صور| شعراء السيرة الهلالية.. “الريس قط”: وجع القرايب تعبني
كتب: مصطفى عدلي
“لفيت ما خليت قلت الوطن غالي.. اسأل على الجد توب المرجلة غالي.. سيبك من المال ياحر دا العزوة ليها مقام غالي”، بهذا الموال يطرب الريس قط عبدالله، أحد شعراء السيرة الهلالية القلائل الذين تخصصوا في أداء فن الموال الصعيدي، الحاضرين في الفرح ولا تندهش عندما تجد “رجالة بشنبات” تسيل دموع الحزن من عيونهم تأثرًا بفنون المواويل التي أصبحت الراعي الرسمي لغالبية المناسبات والأفراح في الصعيد.
صدفة
“الصدفة وتوفيق ربنا كانوا السبب إنى أسيب منجل الحشيش وأمسك المايك وأهاجر الزرع والقلع عشان أوقف فوق خشبة المسرح أقول مواويل السيرة للحبيبه والمجروحين من غدر الزمان ووجع القرايب، كان عندي 10 سنين وكنت بحب أروح الأفراح اللى فيها الربابة والزمارة”.
يدين عبدالله بالفضل في شهرته وصعودة على خشبة المسرح للحاج أحمد عبدالوهاب، وهو فنان شعبي مغمور أتى من قاهرة المعز لإحياء فرح في قريته المراشدة، وقتها لم يكن الطفل ابن الـ10 أعوام ظاهرًا بشكل واضح أمام المعازيم، ولكن الفنان الشعبي لمحه وهو يدندن ورائه بعضًا من المواويل فطلب منه الصعود على خشبة المسرح وبعد استئذان أصحاب الفرح أعطاه المايك وطلب منه أن يغنى أى شيء يحفظه، ومن هنا كانت البداية.
سيرة الحب
يشعل القط سيجارة من النوع الشعبي “كيلوباترا” وينفث دخانها في الهواء متطلعًا إليه، وسرح كأنما يستدعى ذكريات أول ليلة وقف أمام الجمهور من أبناء قريته: “كنت بتنفض زي ورقة شجر ناشفة طيرها هوا أمشير”، مضيفًا “غنيت كوبلية أغنية سيرة الحب لكوكب الشرق، ومحسيتش بنفسي غير على صوت سقيف الناس، وبعدها الفنان الشعبي المخضرم حضني وقال لي، أنت هتكون فنان شعبي كبير في يوم من الأيام”، موضحاأنه منذ هذا اليوم وهو يواصل تقديم فنن الموال في الموالد والأفراح والمناسبات في محافظة قنا وخارجها، مشيرًا إلى أنه مارس المهنة كهاو، ولم يورثه أحد من عائلته المهنة، لافتا إلى أن عائلته غالبيتها تعمل بالزراعة.
السلامات
يرى الفنان الشاب أن عودة الأهالى لاستقدام الشعراء والفنانين الشعبيين في أفراحهم بشكل متزايد انتصارًا كبيرًا يضاف لهذا الفن الذي خرج من قنا والصعيد منذ البداية على يد نجوم عظام أمثال الريس عطالله ابن قرية السمطا، والخال عبدالرحمن الأبنودي ابن أبنود، وسيد الضوي، ابن مركز قوص، ومن أخميم بمحافظة سوهاج قدم لنا العم جابر وعلى جرمون روائع السيرة الهلالية وتغريبة بني هلال إلى أرض تونس الخضراء.
وأوضح أن “السلامات” التى يلقيها الأهالي في الأفراح لأصحاب الفرح والمدعوين بالأموال من أهم ما يميز الفرح، وتكون بالاتفاق مع صاحب الليلة، باقتسام الأموال معه ومع الفرقة الشعبية أو للفرقة وحدها، وأحيانًا تكون السلامات لصاحب الفرح وحده وتكتفى الفرقة الشعبية بالأموال المتفق عليها، لأن أموال السلامات في الغالب تكون دين يسدد أثناء الفرح، وهو أمر يختلف تمامًا عن أموال الجمعيات التى تحدث في أفراح الوجه البحري، “عندنا كله بالحب والرضا”.
