طُرز معمارية فريدة.. هل تصمد مباني الفيوم التاريخية أمام خطر التشويه؟
تواجه المباني التاريخية في الفيوم خطر التشويه والتخريب، مما يهدد بفقدان جزء كبير من ذاكرة المدينة وهويتها الثقافية. فالمنازل القديمة والقصور التراثية ليست مجرد طرز معمارية، بل شواهد حية تعكس هوية المجتمع. وعلى الرغم من ذلك تعاني هذه المباني من التآكل والتدمير، إثر تغيير معالمها التراثية أو هجرها دون استفادة، ما يستدعى تحركا عاجلا للحفاظ عليها وضمان بقائها.
معايير تسجيل المباني
بموجب قانون البناء الموحد رقم 119 لسنة 2008، والذي يتضمن فصلًا عن الحفاظ على المباني ذات الطابع المعماري المميز أو التاريخي، يحظر هدم أو تغيير معالم المباني المسجلة في قوائم الحصر ذات القيمة إلا بموافقة لجنة مختصة. كما يجرم القانون أي تخريب أو تعديلات غير مصرح بها على هذه المباني. في كل محافظة، توجد لجنة تعرف بـ”التنسيق الحضاري”، مختصة بحصر وتوثيق تلك المباني وإدراجها ضمن قوائم التراث، مايمنع هدمها أو تغييرها.
وحول عمل تلك اللجنة وشروط ومعايير تسجيل المباني تقول الدكتورة منى حسن سليمان، رئيس قسم الهندسة المعمارية بكلية الهندسة جامعة الفيوم ورئيس لجنة التنسيق الحضاري بالمحافظة: “نهتم كثيرًا في التنسيق الحضاري بالحفاظ على المباني ذات الطابع المعماري المميز لما لها من قيمة جمالية للأجيال القادمة حتى يتسنى لهم معرفة تاريخهم. أرى أن هذه المباني لا تقل بأي شكل من الأشكال عن آثارنا الممتدة عبر التاريخ، فهي بمثابة وثائق معمارية تاريخية”.
وتابعت: “قسمت الدولة المباني إلى قسمين: المباني التي تعود لأكثر من مائة وخمسين عامًا تكون تابعة للآثار، أما المباني التي يعود تاريخها إلى مائة عام أو مائة وخمسين عامًا فتكون تابعة للجنة التنسيق الحضاري. لكن أود التنويه إلى أن معايير ضم تلك المباني للتنسيق الحضاري لا تستند فقط إلى قدم المبنى، بل إلى قيمته المعمارية، والتي يتم تقديرها عبر واجهته وتصميمه وتفاصيله من خلال خبراء ومتخصصين في تاريخ العمارة ونظرياتها، فكل ما يضيف للعمران هو ما يتم تسجيله”.
عمارة مصر الأوربية
وحول طرز المباني في الفيوم يقول الدكتور وليد عبدالسميع، مدرس مساعد بكلية الآثار جامعة الفيوم لـ«باب مصر»: “تميزت الفيوم في الماضي بطرز معمارية خاصة بها في مبانيها، لكنها تأثرت بالعمارة الأوروبية الوافدة من حيث التصاميم والزخارف المعمارية والأساليب الفنية، وهو ما كان واضحا في قصور الأعيان والعمد ومشايخ العربان، بالإضافة إلى المباني الأميرية (الحكومية)”.
وتابع: بالرغم من تأثرها بالعمارة الأوروبية، إلا أن هناك تأثيرا محليا مصريا أضفى عليها خصائص مميزة تعرف بعمارة “مصر الأوروبية”. أُبرزت هذه الخصائص عبر الجمع بين العمارة الإسلامية، والذي ظهر في منزل وزير الحربية الأسبق بعهد الملك فاروق “حمدي سيف النصر باشا” بالفيوم، والأبراج الموجودة في قصور الفيوم والتي تتبع النظام الأوروبي وعصر النهضة، والتأثيرات الأوروبية الوافدة.
هجمات شرسة من الملاك
تواجه لجنة التنسيق الحضاري بالفيوم هجمات شرسة من الملاك، حسب ما ذكرت رئيس اللجنة. وأشارت إلى أن تسجيل أي مبنى من قبل التنسيق الحضاري يمنع المالك من هدمه أو حتى ترميمه إلا بعد تقديم طلب ومراجعة استشاري مختص، لتجنب أي ضرر يلحق بالشكل الجمالي للعقار.
