صور| رسومات من روح الفنانات.. حكاية لوحات معرض أخميم
من بيئتهم القروية وحكايتهم الشخصية وأيام المرح مع أصدقائهم وشكل منازلهم وتفاصيل يومهم، من عمل وكد وحزن وفرح وصمت وحديث، نسجت فتيات مركز أخميم لوحات فنية ذات مناظر طبيعة ورسومات قبطية وإسلامية وفرعونية، ومفروشات منزلية مطرزة بدقة وبألوان متناسقة، ليشاركن بهم في معرض أخميم وحجازة السنوي التابع لجمعية الصعيد والتنمية والتابع لها مركز الخدمة الاجتماعية بأخميم، والذي يقام من 29 نوفمبر حتى 9 ديسمبر من كل عام.
لوحة سناء
وجهها البشوش وضحكتها الرقيقة تنعكس على لوحاتها المرسومة بألوان مبهجة تسر الناظرين، سناء ثابت، 48 عامًا، تقف بجوار لوحتها الأخيرة من الـ3 لوحات التي شاركت بها في المعرض هذا العام.
“فنانة وترازه ونساجة” بثقة وافتخار بالنفس تعرفني سناء على حكايتها مع المركز، قائلة “انضمت للمركز في سن 13 عامًا، وكان إخوتي الكبار عواطف وسعاد فنانات يعملن في الجمعية، كنت صغيرة حينها فأحببت تعلم كل مراحل النسيج بداية من الأقمشة والأطلس والنول الصغير والكبير، وأصبحت نساجة إلى أن انتقلت لقسم التطريز ثم الفن، حتى تزوجت”.
وتكمل، بعد الزواج لم يكن بمقدرتي الذهاب للمركز ولكني “بحب التطريز وزوجي يعلم رغبتي في الاستمرار بالعمل”، فعملت بالمنزل من خلال تصميم لوحات فنية والمشاركة بها في المعرض كل عام، مشيرة إلى أن الإنتاج يتم تجمعيه سنويًا، والذي قل مع مرور الوقت وانشغالها بالأعمال المنزلية “كنت بنتج 15 لوحة في أول الزواج ولكن حاليًا بطرز حوالي 5” بحسب قولها.
“الفن هواية” توضح ثابت أن عملها في الجمعية يأتي من هوايتها وحبها للمكان، دون الارتباط بالعائد المادي والذي يكون سنويًا، مضيفة أن المركز بيتها الثاني التي تسعد بكل وقت تقضيه داخله، خاصة في أوقات الرحلات المنظمة من قبل المركز لتنشيط الذاكرة ورؤية مناظر مختلفة لتصميم لوحات متنوعة.
عن المركز
مركز الخدمة الجامعية بأخميم يتبع لجمعية الصعيد للتربية، وهي جمعية ذات صفة عامة ومشهرة في الشؤون الاجتماعية تحت رقم 1010 لسنة 1967، ويضم 120 فتاة تم توزيعهم على ثلاثة أقسام، قسم التشغيل اليدوي القائم على الأنواع الخشبية، والتطريز القديم القائم على الفن القبطي الإسلامي، والفن التلقائي من خلال تنظيم رحلة إلى أماكن مختلفة.
وتقول سميرة عطية، مدير مركز الخدمة الاجتماعية التابع لجمعية الصعيد والتنمية بأخميم، إن المركز يضم 120 فتاة وسيدة تعمل في 3 أقسام قسم النسيج والتطريز والفن التلقائي.
قسم النسيج: قائم على شراء القطن كخيوط من مصنع الغزل والنسيج باللون الأبيض نقوم بإرساله إلى مصبغة في القاهرة حسب الألوان التي نحتاجها، ثم تبدأ مراحل النسيج الأولى وهي السدوة والقائية والنير.
أما قسم التطريز: عبارة عن مفروشات عليها رسومات مستوحاة من التراث القبطي والإسلامي والفرعوني، تتكون من غرز مختلفة الشكل سواء سراجة أو فرع أو طاقية، وبعد الانتهاء يتم غسل وكوي المفرش، ليخرج المنتج النهائي على شكل مفرش قطعة واحدة أو 4 أو 6 قطع.
قسم الفن التلقائي: وهو مختلف قليلًا لأنه يتطلب خروج الفنانات من البيت لترى عينها مناظر مختلفة تستطيع أن تعبر عنها، بالإضافة لتنظيم رحلات من قبل الجمعية لعمل تغذية بصرية، بحيث تسطيع الفنانة التعبير عما تراه عيناها على كراسة الرسم في البداية ثم على قطعة القماش.
وتشير عطية إلى أن أخر رحلة كانت من حوالي 3 أشهر إلى المتاحف والأهرام وسوق الفسطاط وهي المناظر الموجودة على لوحات هذا العام، حيث أن كل فنانة تناولت زاوية معينة في الرحلة، ورسمتها حسب خيالها ورؤيتها.
