«شنطة سفر»: دماء ورمال في إشبيلية

في عام 1941، تم عرض النسخة الثالثة والأشهر من الفيلم الخالد “دماء ورمال” بطولة ريتا هيوارث، تايرون باور وأنتوني كوين. كانت النسخة الأولي من إنتاج عام 1916، تلتها نسخة ثانية عام 1922 وبطولة فالنتينو، ثم قدمت النسخة الرابعة عام 1989 بطولة كريس رايدل، شارون ستون وآنا تورنت.

والنسخ الأربعة هي معالجات للرواية الإسبانية “دم وحلقة/حلبة”، وهي الترجمة الحرفية أو كما نطلق عليها “دماء ورمال”. وتدور القصة حول الفلاح الفقير خوان جالاردو الذي يشب في إشبيلية ليصبح من أهم مصارعي الثيران في إسبانيا، ويتزوج من صديقة طفولته كارمن، ولكن بعد سفره لمدريد وزيادة شهرته يجد نفسه متعلقا ب دونا سول الأرملة الثرية المثيرة. وبعد تورطه في العلاقة، يشعر بالذنب حيال كارمن، فيعود إلى زوجته في إشبيلية، فتنتقم منه دونا سول بفضحه أمام زوجته وأمه لتدمير زواجه. ومع الإحباط والحزن، يتراجع تألقه في حلقة المصارعة، حتى يقتله ثور، بينما زوجته تدعو له في الكنيسة، وتحتفل الأرملة بفوز عشيقها الجديد.

***

اختزن عقلي الباطن هذا الفيلم الأسطوري (نسخة 1942) وربما نسيه عقلي الحاضر. ولكن الأكيد أن هذا الفيلم رسخ لي صورة ذهنية عن إسبانيا: وسامة رجال ذوي بشرة لفحتها الشمس، بشعر ناعم أسود أو بني غامق وغالبا طويل/حر/منكوش أو معقوص. سيدات ذوات شعر أسود طويل وجسد ملفوف يلبسن ثياب ملونة بدون أكمام، مكشوفة الصدر وذات كرانيش كثيرة، يعقصون شعرهن فاحم السواد في كعكة بها وردة كبيرة، ويلتففن بشيلان ملونة مزدانة بورود مشغولة يدويا، وفي أيديهن مراوح دانتيلا، وأحذية ببوز مستدير، وباريت وكعب ارتفاع من 3-5 سم عريض أو مستدير. الجيتار للرجال، والكستانييت للنساء، مصارعة الثيران في كل مكان، والفلامنكو سيد الموقف. وأكدت لي هذه الصورة الذهنية لوحة كنفاه كانت أمي تعلقها في بيتنا، ثم حكاياتها القليلة بعد سفرها لإسبانيا عام 1981، والتذكارات التي أحضرتها وكان نصيبي منها الكستانييت بالطبع.

أول مرة سافرت فيها إلى إسبانيا كانت إلى مدينة إشبيلية عاصمة مقاطعة الأندلس بشبه القارة الأيبيرية، والتي لم تخيب توقعاتي أبدا، بل وزادتني عليها. استقبلتني المدينة بأشجار البرتقال المر (النارنج)، بالرغم من أنها لم تظهر في الفيلم! شجر البرتقال في كل مكان. في كل مكان! وعرفت أنه رمز المدينة، منظر في منتهى الجمال، ورائحة وروده مثل حقل موالح في فصل الربيع. وظلال بطول الشوارع للمشاة تلطف حرارة ورطوبة أشهر الصيف.

وعلمت أنه يصدر إلى إنجلترا لصناعة مربى البرتقال الحاذق (اللارنج) التي تشتهر بها إنجلترا. أما في إشبيلية، فإلى جانب العصائر والمربى، تصنع من البرتقال الزيوت العطرية والمنظفات وأشياء كثيرة جدا تفيد اقتصاد المدينة. ولاحظت غلبة اللون الأحمر القرمزي على سائر الألوان في المدينة. أما شمس إشبيلية، فلونها برتقالي، مع الشجر الأخضر على ضفاف نهر “الوادي الكبير”.

***

الأرصفة مزدانة بزخارف من البلاطات الخزفية أبيض في أسود. الشوارع حميمة المقياس والكثير من المباني بالطوب الوردي. معظم الشرفات وجلسات الشبابيك مزدانة بالورود. الأرصفة واسعة للمشاة وبها مقاعد، تنتشر بالمدينة الكثير من مناطق المشاة ولعب الأطفال والمناطق العمرانية المفتوحة والمصممة لمختلف الأعمار.