تقول سليمان: “تواجهنا صعوبة بالغة عند تسجيل تلك المباني، حيث يرفض الكثير من الورثة ذلك، ولا يسمح لأعضاء اللجنة في كثير من الحالات بدخول المبنى أو حتى التواجد بالقرب منه، حتى يتسنى للورثة هدمه أو بيعه قبل التسجيل”.
وتابعت: يتعمد بعض الملاك إلحاق الأضرار بالمباني، حتى تكون آيلة للسقوط ومن ثم هدمها. وتقوم اللجنة باتخاذ الإجراءات القانونية، إلا أن هناك صعوبة في حماية تلك المباني بالشكل المناسب، أو إعادتها إلى شكلها الأساسي، بالإضافة إلى عدم رغبة أغلب الأهالي بعملية الترميم. وبالطبع، لا يمتلك الجهاز الميزانيات المالية الكافية لتلك العمليات. كما نجد في بعض الأحيان صعوبة في الوصول إلى المالك الحقيقي للمبنى، بسبب الخلافات بين الورثة وتعددهم، وهو ما قد يعرض المبنى لإلغاء تسجيله من خلال حكم قضائي.
حصر القصور والبيوت
حصرت وزارة الآثار المباني التراثية والأثرية بالمحافظة استعدادا لضمها. وتمت معاينتها والتي وصل عددها إلى 19 مبنى ما بين قصور وبيوت، لكنها لم يتم تسجيل أي منها. وتم تشكيل لجنة التنسيق الحضاري بالمحافظة بقرار رقم 162 لسنة 2008، ثم عُدل بالقرار رقم 722 لسنة 2008. ومنذ ذلك الحين، تم ضم هذه المباني للجنة التنسيق الحضاري. وقد حصل «باب مصر» على تلك القائمة التي تضمنت المباني التالية بمدينة الفيوم:
- (منزل مرزوق متى- منزل صادق الراهب- مبنى البنك الأهلي- مبنى البنك المصري- منزل المستشار ربيع السوداني- فيلا الجمال- قصر أنيسة ويصا- قصر همهم- مباني محطة السكة الحديد).
أما بمركز سنورس، فقد تضمنت القائمة:
- (فيلا أحمد أبو زيد طنطاوي- منزل عبد الحميد أبو زيد طنطاوي- منزل أبو زيد طنطاوي- منزل عثمان طنطاوي- أوبرج الفيوم).
وفي مركز ومدينة إطسا، تضمنت القائمة أيضا:
- (قصر عبد القادر الباسل- قصر حمد باشا الباسل- قصر عبدالستار بك الباسل- قصر أحمد حشمت باشا).
معاينة المباني
استلمت لجنة التنسيق الحضاري بالمحافظة هذا الكشف من الآثار، والتي بدورها قامت بمعاينة تلك المباني التراثية والأثرية، التي اختفى البعض منها ولم يستدل عليها من قبل اللجنة. كما قامت اللجنة بإضافة بعض المباني التراثية الحديثة للقائمة. وقد حصل «باب مصر» على القائمة الحديثة وما تم ضمه إليها من مباني، بجانب ما سبق ذكره، وهي:
(استراحة الأميرة فوزية على بحيرة قارون- قصر ممدوح عبد الظاهر الجمال- عمارة يحيى موميه- مدرسة الأمريكان للغات- بيت السلام- منزل عائلة الفشن- منزل معوض عثمان- منزل يحيى سيد النجدي- منزل محمد مأمون عبد الفتاح- عمارة مرجان- منزل عبد السيد مقار- منزل زكي حنا.
وكذلك منزل محمد شعبان الدفناوي- منزل عبد العظيم وحش- منزل جلال الإبياري- منزل ورثة ربيع عدلي صقر- مباني مديرية الري بالفيوم- استراحة وكيل وزارة الري- المدرسة الأميرية- مدرسة جمال عبد الناصر- مباني ورثة معوض سليمان- محطة توليد الكهرباء القديمة بالعزب- مباني محطة مياه الشرب- مستشفى الرمد- منزل عبد المسيح عزب- فيلا حسن الحريشي، فيلا عادل فرج الله).
