صور| “شجر الدر والسيدة سكينة وساكنة باشا” في جولة سيدات الخليفة
تصوير: أميرة محمد
“شجر الدر والسيدة رقية والسيدة نفسية وساكنة باشا”، سيدات تجمعت مقاماتهم وأضرحتهم ومنازلهم في منطقة الخليفة، لتشهد هذه المنطقة بأنها تحمل داخل أزقتها تاريخ عريق من عصور مختلفة، لسيدات اختلفن فى المهن والنسب والأقدار، وتشابهن في كونهن سيدات.
“حي الخليفة” أو “شارع الخليفة” له مدلولات عديدة فى التقسيم الإداري المصري، والقاهرة منقسمة إداريا شرق وغرب وشمال وجنوب، وتقع المنطقة إداريا فى الجنوب، ومن خلال جولة “سيدات الخليفة” التى نظمتها جمعية “مجاورة” على هامش افتتاح مدرسة الأثر لنا للتصميم والتراث نتعرف على المزيد.
الجولة سردتها لنا مايسة مصطفي، مرشدة سياحية، وإحدي معلمات المدرسة التى سيبدأ العمل بها غدًا الأحد.
ترجع منطقة الخليفة إلى “الخليفة المعز الفاطمي”، الذي أسس القاهرة في القرن الـ10، ولها مدلول آخر بأنه يوجد في المنطقة مقابر الخلفاء العباسين، ومقرهم كان بغداد وكان هناك نواب لهم.
وفي العصر المملوكي جاء 17 خليفة من الدولة العباسية إلى المنطقة، ولها مسميات عديدة جدا من أهمها شارع مجمع أولياء الله الصالحين حيث يوجد مقامات آل البيت، وشارع الأشراف، وبقيع مصر، ومن أهم القباب لسيدات مدفونة وله مشاهد للتبرك أول سيدة دفنت هنا هي السيدة نفسية، لذا قررت أغلب سيدات كتير من زوجات السلاطين ومن آل البيت أن يدفنوا بجوار السيدة نفسية لذلك سميت الجولة بهذا الاسم.
أما عن القبة، فهي أول مبادرة عمل “الأثر لنا” في مشروع الترميم التابع لجمعية الفكر العمراني للدكتورة مي الإبراشي، منها القبة وضريح شجرة الدر وترمم من الأثر لنا.
“عصمت الدين والدنيا أم الخليل المستعصمية” هو البناء التأسيسي الذي كتبته شجرة الدر على قبتها من الداخل، لتشير إلى أنها سلطانة بكل المقاييس والألقاب، وهي إحدي القباب والأضرحة التى رممتها جمعية “مجاورة” أثناء مشروع الأثر لنا.
شجر الدر .. أول وأخر امرأة تلقب بالسلطانة فى التاريخ الإسلامي
تظل أكثر السيدات شهرة لأنها أول سيدة خلدتها السينما المصرية في فيلم وا إسلاماه، والاسم الصحيح لها شجر الدر، هي جارية لم يحدد أصلها لأن الجواري تباع فى الأسواق، إلا أنه يقال أنها أرمينية نظرًا لجمالها الطاغي، كمان أنها كانت تعرف بذكائها وسرعة البديهة، وتزوجها نجم الدين صالح أيوب أخر السلاطين الأيوبيين وعتقها، والذي كان فى أثناء حكمه وجهت على مصر عدد من الحملات الصليبية.
وفي الحملة السابعة التي كانت بقيادة لويس التاسع، كانت من المعارك الحامية، وللقدر توفي نجم الدين، فقامت شجرة الدر بإخفاء الخبر حرصًا على نفسية الجنود ونقلت جثمانه في النيل بشكل سري، حتى جاء ابنه توران شاه ليستكمل المعركة، وبعد انتصاره على لويس التاسع، بدأ يخشي من نجم شجر الدر والتي بدأت تتمكن من الحكم بشكل أقوى، ورغب أن يضرها وينحها جانبًا ولكن بذكائها وبمعاونة المماليك تخلصت منه، وقام المماليك بتنصيبها لأول وأخر مرة فى التاريخ الإسلامي سلطانة على المسلمين.
انزعج عدد من المماليك لحكم سيدة عليهم، فقامت شجرة الدر، باختيار واحد من معاونين المماليك وهو عز الدين أيبك لتتزوجه وتحكم من خلاله، وتنازلت له عن الحكم ولكن السلطة مغرية، فطمع بأن يحكم هو بمفرده فتخلصت منه كما تخلصت من ابن زوجها سابقًا.
وجاءت نهاية شجر الدر على يد أرملة عز الدين أيبك، ضربتها بالقباقيب وتم رمي جثمانها فوق قلعة الجبل، لذا فهي ليست مدفونة تحت هذه القبة، وتظل شجر الدر ينسب لها عدد من الإنجازات فهي أول امرأة تُلقب بالسلطانة، ويكتب لها كثير من العمارة من الطراز المملوكي الجميل، بحكمها بدأ العصر المملوكي في مصر والذي استمر 250 عامًا.
مشهد السيدة رقية.. هنا أكبر محراب بين أضرحة أولياء الله الصالحين
من شجر الدر إلى ضريح السيدة رقية وبجوارها مقام السيدة عكا والجعفري، والضريح هنا يأتي كقبة فقط وليس مقبرة لأنه في الأساس هو مشهد السيدة رقية، وهنا نذكر ثاني اسم لحي الخليفة وهو شارع المشاهد.
