طب الفراعنة| منحة تستحق التقدير.. هكذا وصف المصري القديم ذوي الاحتياجات الخاصة
الصورة المرفقة بالمقالة من صفحة “موسوعة صور مصر” على “فيسبوك”
رسالة شكر ملكية بعث بها الملك بيبي الثاني (2278- 2247ق.م) للموظف الكبير حر خوف، لإرساله قزمًا إليه، ومن تعاليم أمون أبي، نصيحة تقول: “لا تهزأ بشخص أعمى أو أصم أو أعرجا، وعامله باحترام”، بحسب برنوا اليو في كتابه “الطب في زمن الفراعنة”، مشيرا إلى تمتع ذوي الاحتياجات الخاصة بمصر القديمة بمكانة مرضية جعلت بعضا منه يتبوأ مراكز مرموقة بالبلاط الفرعوني.
ويلمح برنوا إلى أن تعدد مناظر العميان والصم وأحيانا أصحاب الإعاقات البدنية، والتي تصورهم كعازفي موسيقى في حضرة الأسرة الحاكمة، معتبرا أن المصري القديم كان أول من أسس لنظام إعادة تأهيل “ذوي الاحتياجات الخاصة” ودمجهم في المجتمع.
منحة إلهية
يرى برنوا أن معظم حالات التشوهات الخلقية – التي دلت عليها المومياوات – توضح أنها حدثت نتيجة إرادة إلهية أو كطفرة خلقية، لذلك نظر إليها المجتمع المحيط في ذلك الوقت على أنها “منحة ومكافأة تستحق الاحترام والتقدير”، ويعتقد برنوا أن مقدار التقدير لأصحاب الاحتياجات الخاصة يظهر بوضوح في التماثيل المتعددة في المقابر الملكية والخاصة، والتي لم تحمل إلا معان الإجلال والتقدير لدورهم.
ويستشهد برنوا بمنظر الأحدب في مقبرة ايبي والمحفوظ حاليا بمتحف المترو بوليتان، وبحسب وصف برنوا فقد كان المنظر لجنايني، كما يشير إلى منظر عازف الهارب الكفيف والموجود على حطام وعاء فخاري، لافتا إلى أن معظم هذه الأمثلة توضح وجود ثقافة إعادة تأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة في حرف ومهن تتناسب مع طبيعتهم الخاصة.
حالات عصبية
ويشير برنوا إلى أن تفوق الطبيب المصري فرق بين نوعين من حالات الإصابة بالعيوب الخلقية المسببة للإعاقة، النوع الأول والناتج عن تشوهات عظمية تؤدي إما إلى التقزم أو انحناءات في الأقدام والأذرع والعمود الفقري أو بسبب عيوب خلقية مثل العمى والصم والخرس، أما النوع الثاني فهو الناتج عن حالات عصبية.
ويلمح برنوا إلى أن الطبيب المصري عرف تأثير صغر حجم المخ على الوظائف الإدراك والأعضاء وهي ما يعرف حاليا بالضمور في المخ، ويلفت بنوا إلى أن بعض الحالات الإعاقة العصبية كان يتم التعامل معها على أنها نوع من أنواع السحر أو المس الشيطاني، مثل حالات الصرع والتشنجات العصبية، مضيفا أن انتشار مرض شلل الأطفال بمصر القديمة كان يؤدي إلى تفشي تشوهات العمود الفقري والأطراف.
وسائل تعويضية
وبحسب برنوا فقد دلت المناظر والبرديات الطبية على استخدام الوسائل التعويضية؛ خصوصا لأصحاب التشوهات العظمية والعميان والتي تمثلت في العصا والعكاز؛ ومثال ذلك النصب التذكاري الذي يعود إلى عصر الأسرة التاسعة عشر (1292-1186 ق.م)، والذي يصور رجلا سوريا ذو قدم فجحاء وانحناء في عموده الفقري وهو متكأ على عصا تشبه العكاز لتعويض الجزء المصاب بجسده.
وفي هذا السياق يشير الدكتور وائل سليمان، أستاذ مساعد الآثار اليونانية، إلى أنه عثر على بعض المومياوات والتي تشتمل على أجزاء تشبه الأطراف الصناعية، ولكن لا يمكن الجزم بأنها استخدمت لذلك الغرض، وربما كانت مجرد جزء بديل لإكمال الجزء الناقص في المومياء، لافتا إلى أنه لم يرد ذكر واضح لتكنيك الأطراف الصناعية بشكلها المعروف في البرديات الطبية المصرية القديمة، إن كان المصري القديم استطاع أن يحاكيها في نماذج الأيدي والأصابع في مومياء الملك توت عنخ آمون، والتي كانت تستخدم لتزيين وتجميل مومياء الفرعون أو لاحقا في بعض مومياوات أصحاب الإعاقة بتركيب ما يشبه العضو الغائب تكميلا وتجميلا للمومياء.
هوامش
الطب في زمن الفراعنة (بي دي أف) – تأليف: برنوا اليو – ترجمة: كمال السيد – المجلس الأعلى للثقافة 2004 – من ص 123 إلى ص 128.
تعليق واحد