عرض كتاب “النساء يطالبن بإرث الإسلام” لمريام كوك
كتب – مارك أمجد
تعترف رندة أبو بكر مترجمة الكتاب بنفسها في مقدمته أنها احتارت كثيرا إزاء ترجمة العنوان وصياغته بالعربية بشكل مضبوط بحيث لا يترك القارئ في حيرة والتباس، خاصة أمام موضوع بخطورة ما اختارته الباحثة مريام كوك كي تناقشه.
وفي النهاية اهتدت المترجمة لهذه الصيغة التي اعتبرتها منصفة ومحققة لمغزى الكتاب الذي يتمحور حول الأدوار النسوية التي اضطلعت بها النساء العربيات المسلمات، سواء منحها لهن المجتمع أو أخذوها هن بأنفسهن.
ولم تقتصر رؤية المؤلفة على نطاق الشرق الأوسط بل تناولت أيضا المجتمعات النسائية الإسلامية في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا، وكيف تشكلت وتأثرت تلك الجماعات مع كل حادث دولي يتعرض له الإسلام مثل ظهور رواية “آيات شيطانية” لسلمان رشدي وحرب الخليج وسقوط البرجين في الحادي عشر من سبتمبر.
وحرب الخليج والحرب الأهلية بلبنان بالذات تفرد لهما الكاتبة فصلا كاملا حيث تعرض أثر الحروب بشكل عام على النساء العربيات، وكيف تعيد صياغتهن وصياغة أفكارهن من جديد، وكأن الحرب في العالم يصنعها الرجال كي تتلقف النساء الضحايا وتعيد كتابة الدروس.
ورغم أن قوام الكتاب نسوي وكاتبته امرأة إلا أنها لا تختار طوال فصوله الوقوف في صف أي من الفرق، بل تعتمد على مصادر أبحاثها الضخمة والمتعددة وتورد شهادات وأقوال لمناضلات نسويات من مصر والمغرب وتونس والجزائر.
وأيضا تقتنص مسارات الكاتبات العربيات المغتربات في أمريكا وأوروبا، وهي لا تناصرهن بحكم أنها امرأة مثلهن بقدر ما تعرض مواقفهن التي تتباين مع بعضها البعض رغم استنادهن جميعا لدستور واحد هو القرآن. وفي بعض المواضع تؤكد الكاتبة أن بعض النساء إبان دفاعهم عن القضية النسوية يلطخن أنفسهن بوحل الذكورية لمجرد الطريقة الدفاعية التي لجأوا إليها، والتي تعكس ديمومة خنوعهن للهيمنة البطريركية.
أحد الشيوخ الذين زجوا بقضية نصر حامد أبو زيد للمحاكم، ولم يهدأ بالهم إلا بالفصل بينه وبين زوجته بعد اعتباره شخصا كافرا، استدعته قناة فضائية في مبارزة إعلامية مع الدكتورة المصرية والكاتبة نوال السعداوي.
كانت النتيجة أن مصر بأكملها تحدثت عن هذا اللقاء وأعابت على الشيخ طريقة ردوده وهجومه واعتبروا نوال السعداوي هي من فازت بالمصارعة الكلامية… تورد المؤلفة هذه الواقعة بين صفحات كتابها ثم تضمّن الحادثة بحوار صحفي أجرته مع السعداوي بعد واقعة القناة الفضائية بفترة، فإذ بالسعداوي تنفي عن نفسها أي قدرة تملكها للإطاحة بذلك الشيخ الذي هزم نفسه بنفسه يوم كانا على الهواء مباشرة، لأنها كلما نطقت بكلمة هاج وماج وأورد حججا تظهر مدى رجعيته وتخلفه.
وحوار المؤلفة بنفسها مع نوال السعداوي وذكرياتها في سجن النساء ليس الوحيد الذي يتضمنه الكتاب، إذ يحتوي على حوارات أخرى أجرتها مع نسويات أخريات تحدثن عن البيئة العربية وثقافتها التي تنتج ذكورا ونساء ذكوريات.
لا تتوقف ثقافة المؤلفة على المعلومات التي استقتها من نساء عربيا تحت عدسة الدراسة أو باحثات عربيات حولن تجاربهن لمراجع وكتب، فرغم كونها باحثة أجنبية إلا أنها تستعين في أحيان كثيرة بحوادث من القرآن والأحاديث كي تدلل على أساس نظريتها، مثل تلك الحادثة المتعلقة بالسيدة عائشة زوجة الرسول، حينما قادت موقعة الجمل وانهزمت فترسخت تلك القاعدة الإسلامية القائلة بأن كل قوم اتخذوا من امرأة قائدة لهم يكون مصيرهم الفشل لا محالة.
أيضا تذهب المؤلفة في خضم رسم بانوراما لنسويات العرب، لشخصية زينب الغزالي؛ السيدة التي كرست نفسها للدعوة الإسلامية بالتزامن مع ذروة الإخوان المسلمين بشكل يشبه راهبات الأديرة، وتتطرق الكاتبة للمصير المأساوي الذي تعرضت له الغزالي بعد أن تم اتهامها بالاضطلاع في محاولة لاغتيال الزعيم عبد الناصر بالتعاون مع سيد قضب الذي وُجهت له نفس الدعوة وتم شنقه على إثرها.
المؤلفة في سطور
مريام موك
أستاذة دراسات العالم العربي بجامعة ديوك بالولايات المتحدة، وحاصلة على الدكتوراة في الأدب العربي من جامعة أكسفورد البريطانية. لها كتابات عديدة في مجالات النقد العربي وجنوب الآسيوي، والدراسات الثقافية، والنسوية الإسلامية، وأدب الحرب. من مؤلفاتها: War’s other voices
Women writers on the lebanese civil war
المترجمة في سطور
رندة أبو بكر
أستاذة الأدب الإنجليزي والمقارن بكلية الآداب جامعة القاهرة. لها دراسات في الأدب المقارن والنقد الأدبي والدراسات الثقافية ودراسات الترجمة. لها عدة ترجمات منشورة في مجالات الترجمة الأدبية والعلوم الإنسانية: منها “نادي البهجة والحظ” للكاتبة إيمي تان (عمان: أزمنة للنشر والتوزيع ٢٠٠٦).
الكتاب صادر باللغة العربية عن المركز القومي للترجمة طبعة أولى ٢٠١٥ في ٢٢١ صفحة من القطع الكبير.
تعليق واحد