«طه حسين» في السينما والتليفزيون
من المعروف أن كتابات عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين لم تترجم إلى أعمال سينمائية سوى ثلاث مرات فقط. بداية من فيلم «ظهور الإسلام» عام 1951 حتى «الحب الضائع» عام 1970. وبينهما «دعاء الكروان» عام 1959. ولم يكن «ظهور الإسلام» هو المحاولة الأولى لإنتاج فيلم سينمائي من أحد أعمال طه حسين. فقد سبق ذلك تجربة عام 1946 لإنتاج فيلم «دعاء الكروان» ووقتها فكر الفنان فريد الأطرش صاحب شركة «أفلام فريد الأطرش» بإنتاج الرواية ويكون هو بطلها كما نشرت الخبر صحيفة «أخبار اليوم» في 23 مارس 1946.
ونشر في الخبر: “وقد أخذ الفنان فريد الأطرش على نفسه أن يتجه بمؤسسته الجديدة “أفلام فريد الأطرش” اتجاها مشرفا للسينما المصرية. فكانت أولى خطواته الموفقة اتفاقه مع عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين بك. لإنتاج قصته الخالدة دعاء الكروان في فيلم سينمائي يكون فاتحة إنتاجه. وتفضل الدكتور طه حسين بك فسمح للفنان فريد الأطرش بإنتاج هذه القصة المحببة إلى نفسه وإلى نفس كل قارئ”.
وكان من المقرر أن يخرج الرواية “هنري بركات” ولكن بركات حينما قرأ الرواية لم يجد فريد الأطرش هو الفنان المناسب للدور. فنتج عن ذلك إلغاء فكرة الفيلم كما نشرت الصحف بعد ذلك. ثم إن كان فيلم “ظهور الإسلام” والمأخوذ عن قصة “الوعد الحق” هو أول أعمال العميد التي تنفذ فعليا على شاشة السينما. وكتب سيناريو وحوار الفيلم وأخرجه إبراهيم عزالدين، وكان عرضه الأول في إبريل 1951.
وفي نوفمبر1957، تعاقد المخرج والمنتج هنري بركات، مع الدكتور طه حسين على تحويل روايته “دعاء الكروان” إلى فيلم سينمائي. وكان بركات سابقا قد رفض فريد الأطرش. ولكن هذه المرة استقر على الفنان أحمد مظهر في دور البطولة بجانب فاتن حمامة وعرض الفيلم لأول مرة عام 1959.
الحب الضائع أم الجهد الضائع
والعمل الثالث والأخير لطه حسين في السينما هو “الحب الضائع” من إخراج هنري بركات أيضا وسيناريو وحوار يوسف جوهر. وعُرض الفيلم لأول مرة في أكتوبر 1970 وهو من أكثر الأفلام التي نالت نقدا شديدا من قِبل النقاد.
وعلى سبيل المثال الدكتور رفيق الصبان كتب مقالا في مجلة الكواكب بعنوان “الجهد الضائع” قال فيه: “أصل الخطأ أن المشروع كله يستند على أساس خاطئ. إذ قد تكون قصة الحب الضائع كما كتبها الدكتور طه حسين عملا أدبيا ممتعا. وقد تلذ قراءته لبعض من يحبون جمال الأسلوب ومتانة اللغة وقوة التعبير الأدبي. ولكن ما من شك في أن هذه القصة لا تصلح إطلاقا لأن تكون فيلما سينمائيا يراه جمهور السبعينات وينفعل به.
مثل هذه الحدوتة قد تعجب أجدادنا قبل ثلاثين عاما. أما بالنسبة لسينما اليوم فما أظنها تثير إلا شعورا واحدا لا غير هو السخرية المرة. ثم العجب الشديد من أن مخرجا حساسا قد أمكنه أن يسقط في هذا الفخ البلوري. الذي لم يعد يسقط فيه أحد”.
ثم يقارن الصبان آخر أعمال هنري بركات وهي “الحرام” فيقول: “وانتظرنا أن تكون عودة بركات إلينا بفيلم إن لم يفق مستوى الحرام فهو على الأقل يدانيه. لذلك أخذتني هذه الدهشة المموجة بالاستغراب وخيبة الأمل عند رؤيتي الحب الضائع”.
محاولة تسجيل الأيام تلفزيونيا
مع اقتراب العيد الأول للتليفزيون المصري في يوليو 1961 ذهب المخرج حسن حلمي بصحبة الكاتب الصحفي سامي داود. ليقترحا على الدكتور طه حسين تسجيل كتاب الأيام الجزأين الأول والثاني للتليفزيون. وقد رحب بالفكرة وبالفعل زحفت كاميرات التليفزيون لفيلا طه حسين في الهرم. ومع الكاميرات المخرج حسن حلمي. ومعد الحلقات سامي داود ومعهما أكثر من عشرين رجلا وامرأة ليسجلوا أيامه.
