صور| “مسجد أبو الحجاج الأقصري” مجمع الديانات وملتقى الحضارات
تصوير: أسماء الطاهر
لازالت الأضرحة ومقامات أولياء الله الصالحين، مقصدا للمريدين والمحبين خاصة في أيام شهر رمضان الفضيل، وبرغم من أن مدينة الأقصر سياحية، إلا أنها تضم مسجدا لقطب صوفي كبير، فالتصميم المتميز لمسجد سيدي أبو الحجاج وموقعه الفريد وسط أعمدة معبد الأقصر، جعله مقصدا للزائرين من كل مكان.
وفي رمضان تشهد ساحته فعاليات رمضانية من الأوقاف، وأنشطة الثقافة، وحلقات العلم، والأنشطة الدينية لجميع مدارس الصوفية لتتحول الساحة إلى لوحة فنية خلال الاحتفالات وملتقى للأصدقاء وأهل العلم من كل ربوع مصر.
تاريخ المسجد
يوضح الدكتور عبدالجواد عبدالفتاح، المدير الأسبق لآثار الأقصر الإسلامية والقبطية، أنه بعد وفاة الشيخ أبو الحجاج 642هـ- 1244 م، حيث دفن بزاوية صغيرة ثم قام ابنه الشيخ أحمد النجم بتشييد المسجد، الذي تم تسجيله كأثر إسلامي في عام 2007، وشهد عدة ترميمات في أوائل القرن العشرين، وفى عام 2009، تم تزيين ساحة المسجد بالرخام وأعمدة الإنارة ليعتبر ذلك أخر أعمال ترميم شهدها المسجد.
وسيدي أبي الحجاج، هو يوسف بن عبدالرحيم بن يوسف بن عيسى الزاهد، والمعروف بـ”أبو الحجاج الأقصري”، كان قاضي قضاة بغداد، ضاق بالحياة هناك، فتركها وتصوف، وقام برحلته للعالم حتى انتهى به المطاف إلى مصر، وانتقل إلى قنا ومنها إلى الأقصر، حتى كان على علاقة كبيرة بسيدي عبدالرحيم القناوي.
يضم مسجد أبي الحجاج بين جنباته نقوشًا هيروغليفية، مايلفت نظر زائري المسجد من أنه يمزج بين حضارات مختلفة.
ويري عبدالفتاح، أن المعماري المسلم عند تشييد المسجد حينما أراد وضع “المحارة” ليغطي الأعمدة حتى تتماسك “المونة” والحجر الرملي، كان يتم نحت بعض الأجزاء في العمود ومن الواضح أنه كان حريصًا على أن يتم ذلك بعيدًا عن النقوش “الكتابات الهيروغليفية”، حتى لايتم تشويهها.
كما يضم المسجد زخارف إسلامية كفن الأرابيسك، الذي يظهر بالمدخل القديم للمسجد، والذي يقع بالناحية الخلفية للمسجد داخل معبد الأقصر.
يصفه مدير الآثار الأسبق، بأنه عبارة عن عقد مفصص ثلاثة فصوص، أصغرهم العلوي وفصين متماثلين في الحجم، عن اليمين واليسار، وزخرفة إسلامية على الأرضية التي داخل العقد، والأخرى الأكثر بروزًا وهي عبارة عن أرضيات مزخرفة بالرسوم الهندسية، والتي تعتبر عنصرًا مكملًا للطراز، كما تم مراعاة ترابط الوحدات الهندسية مع المسطح كاملًا، حيث قوام هذه الزخارف نجمات سداسية وفي الأخرى مثلثات متداخلة.
مزارًا للمسلمين والمسيحيين
يعتبر مقام سيدي أبي الحجاج هو المكان الوحيد في مصر الذي يعتبر مزارًا للمسلمين والمسيحيين، فإلى جانب ضريح أبي الحجاج، يوجد أيضًا ضريح السيدة تريزا وهي قديسة مسيحية.
يقول الدكتور أحمد شمس الدين الحجاجي، أستاذ الأدب الشعبي، إن أبي الحجاج عندما جاء للمدينة كانت السيدة القبطية تريزا هي التي تحكم المدينة وعندما طلب منها أن يقيم فيها رفضت، فطلب منها أن تعطيه قطعة أرض بمساحة جلد “بعير”، فوافقت، ثم قام بعمل حبال من جلد البعير طوق بها المدينة على أطلال كنسية كانت بنيت على معبد الأقصر.
وفي رواية أخرى يقال إنها أعطته جلد بعير، وطلبت منه أن ينام فى حجم هذا المكان – أي أعلى المعبد وهو مقر مسجده حاليًا- فكسر الجلد إلى سيوف وأخذ يقرأ القرآن فتحركت السيوف تلف المدينة، وفي الصباح عندما طلبت منه أن يرحل رفض وقال لها: “لقد طلبت مني أن أخذ المكان بجلد البعير وأنا أخذت بالجلد المدينة كلها”.
قبة المسجد
تغطي ضريح أبي الحجاج، قبة تضم من الداخل مقرنصات على شكل محاريب متعددة الأشكال والأحجام، تم ترميمها ضمن أعمال ترميم للمسجد انتهت عام 2009م، تحت إشراف المجلس الأعلى للآثار وذلك إثر حريق 2007 الذي تعرض له الضريح.
وخلال أعمال الترميم، تم الكشف عن جدران المعبد التي كانت مطلية بدهانات تغطي معالم الآثر، وحين تم إزالتها ظهرت أعمدة وقد دون عليها كتابات هيروغليفية.
المنارة الأثرية “المئذنة القديمة”
منارة آثرية تقع شمال ضريح أبي الحجاج، وتعتبر أقدم جزء في المسجد، ويوضح عبدالفتاح، أنه اختلف علماء الآثار حول تاريخ تشييدها، فالبعض أرجع تاريخ إنشائها في عهد بدر الجمالي وزير الخليفة الفاطمي المستنصر بالله، وهو رأي من وجهة نظر عبدالفتاح يميل إلى الصواب لأنه يسبق عصر أبو الحجاج، ولم يثبت وجود مبان إسلامية بمدينة الأقصر قبل وجود أبو الحجاج، لافتًا إلى إرجاع آخرين تاريخ تشييدها إلى العصر الأيوبي، مشيرًا إلى أن هذه المئذنة شهدت ترميمات في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي.
المئذنة الحديثة
يقول المدير الأسبق لآثار الأقصر الإسلامية والقبطية؛ إن تاريخ المئذنة تم الإجماع عليه من الآثاريين والمؤرخين أنها شيدت في عهد عباس حلمي الثاني، والذي تتراوح فترة حكمه بين 1892م حتى 1914م، لكن هناك صورة للمئذنة للمصور روبرت ماري في عام 1852م، وهو الأمر الذي غير تلك النظرية وأكد أنها بنيت في عهد عباس حلمي الأول.
تعليق واحد