فن الموال
“وجع القرايب تعبني يا مين يريحني، أروح لمين اشتكي منهم يريحني، لا أخ نافع ولا ابن العم ريحني، قلت اختصاري منهم يمكن يريحني”، يمثل هذا الموال على وجه التحديد أهمية كبيرة لعشاق الفن الصعيدي، ربما لارتباطه بالحديث عن مشاكل العائلات التى لا تخلو من غالبية المنازل، ويشير القط إلى أن كلمات الموال بعضها من ارتجال الفنان والبعض الأخر مستوحى ومأخوذ من مربعات الشاعر “ابن عروس“.
“الموال فن أصيل لا ينفصل ولا يغيب عن تراث السيرة الهلالية المتوارث”، هكذا يبرهن ابن قرية المراشدة التابعة لمركز الوقف شمالي قنا، على ارتباط الموال بالسيرة، مضيفًا أن الفترة الأخيرة شهدت انتشارًا كبيرًا لفنون الموال الصعيدي المختلف، هناك من غناه على الربابة مثل شعراء السيرة الحاليين أمثال عنتر رضوان، ومحمد عزت، وجرمون، أو الشعراء الراحلين الذين تعلمنا على أيديهم الفنون الشعبية على حقيقتها أمثال عمنا جابر أبوحسين، وعلى جرمون، وسيد الضوي، وعزالدين نصر الدين.
أما بالنسبة للفنانين الشعبيين الذين حفروا أسماءهم في ذاكرة محبي الفن الشعبي فعلى سبيل الذكر “شوقي القناوي، رجب السوهاجي، رمضان حسان، أبورسلان، أبوالوفا السوهاجي، أبوخميس، محمد طه، مكرم المنياوي، وغيرهم الكثير”.
المهرجان
“خبط ورزع على الفاضي”، هكذا يصف الشاعر الشاب أغاني المهرجانات التي انتشرت بين الشباب خلال الأعوام الأخيرة، مشيرًا إلى أن الأشياء الدخيلة علينا -يقصد المهرجانات- ربما تحقق نجاح ولكنه يبقى بشكل مؤقت وبعدها تطويها ذاكرة النسيان مثل غيرها، أما فن الموال الأصيل الذي يعتمد على القافية والوزن، وفن الواو الذي يعتمد على الموال المربع أو الخماسي، استطاعت الصمود حتى وقتنا هذا لأنه مثل الذهب غير قابل للصدأ، وهو من تراثنا الخالد الذي سيبقى إلى أن نورثه لأبنائنا من بعدنا.
القط والخال
وعن لقائه بالشاعر الجنوبي الكبير عبدالرحمن الأبنودي، يقول الفنان الشاب إنه تقابل مع الخال أثناء تأديته فقرة شعبية في حفل أقيم بمدينة مرسى علم التابعة لمحافظة البحر الأحمر، دعي إليها من قبل رئيس مباحث البحر الأحمر حينها.
“كانت فاكر نفسي بحلم”، هكذا يصف الريس قط المقابلة الأولى له مع الخال عبدالرحمن، تعّرف على وقام بتأليف مقطوعة بعنوان “بنية حلوة جميلة”، وطلب مني أن أغنيها بصوتى عندما أصعد على خشبة المسرح، وظللت أتابعه ببصري حتى وأنا أقوم بأداء فقرتي، خشية أن ينصرف عني، وفور الانتهاء ذهبت إليه فاحتضني في ود وسألني إن كنت ورثت المهنة من أحد أقاربي، ولكنه فوجئ بأني أمارس فن الموال كهاو، فقال لي حرفيا: “الهواية تغلبت على الوراثة”، وطلب مني الحفاظ على صوتي والعمل على تنمية قدراتي في فن ارتجال الموال الصعيدي، لافتا إلى أنه فضل الفنون الشعبية عن سرد السيرة الهلالية لأن مجالها واسع وكبير، بالإضافة إلى أني أعاني من صعوبة في حفظ القصص، ولكن لا مانع من سرد مقتطفات من قصة عزيزة ويونس، وزبيدة وياسين، والجازية والعبد منصور.
أمنية
يتمنى القط أن يصل للشهرة التي وصل إليها فنانون كبار أمثال شوقي القناوي، ومحمد طه، ومحمد كمال، وأن يصل لإمكانيات أستاذه الذي دله على طريق الفن الشعبي الحاج أحمد عبد الوهاب، مختتما “طموحاتي ليس لها حدود وحب الناس وقبولهم للفن اللى بقدمه أحسن عندي من كنوز الدنيا”.
اقرأ أيضًا:
شعراء السيرة الهلالية.. “جابر أبوحسين” أمير سيرة بني هلال
12 تعليقات