«شنطة سفر»: روما.. عاصمة العالم (2-2)
في كل مكان في المدن السياحية مثل روما تطاردك إعلانات “تفادى الطابور”. ودي بتكون تذاكر مسبقة الحجز أغلى شوية من التذاكر التي نقطعها من المكان السياحي أو المزار. وممكن الفندق يحجزها وأروح على طول بالوصل على مكان وميعاد التجمع لملاقاة المرشد والمجموعة واستلام السماعات الخاصة بالجولة أو الزيارة. طوابير شبابيك تذاكر بازيليكا سان بيتر مثلا، ودخول المتاحف وكنيسة السستين الصغيرة بتكون عددها بالآلفات المؤلفة، ما تشوفش أول الطابور، ومعظم شعوب العالم المنظم غاوي طوابير، يبقى أكيد أهين قرشي أحسن.
ورحلة الفاتيكان دي برضه كنت استعديت لها بفيلم “ملائكة وشياطين” بطولة توم هانكس وإخراج رون هوارد سنة 2009 عن قصة دان براون. وفيلم الأب الروحي الجزء الثالث بطولة آل باتشينو، وإخراج كوبولا سنة 1990. ولكن شتان بين الأفلام والصور والفيديوهات وبين الواقع. وأنا واقفة في البياتزا المهولة وعين خيالي بتتجول بين البلكونات الصغيرة في انتظار الدخان للإعلان عن اختيار البابا. وأمام تمثال “لا بييتا” للعظيم مايكل أنجلو أول ما دخلت الكاتدرائية عاليمين. وأنا طالعة نازلة السلم الدائري أبو درابزين خشب وفي خيالي الأخين التوأم بيدوا إشارة القتل بصوت الحمار.
وكنت شفت فيلم قديم اسمه (العذاب والنشوة) بطولة ريكس هاريسون وتشارلتون هيوستن إنتاج 1965 يحكي على خلافات البابا مع مايكل أنجلو وقت تنفيذ سقف الكنيسة. أما لما كنت في السستين شابل، فرقبتي وجعتني واتلوحت من الشوية الصغيرين اللي بحلقت فيهم عالسقف. أمال مايكل أنجلو كان حاله إيه؟! هناك، وأنا رافعة رأسي بتأمل قصة الخلق. كانت دموعي نازلة على جانبي وجهي بحكم الوضع الغريب اللي كانت رأسي ملووحة عليه. قلبي كان فعلا بيرفرف، ممكن أجزم أن دي كانت من لحظات حياتي الفارقة والسعيدة جدا. إحساسي زي ما أكون على ظهري في البحر، ووداني تحت المياه، وعينيا بس اللي فوق المياه شايفة حاجة أعجز عن وصف عبقريتها. إيه دة؟!
***
أما لما بنتي أمينة كانت معايا ونوينا نروح الفاتيكان، نزلنا من الأتوبيس أو طلعنا من المترو مش فاكرة وبنجري عشان نشوف حنقف في الطابور ولا حنحجز التذاكر الغالية ونتفادى الطابور. وإحنا متجهين، لقينا كاكيمونو (إعلان على باب مبنى) أن بالداخل فيه حاجة تخص هاري بوتر. وبما أن بنتي وابني من عشاق هاري بوتر قلنا ندخل نشوف إيه الموضوع. لقينا الدور الأرضي بالكامل من عمارة كبيرة عبارة عن عوالم كاملة لهاري بوتر ومملكة الخواتم. عالم مسحور، دخلنا ندهتنا النداهة، اتـشفطنا بين اللبس والأدوات المنزلية والمفروشات. وحاجات المطبخ والأدوات المكتبية والشنط والأحذية والإكسسوارات. لازمتنا بائعة متوسطة العمر لمدة 4 ساعات في منطقة هاري بوتر. لم تفارقها الابتسامة ولم تتذمر، وساعدتنا في حسابات الميزانية باليورو وبالمصري في كل قطعة نوينا نشتريها. وعملت لنا الاختبار عشان نتأكد كل واحد فينا تبع أي “بيت” أو فريق من بيوت مدرسة هوجوارتس الأربعة عشان نشتري لكل واحد فينا الحاجات المناسبة لشخصيته.
وصبرت البائعة علينا بمنتهى التفهم على انتظارنا لرد عمر ابني في مصر عالرسائل والصور اللي بنبعتهاله للاختيار والمفاضلة بين الحاجات اللي كنا عايزين نشتريها. 4ساعات كاملة في عالم هاري بوتر صوت وصورة. طلعنا بشنط الظهر متستفة على آخرها. وصلنا ساحة سان بيتر قعدنا عالأرض وما دخلناش، وما ضغطتش على أمينة، لصغر سنها وعدم معرفتها الكاملة بقيمة البازيليكا والمكان من الناحية التاريخية والمعمارية وقتها.