اندثار المباني واختفائها
بحسب ما هو مسجل بالقائمة الخاصة بلجنة التنسيق الحضاري. عاينت اللجنة المباني التي كانت مسجلة على اللائحة التي استلمتها من الآثار، لكنها اكتشفت غياب بعض الأماكن مثل:
(قصر السيد أحمد حشمت باشا بقرية حشمت – تطون مركز إطسا). حيث قالت اللجنة في تقريرها: “تمت المعاينة ولكن لم يستدل على وجوده”. كما جاء تقرير اللجنة بخصوص “منزل السيد عثمان طنطاوي بمدينة سنورس، والذي هُدم بمعرفة الملاك أثناء ثورة 25 يناير.
نشر الوعي الأثري
ليس اختفاء بعض المباني وهدمها من قبل الورثة هو الخطر الوحيد الذي تتعرض له المباني التاريخية. إذ يواجه بعضها خطر التشويه وإخفاء معالمها استعدادا لهدمها.
وأشارت الدكتورة غدير دردير عفيفي، أستاذة بكلية الآثار جامعة الفيوم، إلى ضرورة نشر الوعي الأثري بين الأهالي، لتجنب تخريب المباني التاريخية. وقالت: “الأغلبية من الأهالي لا يعلمون شيئا عن أهمية تلك المباني. ويجب توعيتهم بها، حتى لا يتم تخريبها، خاصة أن الحكومة قد تقدم تعويضات مناسبة لهم”. وتابعت: يجب العمل على الحفاظ على المباني الأثرية التي تعود إلى القرنين التاسع عشر والعشرين، والتي تسجل ضمن التراث. يجب أن نحافظ عليها ونمنع تدميرها أو تشويهها المتعمد”.
وأضافت دردير: “ما يحزنني أن أرى مبنى يمتاز بتصميم فريد وطابع مميز يتعرض للتخريب والتشويه. هناك مثال على ذلك قصر عبد القادر الباسل الذي يمتاز بالشكل والطابع المميز. إذ أنه الوحيد الذي يتبع التخطيط الكنسي البازيلكي، على الرغم من أن مالكه كان مسلما، ويصادف هذا العام مرور مائة عام على بناء القصر، إذ يحدد تاريخ بناءه في عام 1924 وفقا للوثائق.
قصور خالية
وذكرت أستاذ الآثار أن هناك العديد من تلك القصور لا يعيش فيها أحد، قام بغلقها الورثة وسافروا إلى الخارج. ولا يسمح لأحد حتى من المتخصصين بدخولها أو تصويرها، مما يعيق عملية توثيقها.
كما أشارت إلى قصر يمتلكه مسؤول ما، كان مسجلا ضمن قوائم الحصر. وهو قصر أثري ذا طابع مميز ونظام تصميم فريد. إلا أن مالكه رفع قضية على الآثار وكسبها، وأصبح ملكية خاصة، على الرغم من تصميمه الفريد، قام المالك بدهانه من الخارج بألوان حديثه، ولا يسمح لأحد بدخوله حتى للدراسة. نحترم خصوصيته، لكن هناك جوانب في هذا القصر تحتاج للدراسة والتوثيق، ويجب إعطاؤنا فرصة لذلك.
لا يوجد أرشيف
بحسب ما ذكرت لجنة التنسيق الحضاري، لا يوجد أرشيف يضم المباني القديمة ذات الطابع التراثي، مما يصعب مهمة حصرها، مثلما حدث مع هذه المباني:
- قصر مرزوق متى: تم بيعه لأحد الأعيان، وهدم الحوائط الخلفية وحرق الدور الأخير من القصر عام 2020 لطمس معالمه.
- محطة قطار الفيوم: تم بيع جزء كبير من الأرض وهدم بعض المباني القديمة لإنشاء مشروع استثماري.
- قصر عبد القادر الباسل: تم إضرام حريق في الطابق الأرضي، ونزع بلاط الأرضيات، وتخريب الحديقة.
- قصر أنيسة ويصا: تم تشويهه بطلاء ألوان غير أصلية واستخدامه كمقر حكومي.
وفي الختام، يظل السؤال: هل ستصمد تلك المباني التاريخية أمام رغبة الملاك في هدمها أم ستختفي تدريجيا، مما يفقد المجتمع جزءا هاما من هويته الثقافية؟