صور| "النابت والقرقوش" في موالد دشنا.. "البركة في اللمة"
يتخذ أهالي دشنا من الموالد فرصة سانحة لتحقيق مبدأ التكافل الاجتماعي من خلال ما يعرف بالنفحة، وهي ما يقدمه أصحاب الخدمات من طعام وشراب لرواد المولد خصيصا، الفقراء وعابري السبيل والدراويش.
وعلى مدار عام كامل يتم تجميع مساهمات الأهالي لإقامة الخدمات سواء كانت مساهمات نقدية أو عينية، وما أن تنطلق الاحتفالات في شهر ربيع حتى يتسابق الجميع في الجود بما لديه تقربا إلى الله وتنفيذا لوصايا النبي في إطعام الجائع.
وكما يقول الأهالي “اللقم تزيح النقم” وتتنوع الأطباق المقدمة بالمولد، ما بين الحمص والبليلة وأحيانا اللحوم، ولكن تبقى وجبة الفول النابت بالعيش الشمسي المحمص (القرقوش) هي الوجبة الأكثر شيوعا وربما الأكثر طلبا من رواد المولد، فلا يخلو سرادق خدمة أو ساحة من قدور النابت وقفف القرقوش، لتصبح الوجبة الرسمية في موالد دشنا
اللقم تزيح النقم:
“اللقم تزيح النقم” بهذه الكلمات عبر العم صلاح غزالي، السبعيني، لافتا إلى أن إطعام الجائعين ولو بقليل من النابت والقرقوش يقي شرور الدنيا ومصائبها، مشيرا إلى حديث الرسول “داوا مرضاكم بالصدقات”، مضيفا أنه ليس المهم نوعية الطعام المقدم بل الأهم أن يكون خالصا لوجه الله دون مباهاة أو رياء -على حد وصفه- ولذلك فإن وجبة الفول النابت منذ عشرات السنين هي الوجبة الأكثر انتشارا في الموالد، حيث كانت النساء تقوم بإعدادها في المنازل مع العيش الشمسي المحمص ويذهب الرجل بها إلى المولد مع بعض الأطباق والملاعق ليطعم الرواد، لافتا إلى أن كيلو من الفول و قفة من القرقوش كفيلة بإطعام 50 شخصا على الأقل بتكلفة لا تزيد 20 جنيها.
“القرقوش” صديق الأسرة:
القرقوش وتشير أم حمادة ، 80 عامًا، ربة منزل، إلى أنه لا يوجد منزل بدشنا يخلو من القرقوش، لافتة إلى أن أهالي دشنا يعشقون تناوله في الصباح بكوب الشاي وبالتالي فان توفيره لخدمات المولد لا يكلف الأسرة شيئا، مضيفة إلى أن إضافة القرقوش إلى طبق النابت يجعل منه وجبة كاملة ومشبعة في نفس الوقت، كما أنها وجبة مدفئة خصوصا في شهور الشتاء.
شفا العليل:
ويوضح أحمد الصغير – 65 عامًا، بائع فول نابت، إلى أن وجبة الفول النابت بالقرقوش وجبة شائعة حتى في غير أيام المولد، خصوصا لأصحاب المهن الذين يبدأون يومهم في الصباح الباكر، فتعتبر إفطارا مثاليا لهم لقيمتها الغذائية التي تعادل اللحوم؛ بالإضافة إلى أنها وجبة خفيفة لا تربك المعدة.
ويلفت إلى أن الفول النابت يستخدم أحيانا كنوع من العلاج في حالة إصابة الشخص بمشاكل بالمعدة أو دور الزكام حيث يضاف إليه الليمون والذي يساعد في شفاء المريض من مرضه.
