية من خلال قطع مستوحاة من التراث ولكن بشكل حديث ومعاصر. ويوضح: “عند الحديث عن حرفة تقليدية ينصرف عنها البعض ولكن عند تقديمها بشكل مختلف يساهم هذا الأمر في تغيير الفكرة السائدة عنها. خاصة أن الحرف بدون تقدير واستمرارية تكون مُعرضة للاندثار”.
يقدم معرض «على قدر حلمك» مجموعة من المعلقات ذات التصميمات الأصلية. وتتميز كل قطعة بعدم تكرارها باعتبارها عمل فريد لم يُرى من قبل. ويرى أن تقدير الحرفة يجب أن يأتي من مصر أولا نظرا لأنها حرفة من التراث المصري، رغم انتشارها في دول عربية أخرى. ويضيف: “عدم الطلب على الحرفة أو شراء قطع منها يجعلها مهددة بالاختفاء. ومن المهم استمراريتها عبر خلق سوق محلي لها وليس فقط للأجانب”.
حماية الحرفة من الاندثار
التطور التكنولوجي شكّل تأثيرا قويا على فنون الخيامية. “لماذا أشتري معلقة مصنوعة يدويا بينما من الممكن طباعتها بسعر أقل!”. هذه المقارنات المستمرة تشكل تهديدا للحرف مما يخلق مطالب بضرورة دعم الحرفيين بعد عزوف الشباب عن تعلمها. ويوضح الرشيدي: “الدعم أمر هام ويسّهل رواج المنتجات اليدوية. ولكننا بحاجة إلى وجود جمهور يقتني القطع اليدوية إيمانا بقيمة الحرف وضرورة استمراريتها وليس اقتنائها لأنها مدعمة فقط”.
كذلك يشكل الدعم طرقا عديدة لاستمرار الحرفة، من بينها تقليل الجمارك على الخامات المستوردة، وانخفاض الإيجارات في المناطق السياحية، وغيرها من الأمور بخلاف الدعم المادي للحرفي. ويتابع: “كذلك من الممكن أن يكون الدعم عبر برامج أو أنشطة حكومية. بالإضافة إلى اهتمام مشاريع تطوير القاهرة التاريخية بأهمية التراث والحرف التراثية”.
يأتي المعرض من تنظيم مؤسسة «مركز» لمؤسسيه رائدة الأعمال الاجتماعية نائلة الشيشيني، ومحمد أمين. إذ يعد أحد أهم أهداف المؤسسة تقديم منتجات الحرف اليدوية بشكل أكثر حداثة وجودة أفضل. وعلى مدار عدة سنوات استطاع المركز تنسيق الإنتاج عبر 14 محافظة في مصر.
يرى أمين أن الحرف التراثية تمثل هوية كل دولة. وبالنظر إلى العديد من الدول الأخرى مثل الهند وتركيا نرى أن هذه الحرف على رأس قائمة أولوياتها. ويوضح لـ«باب مصر» طرق الحفاظ عليها: “الدول هي التي تحافظ على الحرف اليدوية لأنها الأمر الوحيد الذي لا يخضع للتقليد. وعلى سبيل المثال لا تستطيع الصين تقليده، وفي مصر تعبر الحرف اليدوية التقليدية عن الشخصية المصرية”.
وتابع: “مصر غنية والدولة من الممكن أن تحافظ على الحرف اليدوية بطرق لا تعد”. لافتا إلى غياب توثيق حقيقي للحرف اليدوية في مصر. إذ تتوفر العديد من الأبحاث التي لا حصر لها في مصر عن الحرف اليدوية ولكنها غير موثقة. بالإضافة إلى غياب وجود متحف مخصص للحرف اليدوية على عكس دول أخرى ترعى هذه الحرف بشكل أساسي. ويضيف: “ما يحتاجه الحرفي لاستمرار حرفته هو المادة الخام بشكل أساسي لتوفير المنتج ومن ثم تيسير عمليتي البيع والشراء”.
اقرأ أيضا
«التراث في كل مكان»: مشروعات فوتوغرافية توثق تاريخ مصر المنسي