وقالت الصحف وقتها إن التليفزيون دفع لطه حسين خمسمائة جنيه عند تقديم الجزء الأول من كتابه الأيام. وقال المخرج إن كتاب الأيام الذي يروي قصة حياة العميد سيقدمه التليفزيون كأول كتاب تليفزيوني. ولم تخرج التجربة للنور وعلى الرغم أن مجلة آخر ساعة قد نشرت صورا لفريق العمل مع طه حسين في منزله أثناء التسجيل. أي أن هناك تسجيلات حدثت وربما غير مكتملة ولكنها لم تظهر حتى اليوم ولا يعلم أحد ما هو مصيرها.
حمدي قنديل وتجربة فيلم عن العميد
حدث ذلك عام 1965 وكان العمل عبارة عن فيلم سينمائي وليس مسلسلا. والفيلم كان سيأخذ طابع الأفلام التسجيلية. ووقتها طلب البطل المقترح للفيلم وهو “حمدي قنديل” مبلغا قدره 4500 جنيه أجرا له على الفيلم. في الوقت الذي كان راتبه من التليفزيون 50 جنيها. وتوقف مشروع تصوير فيلم سينمائي عن حياته إلى أجل غير مسمى.
أول ظهور للعميد على شاشة التليفزيون
بعد عام من محاولة إنتاج فيلم عن حياة طه حسين. أطل بنفسه على جمهوره عبر شاشة التليفزيون وذلك في فبراير 1966 عندما أجرى التليفزيون المصري ندوة معه في برنامج “نجمك المفضل”. وقد اشترك في الندوة مجموعة من الأدباء الشباب هم يوسف السباعي، ثروت أباظة، نجيب محفوظ، محمود أمين العالم، يوسف غراب، كامل زهيري، وعبدالرحمن الشرقاوي.
بالإضافة إلى أنيس منصور “معد الندوة” وصورت الندوة في منزل العميد. وقد أثار المشاركون قضايا أدبية عديدة وتعتبر هذه الندوة من علامات التليفزيون المصري المضيئة. وكان أنيس منصور قد كتب مقالا عقب هذه الندوة في صحيفة الأخبار ويحمل المقال هجوما مبطنا على طه حسين. والمقال بعنوان “لا هو ولا نحن قلنا كل شيء”.
وكتب أنيس في صدر المقال: “تنبيه: اتفقت مع الأستاذ فريد شحاتة، سكرتير طه حسين ألا يقرأ له هذا المقال”. ولكن في كتاب “أيام مع طه حسين” يقول الدكتور محمد الدسوقي إنه قرأ المقال له. ثم يستطرد قائلا: قلت للعميد: هل تصدق ما ذكره الأستاذ أنيس في صدر مقالته- أنه اتفق مع فريد شحاتة ألا يقرأ المقال-. قال العميد: ما كتبه أنيس غير معقول، وهي كذبة سخيفة من أنيس”.
وربما لا يعلم الكثير أن هذه الندوة كانت لها بقية على صفحات مجلة روزاليوسف. فالذي حدث أن وقت البرنامج قد ضاق على أسئلة الحضور وربما شعر الدكتور طه حسين بالإعياء. فاستطاعت روزاليوسف أن تستكمل الندوة التي بدأها التليفزيون والتقت به لتوجه له باق الأسئلة التي كان يحب الأدباء أن يوجهوها له وذلك عن طريق الصحفي نبيل أباظة.
محمود يس صاحب أول تجربة سينمائية
في عام 1978 تم إنتاج فيلم “قاهر الظلام” عن قصة الأستاذ كمال الملاخ. وأخرج الفيلم “عاطف سالم” وقام بدور البطولة الفنان محمود يس. إلا أن الفيلم لم يحظ بنجاح يذكر ومن المستغرب أن الفيلم مأخوذا عن كتاب “قاهر الظلام” لكمال الملاخ ولم يؤخذ من كتاب “الأيام” لطه حسين.
وبعد عام تم إنتاج مسلسل “الأيام” عام 1979 المأخوذ عن رواية الأيام والذي أصبح من أشهر الأعمال الدرامية التي أخذت عن قصة العميد. وأخرج المسلسل يحي العلمي وكتبت أمينة الصاوي السيناريو والحوار. كما جسد دوره الفنان أحمد زكي وهو من الأدوار الأيقونية لأحمد زكي عبر مسيرته على الشاشة.
اقرأ أيضا:
ملف| طه حسين عميد الأدب العربي.. البصير الذي جاء ليقود خطانا إلى النور
«من رسائل العميد» إلى توفيق الحكيم: من أين يستمد الأدب المصري الحياة؟
«من رسائل العميد» إلى هيكل باشا: في نقد «ثورة الأدب»
محمد حسنين هيكل في زيارة إلى العميد: صومعة عقل
أحمد بهاء الدين: زيارة لمكتبة طه حسين
طه حسين والجامعة.. ذكرى قيمة العميد