صور| “الجُمَار”.. قلب النخلة الأبيض ومضرب الأمثال في حلاوة الطعم
“بني آدم طبعه الغدر يأكل الجُمّار، ينكر إحسان النخل ويرمي الزعف في النار”، هكذا يقول المثل الشعبي القديم في وصف نكران الجميل للنخلة التي تقدم قلبها الذي هو حياتها للإنسان فبدل أن يكرمها، يرمي سعفها إلى النار، وفي الصعيد يُعبر عن حلاوة طعم المأكولات وطراوتها بالجمار، كما يضرب كمثل لجمال المرأة.
البت بيضا
“وآه البت حلوة وبيضا تقوليش جُمّار”، هكذا كانت توصف الفتاة الجميلة بدشنا، بحسب أم وجيه، 83 سنة، ربة منزل، موضحة أنه قديما لم يكن يسمح للعريس أن يشاهد عروسه قبل الزواج، فكان يرسل أمه لـ”معاينة” العروسة، فإذا ما اطمأنت إلى جمال العروس، عادت لتقول لابنها في كلمة واحدة “جمار”، وتضحك أم وجيه قائلة: “حماتي قالت عليا كده ييجي من سبعين سنة”.
وتوضح أم وجيه، أن الجمار شديد البياض مثل الحليب وذو قوام طري ولين وسهل الأكل وطعمه لذيذ ومحبب للكبار والصغار، مشيرة إلى أن الجمار لا يأكل إلا مرة واحدة في حالة قطع النخلة كذلك مثل البنت البكر الجميلة.
خطوة عزيزة
يقول محمد فكري، 30 سنة، مزارع، إنه من عادة أهالي الصعيد قديما حين يحضر إليهم ضيف عزيز وخصوصا إن كان من أكابر القوم، أن يبالغوا في إكرامه بقطع نخلة لإطعامه “الجُمَارة” وهو قلب النخلة ومجرد المساس به يؤدي إلى موتها، وأحيانا كان يختار الضيف النخلة التي يريدها فتقطع له في الحال ويقتلع قلبها ليقدم تحية للضيف العزيز، ويلمح فكري أن هذه المكرمة تعادل مكرمة “الطائي” حين ذبح حصانه لضيفه، موضحا أن الرسول أوصى بإكرام النخلة في أحاديثه النبوية وبالتالي فإن التضحية بها من أجل الضيف يعد في غاية الكرم.
“يتلهط لهط”
“فين يا عم الجمار وفين أيامه، زمان لما كنا عيال وكانوا يقطعوا نخلة، نتلموا كلنا مستنيين حتة جمار، يا سلام على طعمه”، هكذا سرح العم محمود عبدالعزيز، المزارع السبعيني، واسترجع أيام طفولته حين كان يأكل الجمار، لافتا إلى أن النخلة تشبه الإنسان في تكوينها الجسمي والنفسي، ويستطرد: “أيوه، أومال.. الإنسان له قلب لو اتشال منه يموت زي النخلة”، منوها بأن طعم الجمار خليط ما بين العسل واللبن والقشدة وجوز الهند معا، معلقا: “حاجة كده تتلهط لهط”، ويتابع: “النخلة بتحس بالمعاملة الحسنة وتدى إنتاج كويس، علشان كده النخل يتكرم”، مشيرا إلى أن اهمال النخل وعدم مراعاته بشكل دوري يؤدي مع الوقت إلى ذبول النخل وموته.
زي الحليب
يوضح عبدالعزيز، أنه يوجد في أعلى رأس النخلة تجويف بيضاوي محاط بغشاء ليفي سميك يوجد بداخلة ثمرة بيضاء بيضاوية الشكل تشبه مركبين ملتصقين وحولها (كيزان) تحتوي على بودرة بيضاء وهى الخاصة بتلقيح النخل، مشيرا إلى أن النخل به النوعين الذكر والأنثى تتم عملية التلقيح من خلال الريح التي تحمل لقاح النخلة الذكر إلى النخلة الأنثى، أو أن يتم يدويا عن طريق أخذ بعض من لقاح الذكر وغرسه حول لقاح الأنثى.
ويلفت عبدالعزيز، أنه قديما في بعض الحالات النادرة كان يضطر الأهالي لقطع نخلة بعينها لمرورها في حد فاصل بين الأراضي مثلا أو مرورها في منتصف طريق عام، وبعد قطعها كان الجمار يوزع على الأهل والأقارب، بشرط أن يلف جيدا ويحفظ عن الهواء لأنه مثل الحليب يفسد إذا ما تعرض للجو، فكان يلف في قطع قماش ويوضع في مكان جاف ورطب.
شفى العليل
فيما يؤكد عبدالعزيز، أنه قديما كان الجمار يوصف للشخص الذي يعاني من الإجهاد البدني العام، مشيرًا إلى أن والده حكي له عن بعض حالات شفيت بعد أكل الجمار، ويعلق العزيز قائلا: “إذا كانت التمرة نتاج النخلة لها فوائد صحية فما بالك بقلبها؟”
ويلفت الكيميائي، محمد فتحي، إلى أن جمار النخل عبارة عن مادة (سليلوزية) بيضاء خالية من الدهون والكوليسترول وتحتوى على البروتين، والكالسيوم، والحديد، والماغنسيوم، والبوتاسيوم، وفيتامين بي وسي، بالإضافة إلى السكريات لذلك كيميائيا تعتبر منشط عام مثالي خالي من الأضرار الجانبية، كما تعالج حالات ضعف عضلة القلب.
لفظ “الجُمَّارُ” هو قلبُ النَّخْل، واحدته “جُمَّارة” -طبقا للمعجم الوسيط بي دي إف-
13 تعليقات