طب الفراعنة| المصريون القدماء صمموا أول "كرسي ولادة" في التاريخ
عرف المصريون الطب منذ آلاف السنين، وشخصوا الأمراض، وبرعوا في وضع أدوية لها، ووصل تفوقهم الطبي إلى درجة أنهم مارسوا طب الجراحة، كما يظهر ذلك في معبد كوم امبو للأدوات الجراحية والتي لا تختلف كثيرا عن الأدوات المستخدمة في يومنا هذا.
ومن عجائب الطب في مصر القديمة الطريقة التي اتبعوها في الولادة، والتي اعتمدت على جلوس المرأة في وضعية القرفصاء مرتكزة على ركبتيها، إذ أدرك المصريون منذ آلاف السنين أن تلك الوضعية هي أفضل وضعية للأم المقبلة على الولادة، لتضع مولودها في أمان.
هذه الطريقة أثبتت أنها الأفضل من وضع الاستلقاء، وتعرف حاليًا بـ”كرسي الولادة”، وهو ما سجله المصريون على جدران معابدهم.
مبادئ طب النساء
كان المصريون القدماء أول من وضع مبادئ طب أمراض النساء، بحسب عدة برديات قديمة، مثل بردية “كاهون”، التي تعرف ببردية طب النساء، والتي اكتشفت بالفيوم عام 1889، وهي بردية مكتوبة بالهيراطيقية وتعود للأسرة الثانية عشر (1825ق.م).
تحتوي تلك البردية على طرق اختبار الحمل وبعض الوصفات لعلاج تأخره، واختبارات لتحديد نوع الجنين بواسطة القمح والشعير المختلط ببول المرأة الحامل، كما تضمنت وصفات علاجية لعلاج التهابات المهبل .
وفي بردية برلين، المكتشفة في منطقة سقارة، والتي بيعت لملك بروسيا فردريك ويلهام الرابع عام 1827، تذكر البردية أمراض الثدي وتعرض طريقة بدائية لمنع الحمل تتمثل في عمل لبوس مهبلية من براز التماسيح .
كرسي الولادة
وتذكر بعض المراجع أن المرأة المصرية منذ العهود الأولى في عصر ما قبل الأسرات وما بعدها اعتادت في حالة المخاض أن تتخذ وضع الجلوس مرتكزة على ركبتيها وممسكة بجذع شجرة لتباعد ما بين ساقييها لتحدث فضاء يسمح بنزول المولود.
وفي عصر الأسرة السادسة (2323-2150 ق.م)، وكان الظهور الأول لما عرف فيما بعد بكرسي الولادة، والذي بدأ بشكل مبسط يتكون من قالبين من الطوب اللبن تضعهما المرأة تحت رجليها، لتوسع المسافة بين ساقيها.
ثم تطور الشكل وأضيف له صفة من الطوب اللبن خلف ظهر المرأة، كما تم تعلية الطوب اللبن تحت قدميها ليصبح شكل التكوين مشابها للكرسي، على أن ظهور الكرسي بشكله النهائي، وهو عبارة عن ثلاث قواعد حجرية واحدة خلف ظهر المرأة، واثنان تحت قدميها كان مع بدايات الأسرة الثامنة عشر (1550-1291ق.م).
تشير مناظر الولادة المقدسة للملكة حتشبسوت إلى جلوس والدتها الملكة أحمس نفرتاري على ذلك الكرسي، بينما توجد ثلاث نساء بجوارها، إحداهن تقف أمامها في انتظار للجنين، والأخريتان على يمينها ويسارها، وتسندان ظهرها لمساعدتها على دفع الجنين للأسفل.
ويوجد منظر مماثل لذلك في معبد الأقصر يشرح الولادة المقدسة للملك امنتحتب الثالث (1400 ق.م)، وحتى نهايات القرن التاسع عشر كان كرسي الولادة هو الأسلوب المتبع في الريف المصري، وإن اتخذ شكل الكرسي الكامل ذو الظهر والقاعدة والأربعة أرجل، لكنه مفرغ بشكل بيضاوي في المنتصف ليسمح بإخراج الجنين .
عيادات الولادة
واكب فترة العصر البطلمي الروماني ، والذي بدأ في 331 ق.م واستمر حتى نهايات القرن الأول الميلادي، مع ظهور المستشفيات والمراكز الطبية والتي كانت جزءا أصيلا بالمعابد، فقد كان هناك مجموعة من الكهنة يمارسون الطب بتخصصاته المختلفة، ومن هذه التخصصات أمراض النساء بأنواعها بدءًا من تشخيص الحمل إلى الولادة.
ويعد أفضل مثال على ذلك معبد كوم أمبو، الذي دلت نقوشه على أنه كان أحد المراكز الطبية المهمة في ذلك الوقت، فقد حوت إحدى الغرف الملحقة بالمعبد منظرًا يمثل امرأة تلد طفلا في وضع الجلوس، بالإضافة إلى المنظر الشهير للأدوات الجراحية، والذي حوى أكثر من 40 أداة جراحية وطبية، منها أداة (المس)، والتي تعني الولادة وتشبه إلى حد كبير الأداة المستخدمة حاليا في توسيع فتحة المهبل.
كما يوجد بجوار (طاولة) الأدوات الحراجية منظرًا يمثل كل من الآلهة إيزيس ونفتيس، وقد انتفخت بطنيهما وتجلس كل منهما على كرس الولادة في إشارة إلى طريقة الولادة المتبع والذي تباركه الآلهة.
هوامش
1-الطب والتحنيط في عهد الفراعنة، نسخة PDF، تأليف: يوليوس حيار، لويس ريتر- تعريب أنطون ذكري- مطبعة السعادة 1926، من ص 48 إلى ص 53. 2-الطب في زمن الفراعنة، تأليف: برنوا اليو- ترجمة كمال السيد، المجلس الأعلى للثقافة، من ص 89 الى ص 95. 3-الطب المصري القديم، حسن كمال، الهيئة العامة للكتاب، الطبعة الثانية 1998، من ص 308 الى ص 311.
2 تعليقات