***
من أجمل الأماكن في روما واللي دايما زحمة على آخره كمان هو السلالم الإسبانية. مكان من ورا العقل. وزي أي حتة سياحية في روما، نقعد بالساعات، نجيب أكل من المحلات الرخيصة اللي تحت جنب المترو واللي ممكن نشتري فيها البيتزا بالقطعة، أو نجيب “جيلاتو”. أو نقعد فوق في كافيتريا عالية تكشف واحد من أجمل المناظر في العالم، أو نقعد نتفرج عالفنانين البوهيميين اللي فوق بيرسموا وبعلقوا رسوماتهم للبيع، أو نشغل موسيقى ونرقص على صوت ونغمات كاظم الساهر “قولي أحبك كي تزيد وسامتي” – الأغنية اللي اتصورت هناك- ويرقص معانا الناس من مختلف الأعمار والجنسيات.
من أجمل المرات اللي استمتعت فيها بروما كانت مع صاحبتي الجميلة الفنانة شيرين حمادة (شوكي). ومن ضمن ذكرياتنا الحلوة لما كنا قاعدين في مطعم في ميدان كامبو دي فيوري واتعشينا أحلى لحمة تي-بون ستيك وبعدين روحنا مشي كالعادة. وقرب الفندق (أمبيرو كالعادة)، اكتشفنا إننا نسينا الشمسية بتاعتي، واللي كانت عزيزة عليا جدا وملونة و ديزيجوال في نفسها كدة. رجعنا تاني للميدان لكن ما لقيناش المطعم اللي كنا لسة بناكل فيه من شوية!
الميدان هو الميدان، تقسيمة الكافيتريات والمطاعم هي هي. بس المطعم الإيطالي اتغيرت يافطته واسمه واختفت مفارش الترابيزات الكاروهات الأحمر في أبيض اللي كانت محطوطة، والإضاءة اتغيرت تماما. ولقينا أغاني مصري شبابية راقصة شغالة وشيشة!!!! اتقرب مننا شباب بيتكلموا عربي شامي، بيعزموا علينا نقعد نسمع موسيقى شرقي ونجرب الأرجيلة – أتاري الأماكن بتغير نشاطها و”موودها” بعد 11 بالليل. نقعد ولا نروح؟ نقعد ولا نروح؟ وقعدنا طبعا ومشينا متأخر جدا وما نسيناش الشمسية. والدنيا يومها كانت برد جدا جدا والمواصلات كانت شطبت خلاص. وروحنا مشي في المطر وإحنا بنضحك في حواري روما زي بالضبط جوليا روبرتس وهي راجعة مع أصحابها بالليل وصوتهم مجلجل في الشوارع الضيقة على الأرض الكوبالت.
***
الموسيقى الكلاسيك والأوبرا من أهم علامات روما بالنسبة لي، في أي مكان وعلى قد الفلوس أقدر أحضر عرض موسيقي. ولو عجبني اللي سمعته، غالبا حيكون فيه حد بيبيع الأسطوانة المدمجة للفرقة بعد الحفلة. اللافت للنظر هنا حاجتين: الأولى هي استغلال الكنائس والكاتدرائيات في أنشطة ثقافية وفنية (بيحصل هنا في مصر فقط وقت قداس الكريسماس في كنيسة البازيليك في روكسي وكنيسة كل القديسين في الزمالك – وأقصد هنا الحالات أو المناسبات اللي يقدر أي حد يحضرها).
الحاجة الثانية اللافتة للنظر، أنه بالرغم من ملاحظتي لقلة الأطفال في روما بوجه عام. إلا أن الأمسيات الموسيقية دي بتحضرها عائلات كاملة، بأطفال صغيرين وأحيانا رضع. وعمري ما شفت عيل بيصرخ أو بيزن! ودة مش بيحصل بس في الكنايس، لكن في كل حتة. حضرت مع أمينة عرض موسيقي في فناء كلية ما ورا بياتزا نافونا وكان فيه أطفال.
وفي ميدان فيتوريو إيمانويل الثاني (واللي بيفكرني شوية بالنصب التذكاري للجندي المجهول في إسكندرية. واللي كان بيزينه تمثال الخديوي إسماعيل قبل ما يرموه ورا) لازم أعدي على محل أحذية مريحة ما لبستش زيها في حياتي. واللي كل موديلاته سبعيناتي أو بوهيمية ملونة زيي. وهو قدام مبني الجمهورية أبو بلكونة صغيرة. الشارع دة شقه موسيليني (ربما كان يريد يريد تخليد مجدا عمرانيا بين الآثار الرومانية القديمة). وكان مخفي تحته كذا ميدان روماني من أيام عدة قياصرة جم ورا بعض أضافوا إليه.
