صور| احتفالات الأقباط بمولد العذراء بقرية السلامية
تصوير: مريم الرميحي
منذ أكثر من قرن ونصف، يُحيي الأقباط والمسلمين سويًا، ذكرى مولد العذراء مريم بقرية السلامية، إحدى قرى شرق النيل، بمدينة نجع حمادي، شمالي قنا، وتحديدا بالكنيسة التي يصل عمرها لـ189 سنة، وسميت باسم البتول “كنيسة العذراء مريم”.
لم تختلف الاحتفالات الحاشدة والأكبر والأشهر في قنا عن كل عام، سوى في زيادة عدد الزوار والوافدين من المحبين للسيدة الطاهرة من أهالي القرية ومجاوراتها ومن مدن مختلفة من أنحاء الجمهورية.
ملامح الاحتفال
منذ نزولك في موقف القرية تحديدًا بالقرب من مقر الوحدة المحلية لقرية السلامية، تبدأ الإشارات بالاحتفال واضحة وجلية اللافتات المعلقة والتي تحمل الكثير من عبارات التهنئة متنوعة بين مواطنين ومؤسسات حكومية، بوادر التنظيم الشعبي تتلمسه حيث الأهالي الذين يستقبلون الزوار بابتسامات صادقة موجهين الأهالي والمحبين بالطريق المؤدي للكنيسة.
وطول الطريق الذي يزيد عن 2 كيلو متر، شوارع ضيقة قليلًا، زينة بصور السيدة مريم المحلقة في منتصف الشارع وعلى المنازل، لن تستطيع عينيك إبعاد النظر عن مظاهر الفرح حيث باعة الحلوى، والبلح، والترمس، والحمص، وحتى الحلوى التي يحتفل بها الجميع في المولد النبي الشريف من “عروسة” و”حصان”.
الزفة
ما إن تأتي الساعة الخامسة عصرًا إلا ويبدأ الأخوين فادي رأفت ذكي وشقيقيه رامز ورامي في ارتداء زي الشمامسة والانضمام إلى الزفة، كما يسميها الأهالي أو الموكب الذي يجوب القرية بصور السيدة العذراء مرددين الترانيم والأغاني في حب البتول، مرورًا بزغاريد السيدات وإلقاء الحلوى من المنازل على الموكب المهيب، آلاف من البشر كبار وصغار رجال ونساء مسلمون ومسيحيون، قيادات دينية وشعبية وتنفيذية على رأسها القساوسة “كاراس- فلوباتير- أرسانيوس- يوساب” مسؤولي كنيسة العذراء مريم بالسلامية، بالإضافة إلى الأنبا تكلا رئيس مطرانية دشنا، التابع لها الكنيسة، بخلاف المقدس فتحي صليب شيخ القرية.
وأكد القساوسة احتفائهم بهذا المولد الذي يستمر 15 يوما من كل عام في هذا التوقيت وخاصة الليلة الكبيرة، وهي التي تنتهي بإفطار المسيحيين عن صوم العذراء، موضحين أنه صوم من الدرجة الثانية، فيه يمتنع الصائمون عن أكل اللحوم ويسمح فيه بأكل السمك كافة أيام الأسبوع تخفيفًا على الناس من طول فترة الصوم، ولكثرة الأصوام في الكنيسة القبطية حوالي 200 يومًا في السنة ما عدا الأربعاء والجمعة، وفي الصوم الكبير لأنه صوم من الدرجة الأولى، وينتهي بحلول عيد الميلاد المجيد في السابع من يناير، وفقًا لتقويم الكنائس الشرقية.
وفاء النذر
لم يغب عن الاحتفال مشهد الوفاء بالنذور، فتقول سيدة مسنة اكتفت بإخبارنا اسمها فقط “امتثال” إنه كباقي السيدات نذرت للسيدة العذراء نذرا، ذاكرة أن النذر مختلف في البعض ينذر سكر أو أنت تأتي للكنيسة سيرا على الأقدام في حب العذراء، والنذر نقوم به من قديم الأزل مسلمات ومسيحيات.
ويروي شيخ قرية السلامية، اعتدنا على توافد الآلاف كل عام من زوار ومحبي العذراء، جاءوا من مختلف المحافظات، ومنهم من جاء منذ اليوم الأول للصيام وأقام بالقرية حتى الليلة الكبيرة، وأكد مشاركة المسلمين للمسيحيين بالقرية في الاحتفالات والصيام، حتى أنه أغلب نسوة القرى المسنات قديمًا كن يشاركن جاراتهن من القبطيات في الصيام حبًا في السيدة مريم العذراء.
أما عن أسرة رأفت ذكي، محام، التي قابلتنا أثناء الاحتفال، يقول الأب، إنه يحرص على الاحتفال في كنيسة العذراء مريم بالسلامية كل عام رغم إقامته في مدينة نجع حمادي التي تحتوي على أكثر من 7 كنائس، مرجعًا ذلك للطقوس التي اعتاد عليها منذ صغره وهو طفل بنفس القرية التي ينتمي لها.
كما ذكرت إريني هابيل، زوجته، أنهم يحرصون أيضًا على جلب أبنائهم الثلاثة فادي ورامز ورامي، وهم أيضًا شمامسة في الكنيسة.
أسباب صيام العذراء
عن أسباب صيام العذراء، يذكر شيخ البلد أنه يبدأ الصوم تزامنًا مع يوم صعود السيدة العذراء إلى السماء، صامه الرسل حين رجع توما الرسول من التبشير في الهند، وقد سألهم عن السيدة العذراء، فقالوا له إنها قد ماتت، فقال لهم “أريد أن أرى أين دفنتموها!”، وعندما ذهبوا إلى القبر لم يجدوا الجسد المبارك، فبدأ يحكى لهم أنه رأى الجسد صاعدًا، فصاموا 15 يومًا من أول مسرى حتى 15 مسرى، فأصبح عيد للعذراء يوم 16 مسرى من التقويم القبطي.
وبصومه الأقباط طالبين شفاعتها ومعونتها، والبعض يقوم بخبز فطير السيدة العذراء إيفاءً بالنذور، وبعض الآراء تقول إن العذراء نفسها هي التي صامته، وأخذه عنها المسيحيون الأوائل ثم وصل إلينا بالتقليد، وآراء أخرى قيل أنه كان سائدًا قديمًا، فأقره آباء المجمع المسكوني الثالث بالقسطنطينية سنة 381م، وطلبوا من الشعب صومه، و ذكر ابن العسال أنه صوم قديم اهتمت به العذارى والمتنسكات، ثم أصبح صومًا عامًا اعتمدته الكنيسة “المجموع الصفوي – باب 15”.
عن الكنيسة
أنشأت كنيسة العذراء في عام 1831، وتم ترميمها فيما بعد عام 1976، وتحتوي على “أيقونة” تاريخية نادرة من بيت المقدس يرجع تاريخها لأكثر من 100 عام، أحضرها عجايبي أبو بطرس، عند زيارتة لبيت المقدس وأودعها الكنيسة.
كما تحتوي على حجاب من خشب الخرط، مطعم بالعاج وسن الفيل يرجع تاريخه للعصر العثماني، ذكرها المؤرخ سومارز كلارك، ضمن أهم الكنائس القبطية التاريخية في وادي النيل بحسب عاطف قناوي، مفتش بمنطقة آثار نجع حمادي.
اقرأ أيضا
تعليق واحد