ويضيف الصغير أنه اعتاد منذ عشرات السنين أن يفرش في المولد لبيع النابت للرواد , مشيرا إلى أن عدته كانت تتكون في الماضي من وابور جاز، -استبدل حاليا بأنبوبة البوتاجاز والشعلة – وحلة وبعض الأطباق والملاعق بالإضافة إلى جوال مملوء بالقرقوش ، مشيرا إلى أنه في المولد لا يحدد ثمنا للطبق بل , يرضى بما يقدم له وفي أحيان كثيرة يقدم النابت للفقراء والغرباء دون مقابل , معللا ذلك بان المولد كله نفحات وانه مجرد جلوسه في مولد المصطفى نفحة , ويعلق على ذلك بقوله ” اللي فيها لله ما تغرقش ” ملمحا إلى أنه يحقق أرباحا كبيرة في نهاية المولد.
البركة في اللمة:
ويلفت بهيج عثمان، متصوف، إلى أن وجبة النابت بسبب زهد تكلفتها وسهولة إعدادها يجتمع حولها الكثيرون، لافتا إلى أن أي خدمة يمكنها أن تطعم يوميا على الأقل 300 شخصا بتكلفة لا تزيد 100 جنيه، موضحا انه في حالة إعداد وجبات دسمة مثل اللحوم ترتفع التكلفة إلى 10 أضعاف على الأقل، ملمحا إلى أن سعر كيلو الفول لا يزيد عن 12 جنيها ويحتاج إلى بعض الثوم وقليل من الزيت أو السمن.
وصفة سهلة:
وتشير أم فؤاد – 42 عامًا، ربة منزل، إلى أن طريقة إعداد الفول النابت سهلة جدا ويستطيع أي شخص عملها، وتتمثل في نقع الفول في الماء لمدة يومين حتى ينبت أي يخرج من حبة الفول الجذر، بعد ذلك يصفى من الماء ويترك لمدة يومين آخرين يتم خلالهما غسله بالماء وتصفيته وتغطيته، حتى لا يتغير لونه إلى اللون الداكن.
وتتابع أم فؤاد أنه بعد ذلك يوضع النابت في قدر ويضاف إليه الماء وبعض من الثوم النيئ ويترك لمدة نصف ساعة حتى ينضج، وأخيرا يتم تحمير بعض من الثوم بالزيت أو بالسمن (الكشنة أو الطشة) وتضاف إليه، ويضاف إليه الكمون والكزبرة والملح وأحيانا الشطة حسب الرغبة، ويكون مذاقه أفضل بإضافة الليمون إليه، وتنوه أم فؤاد إلى أنها أحيانا تعد وجبة النابت لأسرتها في وسط الأسبوع.
طعم مختلف:
مصطفى أبو الحمد – عامل، يشير إلى أنه لا يقبل على وجبة النابت إلا في المولد، لافتا إلى أن مذاقها يختلف عما يحضر بالمنازل، مشيرا إلى أنه يعاني من مشاكل بالقولون ويحرص في كل مولد على تناول النابت، ويشعر براحة كبيرة بعد ذلك، ويفسر أبو الحمد ذلك بأن صاحب النفحة يقدمها لله، ولذلك يكون مذاقها مختلفا.
محمود على – متصوف، يقول “المولد من غير نابت ما يبقاش مولد”، مشيرا إلى أنه يتعجب من أن أطفاله الصغار بالرغم من أنهم يرفضون تناول النابت بالمنزل إلا أنهم يقبلون عليه في المولد في فرحة وسرور.
بروتين الغلابة:
ويوضح المهندس الزراعي أحمد عبد العزيز، إلى أن الفول يعرف بأنه بروتين الغلابة لاحتوائه على نسبة عالية من البروتينات والمعادن، لذلك فهو يعادل اللحوم؛ بالإضافة إلى أنه بروتين خفيف لا يسبب مشاكل صحية بالمعدة ومع إضافة الخبز المحمص إليه والذي يحتوي على النشويات يصبح وجبة كاملة غنية بجميع العناصر الغذائية المفيدة للجسم.
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها
تعليق واحد