***
ولما روحنا نتفرج على الحفريات لقينا عرضين ورا بعض، صوت وضوء وأجهزة هولوجرام والسماعات بكذا لغة للاختيار، كل واحد فيهم في حتة وبيعرض حاجة غير التاني. والإخراج متنوع ما بين مسرح مكشوف، ومشي تحت الأرض في الحفائر وتحت الطريق نفسه للفورم الناحية الثانية. لحد قبل مبني الكولوسيوم كدة بحاجة بسيطة. شوية موسيقى على دراما على أداء حركي على حكي على إلقاء مصوغين بتكنولوجيا متقدمة. (عملنا جزء من الموضوع دة في مصر في عرض “كليوباترا” في سبتمبر 2015 على واجهة قلعة قايتباي بالإسكندرية). مش متأكدة مين فينا اللي كانت بتتنطط من الانبهار أكتر – أمينة بنتي (12) سنة وقتها ولا أنا؟!
وبالرغم من ملحوظة قلة الأطفال في روما بوجه عام، إلا أن لما بنتي أمينة كانت معايا لقينا كمية أنشطة للأطفال ما لهاش حصر. من ضمنها سينما 9 أبعاد موضوعها سفرية في الزمن بتحكي تاريخ روما. ومنها متحف ليوناردو دافنشي التفاعلي اللي فيه كل اللي اخترعه وجربه ودونه. واللي بنتي راجعت فيه عمليا كل اللي أخدته نظريا في الفيزيا في المدرسة. وارتباطها بالميكانيكا والديناميكا. والكوبري الشهير بتاعه اللي الأطفال بتركبه وتطلع عليه تختبر تماسكه. ودفاتر الرسم بتاعته اللي علم نفسه فيها التشريح، وتجارب الطيران. كلها معروضه ديجيتال وإحنا بنقلب فيها باللمس وبنكبر وبنصغر بالأصابع زي ما بنعمل عالتليفون، ولوحاته وأشهرها “العشاء الأخير” وكل حاجة بالشرح المكتوب والمسموع بعدة لغات و و و…
وفي الآخر بتعرض المكتبة مستنسخات تفاعلية لمعظم اللي كان في المتحف، وكمان إكسسوارات ولعب وكل حاجة تخص الفنان العالم المهندس الطبيب دافنشي. وكمان اسطوانات cd وكتب مشروح بطريقة مبسطة جدا “إزاي تفكر زي ليوناردو دافنشي؟!”. كمية الأطفال من مختلف الأعمار وأهاليهم بيتعلموا ويلعبوا مع بعض مالهاش خصر. وكأن أطفال روما كلهم كانوا هناك وقتها. طب وإحنا؟
***
الحكايات عن روما واللي في روما مش ممكن تنتهي أبدا… لكن للأسف لازم يكون فيه نقطة نهاية عشان نفتح صفحة جديدة لحكايات تانية عن مدينة تانية. حذكر بس قبل ما أختم حكايتي موضوع المناشر اللي في الشوارع الجانبية اللي بتوصل بين مبنيين بعرض الشارع زي الحواري عندنا، وإزاي الناس بيرغوا من البلكونات زينا، و”بيردحوا” كمان لبعض من الشارع/الرصيف للبلكونة والعكس.
الفسبا والسكوترز والعربيات الصغيرة القديمة بتجري في كل حتة. كابتشينو روما غير. محلات التذكارات السياحية الرخيصة كلها معمولة في الصين، وأصحابها كلهم من الشرق الأقصى. الأكشاك اللي في الشارع أو العربيات المتنقلة اللي بتبيع فاكهة وخضار وعصير ومياه أصحابها من أمريكا اللاتينية. البياعين اللي بيفترشوا الرصيف من إفريقيا (ودي ملحوظات غير موثقة). هنا وهناك في الشوارع برضه شوية شحاتين غالبا غجر. وأكثر حاجة مؤكدة هي النشالين – ربنا يكفينا شرهم.
وعشان كدة في أولى سفرياتي لروما، وأنا دكتورة كبيرة كدة وليا حيثية، لقيت أمي بتديني كيس دمور قد الكف ووصتني إني ألبسه في رقبتي أو في وسطي. وأخلي دايما شنطتي قدامي مش ورايا وما أخليش حد يقرب مني. وأخلي عينيا في وسط رأسي. وفعلا حاولت أعمل بالوصية، وعلقت الكيس في رقبتي. وكل ما أدخل محل وأجي أدفع، أمد إيدي “في عبي” زي ستات زمان عشان أطلع الكريدت كارد!!! ولما رجعت وربنا سلمها، نزل لي عمر ابني صورة مخصوص عالانستاجرام وتحتها علامة النصر و”راحت روما وما اتنشلتش- برافو”.
اقرأ أيضا:
«شنطة سفر»: روما.. عاصمة العالم(1-2)