صور| أطلال مهندس الفقراء.. تنتظر إحيائها
تصوير: أحمد دريم
“انظر تحتك ثم ابني”.. كانت تلك فلسفة مهندس الفقراء ، المهندس المعماري حسن فتحي في البناء، حين أسس قرية القرنة الجديدة والتي عٌرفت فيما بعد بأيقونة حسن فتحي، فعلى بعد كيلو مترات من الضفة الغربية لنيل الأقصر، تقع أيقونة مهندس الفقراء، تلك القرية التي صممها فتحي عام 1946 بمواد البناء التقليدية بهدف تسكين آهالي القرنة القاطنين بالجبل آنذاك بمساكن بديلة حين تم تهجيرهم، فكانت تجربة رائدة في فن البناء أبهرت العالم، حتى صمم مثيلاتها في دول أجنبية كتلك التي صممها بولاية نيوميكسيكو بالولايات المتحدة الأمريكية.
قرية ريفية كاملة بناها المهندس حسن فتحي لتضم بيوتًا للآهالي ومسجدًا وقصرًا للثقافة، وسوقًا ووحدة صحية، المباني تتسم بالقباب التي تضفي بروده للمكان في الصيف، والمنازل تتسم بممرات تسمح بالتهوية، لكن قرية فتحي النموذجية، لم تعد إلى سالف عهدها فقد سطر الزمن حكاية تهدمها على مدار فترة طويلة امتدت لعقود تقاوم خلالها القرية عوامل إهمالها، حتى باتت كـأطلالًا تشكو للمارة خرابها.
قصر الثقافة والمسرح
ماإن تطأ قدماك مدخل قرية حسن فتحي في القرنة، حتى يفوح عبق التاريخ من المكان ويرشدك منظرها إلى الأزمنة القديمة التي لم تكن تعرف زخرفة الألوان بعد، حين كان كل شيء طبيعيًا، لم تشوبه الحداثة، فكل المنشآت بالقرية طينية ليس مضافًا لها أي لون.
قصر الثقافة هو أول مايقابلك في القرية وقد نسجت العنكبوت خيوطها في كل شبر في أرجاء القصر الذي كانت تقام فيه فعاليات ثقافية وفعاليات فرق المسرح، لأنه يضم بداخله مسرحًا على طراز المسارح الرومانية، إلى جانب غرف الملابس، وغرف للأجهزة، لكن وزارة الثقافة أصدرت قرارًا بإغلاق القصر عام 2009 باعتباره آيلًا للسقوط وواجب ترميمه، ومن ذلك الوقت تم هجر القصر ولم يتم افتتاحه مرة أخرى.
عند خروجك من القصر يواجهك منزل معلق به لافتة باللغة الإنجليزية وقد كتب عليها: “مرحبًا في أول منزل بُني بقرية العماري حسن فتحي عام 1946″، هذا المنزل كان هو أكثر مكان بالقرية مايزال محتفظًا بمعماره وبطراز عمارة حسن فتحي، لـ صاحبه أحمد عبد الراضي الذي يقوم على ترميمه كل فترة وأخرى حتى لايصبح مصيره كباقي منازل القرية.
المسجد
أبدع المعماري حسن فتحي في تصميم مسجد القرية إذ مزج في تصميمه بين عناصر المعمار للمباني الإسلامية في عصر الدولة الطولونية وكذا الطراز المعماري في عصر الدولة الفاطمية، وبالرغم تصدع حوائطه وظهور النباتات البرية بساحة المسجد، إلا أنه ما يزال آهالي القرية يأدون فيه صلواتهم.
الخان
تضم القرية مجموعة من القباب المتراصة على خط واحد في الجهة المقابلة للمسجد، كانت “الخان” والتي صممها فتحي كمكان مخصص للحرف اليدوية، ولبيع منتجات الألباستر لزوار القرية من السياح.
منزل المهندس حسن فتحي
حسين أبو الحجاج حارس منزل المهندس حسن فتحي، يوضح أنه تولى حراسة المكان بعد جده ووالده اللذان كانا شديدان الحرص على منزل المهندس فتحي من منطلق إحساسهم بالمسؤولية تجاه حماية المنزل وخاصة أنه كان آخر ماتبقى من الـ70 منزلًا التي بناهم فتحي، لافتًا إلى أن المنزل تم إسناده بأخشاب الترميم حتى لايسقط لكن عملية ترميمه توقفت، وتم تركه حتى تهدمت القبة التي كانت تعلوه وتصدع المنزل.
أحمد الجمل، مخرج مسرحي من أبناء القرية، يقول إن مشروع قرية حسن فتحي بالقرنة غربي الأقصر في عام 1945، ثم توقف 1950 إبان ثورة يوليو وتغيير حكم الملكي إلى الجمهوري، ثم تم اكتماله بعدها والتي اعتمد فتحي في بنائها على “الحجر الجيري، والتربة الجبلية الصفراء والمعروفة باسم الحيبة، والطوب اللبن”.
ويضيف؛ تم هجر القرية حتى منتصف الستينيات، وبعدها بدأت تتهاوى إليها الناس لسكنها، وكان المهندس فتحي أوصى بمتابعة منازل القرية كل ثلاثة أعوام، حفاظًا عليها وحتى يتم علاج وترميم أية تلفيات قد تحدث للمنشآت بالقرية.
إلا أن عام 1990 كان هو بداية ظهور مشكلات قرية المعماري الشهير، فـبعد بناء مشروع السد العالي، أثرت المياه الجوفية على الحجر الجيري بعد ارتفاع منسوبها عقب بناء السد، حتى بدأ الحجر يتحول لأملاح وينهار.
ويتابع؛ حين بدأ البعض بسكن القرية كان كل اسرة تتمثل في عدد شخصين فقط ولكن مع مرور الوقت ازداد عدد الأسرة لأكثر من اثنين واضطر البعض لتوسعة المنازل فقام بعضهم بهدم البيوت وإعادة بنائها بالشكل الخرساني مما غير في شكلها، مضيفًا؛ تهدم البيوت أيضًا كان سببًا لهجر بعض السكان لمنازلهم.
في 2010 أدرجت القرية ضمن منظمة اليونيسكو كتراث عالمي ويضيف؛ من بعدها لم يقم اليونيسكو بترميمها ولم يسمح لأحد أو جهة ما بالترميم.
في عام 2010 تم عقد دولى بعنوان “إحياء قرية حسن فتحى”، و شارك فيه أكثر من 40 عالمًا وخبيرًا فى مجال العمارة فى العالم بدعوة من منظمة اليونسكو، خلالها قال “فرانسيسكو بندرين”، رئيس مركز التراث العالمى ونائب رئيس منظمة اليونسكو آنذاك؛ “إن إحياء تراث حسن فتحى يعد حلما ونحن بصدد أن نجعله حقيقة”.. فهل بعد طيلة تلك السنوات التي ضرب خلالها الإهمال قرية حسن فتحي، ستعود إلى رونقها مجددًا.. ربما ستجيب الأيام على هذا السؤال.
4 تعليقات