أما عن باقي العاملات بالجمعية، فتضيف سميرة: هناك فنانات مسؤولة عن شد البراويز في إطار خشبي مصنوع في ورشة النجارة الخاصة بالجمعية، ومن ثَم يضعن “اللزق والفتلة” ليتم تعليق البراويز على الحائط.
الجمعية تضم أيضًا مجموعة مسؤولة عن تغليف المنتجات اليدوية ووضعها بأكياس، لتكون بذلك العمل من البداية للنهاية من صنع البنات دون تدخل من أي عامل خارجي.
وتوضح مديرة المركز أن هدف الجمعية ككل، الحفاظ على التراث الإسلامي والقبطي والفرعوني بشكل عام، والعمل على توفير فرص عمل للعائلات بأخميم، مضيفة أن معرض أخميم مكون من 3 أقسام، قاعة الفن التي تضم لوحات فنية وقسم التطريز الخاصة بالمفروشات المنزلية وقسم النسيج، وكل الأعمال صممت بأيدي الفنانات واللاتي ينقسمن إلى 3 أجيال، الجيل الأول وهم الكبار وتبلغ مدة تواجدهم بالمركز أكثر من 40 عامًا، وهناك الجيل المتوسط ويتراوح ما بين 15 إلى 20 عامًا، والجيد الجديد المنضم للمركز منذ حوالي 10 أعوام.
رسمة نعيمة
استطاعت أن تجمع أشكال الحيوانات وتميزهم بألوانهم المعروفة في لوحتها بعد أن زارت حديقة الحيوان، لتوضح نعيمة أديب، من الجيل الأول بالمركز، ومشاركة في معرض أخميم، منذ أن انضمت للمركز وهي في سن 11 عامًا، تعلمت الرسم والتحقت بقسم الفن، موضحة أنها تستلهم المناظر من الرحلات المنظمة من قبل المركز سواء كان في قرية أو سوق أو رحلة نيلية أو حتى مناظر في الشارع.
تسويق خارجي
وتقول سيسيل رمزي، مسؤول التسويق بالجمعية ومعرضها السنوي بأخميم وحجازه، إن المعرض يُنظم كل عام في نفس الوقت، ويتم التسويق للمعرض بطريقتين داخليًا وخارجيًا.
داخليًا من خلال المعرض المقام حاليًا، والمعرض الدائم بسوق الفسطاط، بالإضافة إلى مجموعة من البازارات في مناطق بالقاهرة كالزمالك والدقي والمعادي والمدرسة الألماني.
وتضيف رمزي، أن هناك مصدر للتسويق أيضًا يتم بالتعاون مع المجلس القومي للمرأة وبنك إسكندرية ومؤسسة ساويرس، من خلال مبادرة أنتجت “كتالوج” يحمل منتجات الهاند ميد متوافر على المواقع الإلكترونية.
أما خارجيا فيقام الآن وحتى 9 ديسمبر معرض المنتجات اليدوية في ميلانو، بإشراف الصندوق الاجتماعي.
وحلمت سيسيل بأن تلتحق بالمركز منذ أن كانت صغيرة، إلا أن الفرصة أتيحت لها منذ 8 سنوات حين طالبت مديرة المركز تبني جيل جديد داخل المركز، فتقدمت إلى العمل.
“أول ما بخلص المفرش بكون مبسوطه”، هكذا تعبر رضا عن حبها في التطريز قائلة: “أول ما دخلت المركز انضمت لتطريز ولكني تعلمت بدايات النسيج كالقية والنير”، موضحة أن العمل بالمركز يساعدها في توفير مصدر دخل لمساعدة زوجها وأيضا تلبية طلباتها الشخصية.
مدينة أخميم
عُرفت مدينة أخميم قديما كأحد أهم مراكز صناعة النسيج، وأطلق عليها أحد المؤرخين اسم “مانشيستر ما قبل التاريخ”، نسبة إلى مدينة مانشيستر التي تعتبر أقدم مدينة لصناعة النسيج في بريطانيا، وقال زكي مبارك في الخطط التوفيقية إن أهلها يفوقون غيرهم في الصنائع، لا سيما في نسيج أقمشة الكتان.
وقد اشتهرت أخميم في العصر الروماني بالمنسوجات الحريرية، وبلغت في ذلك شأنا كبيرا، حتى أنها كانت تصدر خارج البلاد، وقد توافر لها من مواد الصباغة ما ساعدها على تفوقها في المنسوجات، حيث كان ينمو بمنطقة وادي الملوك قرب دير السبع بمنطقة جبال شرق سوهاج، نبات سُمي “الملوك”، له عصارة حمراء داكنة تستعمل في الصباغة، خاصة الحرير القرمزي الذي اقتصر ارتداؤه على الملوك والأباطرة في ذلك العصر.