صناعة «الفسيخ».. عادة تراثية تتوارثها الأجيال

«نبروه»، عاصمة الفسيخ كما يطلق عليها، هناك لا يرتبط استهلاك الفسيخ بموسم أو عيد محدد، بل هو أشبه بطقس يومي، أو مناسبة تُخلق ابتهاجًا بوجوده، فهي صناعة ترتبط بمهنة تتوارثها الأجيال، لتجسد حكاية عشق مصري قديم للأسماك المملحة، يعود إلى أيام الفراعنة.

هنا، تتجاور المحال التي تجاوز عمرها الستين عامًا، شاهدة على أصالة المهنة التي تناقلها الأبناء عن الأجداد، محافظين على أسرارها وخباياها، التي جعلت من «نبروه» علامة فارقة في عالم صناعة الأسماك المملحة.

مهنة منذ الصغر

«لقد ورثت هذه المهنة من الحاج ممدوح أبو شعير منذ نعومة أظفاري، وأعمل بها منذ عام 1984»، يقول عبد النبي العش، أحد أبناء عائلة العش وشعير العريقة، التي ارتبط اسمها بالفسيخ ارتباطًا وثيقًا.

ويضيف، بلهجة الواثق من خبرته: «تعلمنا أن جودة الفسيخ تبدأ من اختيار السمكة السمينة، الخالية من أي آثار للثلج، والتي تغذت على علف نظيف. أما عن مدة التمليح، فهي تختلف حسب الوقت من العام، فتبدأ من خمسة عشر يومًا وقد تصل إلى ثلاثين. قديماً، كنا نعتمد على الشمس والهواء، ولكن الآن لدينا تجهيزات حديثة وتكييفات، وإجراءات حفظ تضمن سلامة المنتج وجودته. وهذا ما جعلنا، بحق، رقم واحد في جمهورية مصر العربية».

ولأن الموضة والتجديد يطرقان كل الأبواب، لم يسلم الفسيخ من لمسات العصر، يقول هاني العش، صاحب “فسخاني الفراعنة”: «نعمل في هذا المجال بالوراثة، ولكننا نواكب أيضًا متطلبات العصر»، ويتابع: «ظهرت طلبات جديدة لم تكن موجودة من قبل، فأصبحنا نقدم الفسيخ المخلي، وحتى “كريبات فسيخ” يوضع على الخبز المحمص. نسعى دائما لتلبية أذواق محبي الفسيخ من مختلف الأجيال، الذين يبحثون عن تجارب جديدة ومبتكرة».

تمليح الأسماك

في المصنع، يقف الحاج العش الأب، شامخًا كأحد أعمدة هذه الصناعة، يشرف على العمل بعين الخبير الذي تجاوز السبعين من عمره. ويقول: «أنا عندي 76 سنة، وأعمل في تمليح الأسماك منذ أن كان عمري عشرين عامًا. تعلمت الصنعة من أخوالي، عائلة شعير، وأولادي الثلاثة يسيرون على نفس الدرب. وحتى الآن، أقوم أنا بنفسي بصناعة الفسيخ لهم في المصنع».

وتابع: نستخدم أسماك مزارع غليون بمركز مطوبس بمحافظة كفر الشيخ، وملح شركة النصر المميز للحفاظ على الجودة. ونحرص على التخمير في الأوعية الخشبية التي تمتص الرطوبة. ولا نلجأ إلى البلاستيك إلا في حالات قليلة، خاصة عند طلب ‘الفسيخ المسافر”.

جزء من التراث

وهكذا، تبقى الأسماك المملحة، وعلى رأسها الفسيخ والرنجة، جزءا أصيلا من التراث المصري. طقسًا احتفاليًا يرافق المناسبات والأعياد منذ آلاف السنين.

ومع اقتراب عيد القيامة وشم النسيم، تتحول «نبروه» إلى قبلة لعشاق هذه الأكلة الشعبية من جميع أنحاء مصر. لتشهد المدينة حالة من الازدهار والحركة الدؤوبة. مؤكدة أن هذا الموروث الغذائي العريق لا يزال حيًا نابضًا في قلوب المصريين وعاداتهم.

اقرأ أيضا:

«قصر الشناوي» الأثري بالمنصورة يتحول إلى «جراج» سيارات

مشاركة
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر
إغلاق

Please disable Ad blocker temporarily

Please disable Ad blocker temporarily. منفضل اوقف مانع الاعلانات مؤقتا.