المشهد والرؤية تعنى أن مؤسس المقام شاهد رؤية يأتي فيها صاحب المقام، وهو يكون عادة الوالي أو أحد آل البيت يشير إلى مكان معين لبناء مقام له في هذه المكان.
هنا مشهد السيدة رقية حفيدة الرسول صلي الله عليه وسلم، يتميز المشهد الخاص بها باحتوائه على 5 محاريب جصية من أجمل المحارب الفاطمية، منهم اثنين خارج الضريح والباقي داخله، ومنهم أكبر محراب جصي يصل ارتفاعه 6 أمتار وعرضه 3 أمتار.
السيدة سكينة.. تسكن لها الروح ويطيب بها القلب
هى بنت الإمام الحسين، وهي من رأت وفاة والدها وعمها وإخوتها أمام عينها فى كربلاء أثناء الفتنة الكبري بسبب الشيعة والسنة، فإذ بها تهرب إلى مصر، وتصبح هي سيدة الحجاز الأولي، وكان لها صالون باسمها في المدينة تتحدث فيه عن أمور الفقه والشعر.
اسمها الحقيقي “أمنة” ولكن والدتها لقبتها بسكينة لأنها تسكن إليها الروح، فهي كانت حلوة الكلام وعذبة الحديث، فضلًا عن ذكائها وجمالها، كما أنها اشتهرت بأناقتها لدرجة أن كانت سيدات عصرها تقلدها كثيرًا فى تسريحة شعرها.
من القصص الظريفة التى سمعتها “مايسة” من أهالي الحي، أن المترددين على مقام السيدة سكينة يقولوا “إحنا هنزور الست”، وهنا يتضح الفرق بين مقامي السيدة سكينة ونفسية، فالقاصدين مقام الأخيرة يقولون إنه مقام السيدة، مشيرة إلى أنه من الناس المترددين على الست هو عبدالرحمن الأبنودي، الذي اعتاد على كتابته أشعاره في المقهى الواقعة أمام مقام السيدة سكينة.
ساكنة باشا.. مطربة الملوك المفضلة
ساكنة باشا نوع أخر من من السيدات، تحدثنا عن آل البيت، وتأتي ساكنة باشا لتكون هي أول مطربة، ويقال أنه أول مطربة من العصر المملوكي ذات صوت رائع وجميل ارتبط بها المصريين كثيرًا، ولدت فى الإسكندرية عام 1801 وكانت أرمينية الأصل، ومن أجل الشهرة جاءت إلى مصر فى عصر محمد على، لتبدأ أولي طريقها بالغناء في أكشاك حديقة الأزبكية حيث كانت تعزف الموسيقية البوليسية.
وفي بداية ظهورها كان هناك أسماء مشهورة، إلا أن من جمال صوتها استطاعت أن تصل إلى الغناء أمام الملوك حتى سميت بمطربة الملوك، فيذكر أنه من تاريخها غنت لجميع أولاد إبراهيم باشا ابن محمد على في أفراحهم.
ومن ذكائها أرادت أن تكون مطربة الجميع لا يقتصر صوتها على الملوك فقط، فغنت باللغة العامية وأحبها المصريين كثيرًا، وكان منهم الخديوي سعيد والذي كان يحضر لها جميع الحفلات، ومن بعدها أعجب بصوتها الخديوي إسماعيل وكان يناديها بـ”ساكنة هانم” مما أثار غضب سيدات القصر الملكي، لأنها فى النهاية “عالمة” لا يصح أن تكون هانم، إلا أن الخديوي ضرب بكلامهم عرض الحائط ومنحها لقب البهوية، لتصبح ساكنة من عالمة ومطربة إلى “ساكنة بيه” ثم عرفت بعد ذلك بـ”ساكنة باشا”.
أما عن منزلها الكائن بالمنطقة، لم يكن لها من الأساس فهو منزل أسسه محمد على لابنه الثالث إسماعيل، إلا أنه توفي وهو صغير في أحد الحروب، وورثه بعد ذلك ابنه الخديوي إسماعيل، فأهداه إلى ساكنة باشا من حبه لها.
البيت مبني على مساحة 300 متر مربع، بناه مهندس معماري فرنسي بشكل يحافظ على تنظيم الشارع، يتكون من 20 غرفة وصحن وحمامات، وبدأت الناس تزورها، وسطع نجم ساكنة باشا حتى ظهرت المطربة “ألمظ” والتى كان صاحبة صوت قوي وعذب، حاولت ساكنة أن تضمها لها فى فرقتها لكي تتخلص من شهرتها، إلا أن ألمظ تفوقت على ساكنة بصوتها، فاعتزلت الأخيرة ومكثت فى المنزل حتى توفيت عام 1892 في عهد الخديوي توفيق.
سبيل أم عباس
“بمبه قادم” أم عباس باشا وزوجة الأمير أحمد طوسون باشا، أنشأت هذا السبيل من أجل أن يترحم الشعب على ابنها لعل الله يغفر له، فقد كان مكروها لسوء حكمه وتم تخطيط حجرة السبيل على شكل مثمّن، وهذا التخطيط من الأمثلة النادرة بالقاهرة، ويغطيها قبة مثمّنة الأضلاع بدون منطقة انتقال، والواجهة مكسوة بالرخام وزخارفها من طراز الباروك والركوكو.
وخصص سبيل أم عباس لتوزيع مياه الشرب النقية على المارة طلبا للثواب واستجلابا للدعاء، وألحقت به السيدة “بمبه” كتّابا أو مكتبا عينت به معلمين لتعليم الأطفال العلوم الحديثة، كما في المدارس الحكومية في عهد الخديوي إسماعيل.
اقرأ أيضا
15 تعليقات