صوت الصورة أعلى في الدفاع عن السكان الأصليين والحياة البرية
ما بين ليلةٍ وضحاها.. يبدل الله من حالٍ إلى حال.
والفن نعمة الله القادرة على تبديل الحال، وتغيير ما يبدو أنه غير قابل للتغيير، كيف يمكن للفن أن يفعل هذا بك؟
تنخرط في حياةٍ يومية تجعلك تلهث خلف الحدث، وتصارع تفاصيل حياة خالية من الجمال، بل أنها تحتقره. تفقد الأمل في أن ثمة ما يغير الواقع المؤلم الذي ترضخ له البشرية بلا مقاومة، ثم.. تعثر على ضالتك في أيامٍ تمنحك جرعةً من الأمل.
تعلّي الصورة من لغة الصمت، تحوله إلى فعل، وإن كانت الصور لأكثر من مصور. يعني هذا أنك تستمع للكثير من الأصوات التي ربما تمنحك رؤىً لم تتوصل إليها دون استخدام الصورة.
***
في وقتٍ يعاني العالم فيه من تأثيرات مدمرة للتغيرات المناخية، تأتي الحلول من قلب الطبيعة. اللجوء للطبيعة لإيجاد الحلول هو بالفعل أحد الفروع العلمية الحديثة. لكن علينا أن نتذكر أولاً امتلاكنا لهذه الهبة الربانية، كي نحافظ عليها ونستلهم منها الحلول لأجل ذلك.
وفي هذا الإطار جاء التواجد في واحد من أكبر المعارض الدولية للتصوير، فرصةً كبيرة لاستلهام الحلول والنقاش حول سُبل حماية الحياة البرية والحفاظ على الطبيعة. وكذلك حفظ حقوق السكان الأصليين في الحياة وأيضا في الاحتفاظ بعناصر ثقافاتهم المحلية. على مدار أسبوع مَثلَ المعرض الدولي للتصوير- إكسبوجر الشارقة 2024، الذي أقام هذا العام دورته الثامنة، بتنظيم من مكتب الإعلام الحكومي لإمارة الشارقة، مَثلَ فرصةً كبيرة للاستمتاع بإنتاج 400 مصور من كل أنحاء العالم، قدموا 2500 صورة، باستخدام تقنيات تصوير متنوعة، وشارك منهم بالتواجد 150 مصورا في نقاش حي مفتوح على مدار أسبوع.
بطريقة عرض مبهرة، وصالات عرض تتيح سهولة التنقل بينها، مع إضاءة ساعدت على إبراز جماليات الصور المعروضة. بالإضافة إلى سرد قصة الصورة ضمن لوحة جانبية تتضمن المعلومات عن المصور واسم الصورة. وكذلك طريقة التواصل مع المصور في حال طلب نسخة أصلية بجودة عالية، باستخدام خاصية الكيو آر كود، في ذلك المُناخ. تضمن المعرض مئات من الصور التي تروي قصة البشرية في شمال الأرض وجنوبها، شرقها وغربها. واستعراض الثراء الحضاري الإنساني، بأبسط طُرق التعبير: الصورة.
***
المدهش في الأمر أننا نعيش عصر “وفرة” الصورة، لكننا في الحقيقة نعاني في الوقت نفسه من “فقر” الصورة. فكثرة الصور لا تعني بالضرورة عمق المعنى ولا توافر الجماليات. لكن الصور المختارة للعرض في إكسبوجر الشارقة 2024، أبرزت بوضوح الحق في الحياة لكل الأعراق البشرية. بدا ذلك واضحا منذ اليوم الأول باستضافة الناشط البيئي جونيور هيكوراري زعيم قبيلة يانومامي في الأمازون. ثم من خلال جلسات المهرجان التي شارك فيها أكثر من مدافع عن حقوق السكان الأصليين. وعن الحياة البرية، منهم الإنجليزي تشارلي هاملتون جيمس، وكيلي يويان الأمريكي ذو الجذور من شعب الناناي، والأمريكية صاحبة الجوائز بيث والد.
ما فعله المعرض هو استعادة جزء من طبيعة الإنسان كما خلقه الله. فهو يحب رؤية الطبيعة! لكنه نساها في خضم زحف البنايات الأسمنتية وعصر طغيان المادة.
في الوقت نفسه أرخ المعرض لتفاصيل من التراث الثقافي المادي وغير المادي، لشعوب متعددة. هي صور لن تراها في مواقع الأخبار، ولا مجلات المنوعات، ولا برامج التليفزيون الأكثر انتشارا، ولن تصل إليها بسهولة عبر شبكة الإنترنت. ذلك أن الذائقة الجمالية للمتلقي العادي الذي يبحث عن جرعةٍ يومية من الأخبار أو التسلية، لن يتوجه لمصدر هذهِ الصور فلن تصبح تجارية بطبيعة الحال. من ناحية أُخرى، فإن التواجد لكل هذا العدد من الصور، التي تحمل رؤى متباينة، وجماليات عالية الجودة. خاصةً أن منها الكثير من الصور التي تبرز جماليات المكان، وكلٍ من الهوية والقيمة البصرية للكثير مما نراه ويمر علينا مرور الكرام، وتحمل ذوقا رفيعا ورؤى فنية جريئة. كل ذلك أتاح لزوار المعرض فرصةً كبيرة للإثراء البصري، والتغذية البصرية الجمالية، ومنح المصورين فرصةً ذهبية للتواصل وتبادل الأفكار والخبرات.
***
من خلال الموقع الرسمي للمهرجان، يمكن بسهولة الحصول على المعلومات عن المشاركين فيه، خبراتهم ورؤاهم، ونماذج لأعمالهم المشاركة. وهذا في حد ذاته هو إثراء للحركة الفنية في مجال الصورة، ودعماً كبيراً للمدافعين عن موارد البشرية وعناصر ثقافاتها المتعددة.
ما الذي يحتاجه إنسان يعيش في هذا العصر القاسي، أكثر من جرعة فنية مجانية، في مساحة مريحة للحركة، وتواصل فعّال مع صانعي هذا الجمال؟ لا شيء أكثر.
اقرأ أيضا:
«أرشيف بدوي».. صور فوتوغرافية للإسكندرية قبل 80 عاما