وبالمدينة عدد من الكباري الحجرية من أزمنة مختلفة: سان تيلمو، كارتويا، بومبيروس، سان برناردو، ريميديوس، وتريانا – إيزابيل الثانية. وأحب أحكي عن كوبري بعينه وهو “كريستو دي لا إسبيرانثا”، وهو عبارة عن هيكل فولاذي، ذو قوسين منخفضين بامتداد 130 متر وبدون دعم تحت الماء، ويدعم سطحًا بطول 223م× 30م وعرض 30.5م، صممه “خوسيه لويس مانزاناريس”، مستوحى من جسر ألكسندر الثالث في باريس وتغطى ممرات المشاة على طول الجسر بقماش مشمع أبيض معلق على أعمدة يخفف حرارة المارة، يا سلام عالجمال!

كما يوجد بإشبيلية العديد من الكباري التي صممها سانتياغو كالاترافا ومنها كوبري ألاميو بالكابلات المعدنية. نختلف نحن المعماريون حول كالاترافا، هل هو معماري “غاوي كباري؟” أم هو إنشائي فنان؟ أيا كان، فقد طور أدواته وترك أعمال تدرس من عدة وجهات نظر، من مقررات التشكيل وأسس التصميم، إلى نظم الإنشاء وخواص المواد، إلى الحسابات المدنية، وغيرها.

***

وبإشبيلية أيضا مبني معماري هام للمعماري الألماني يورغن ماير (2011)، وهو مظلات عيش الغراب أو “لا سيتاس”، وتسمى أيضا “متروبول باراسول” وهي مبني خشبي في ميدان “لا إنكارناسيون” بالمنطقة التاريخية بأبعاد 150×70م وارتفاع 26م وهو أكبر مبنى خشبي بالعالم. ويتكون من ستة “شمسيات” بارتفاعات مختلفة مستوحاة من أقبية كاتدرائية إشبيلية، وأشجار الفيكس القريبة من بلازا “كريستو دي برجوس” القريبة. أربعة مستويات: تحت الأرض متحف الآثار الرومانية والموريشية، مستوى الشارع سوق تجاري، سطح هذا المستوى منطقة عمرانية مفتوحة، تظللها مظلات خشبية وتخصص لعروض ومناسبات عامة. أما المستويين 2 و3 فهم تراسات بانورامية وبها مطاعم وكافيتريات نشاهد منها المدينة القديمة كلها. وعلى هامش الموضوع، فان سلسلة محلات “إل كورت إنجليز” منتشرة في كل الشوارع والميادين، وبها كل الماركات العالمية، وخاصة ماركتي الإسبانية المفضلة للملابس “ديزيجوال”.

متروبول باراسول
متروبول باراسول

أما من تعاملت معهم من الإشبيليين، فأناس متمهلين في مشيهم، و”رايقين” وبياخدوا وقتهم في كل ما يفعلون، ويرفضون البقشيش بكل أنواعه! أما نومة القيلولة، فهي مقدسة وتقفل حينها المحلات. وتعلن المحلات القليلة التي لا تغلق أبوابها عن تخفيضات كبيرة وقت القيلولة (السييستا). ولم تتح لي فرصة الإقامة في فنادق أو نزل تقليدية ذات الأفنية الأندلسية والبلاطات الفخارية ونوافير الماء، ولكن كانت الإقامة في فندق ميليا الفاخر، في الدور السابع، حيث المغطس في التراس يكشف الجزء التاريخي من المدينة.

وأذكر أن مشروب الضيافة كان شمبانيا فاخرة! وعندما علم مدير الفندق بأننا كنا نبحث عن أحد أدوية السرطان النادرة، أخذ الروشتة، وبحث عنه بنفسه سيرا على الأقدام، وعدنا ذات يوم إلى الحجرة/الجناح لنجد الدواء (ملفوف هدية) ورفض الراجل أن يأخذ فلوس الدواء بالرغم من ارتفاع سعره! من الحاجات الطريفة التي صادفتني في إشبيلية هي الأسماء، فلم أسمع الأسماء الإسبانية التقليدية مثل بابلو، خوان، لوكاس، خوزيه، كارمن، مارتينا، جوليا، آنا، ماريا،… ولكن ما وجدت من الأسماء أشعرني وكأني أتفرج على المسلسل الفنزويلي القديم “قطة متوحشة”.

***

فقد كانت الأسماء مثل هافيير، أليخاندرو، خورهيه، لوبز، رودريجز، سيلفا ودا سيلفا، إدوراردو، فيوليتة، وغيرها… وينطقون الاسم والاسم الأوسط واسم العائلة، دائما ثلاثة أسماء. لم تبدو لي الأسماء أوروبية، بل بدت لي أمريكا-لاتينية. وبالصدفة، كانت هناك احتفالات قائمة بمناسبة مرور 500 عام على خروج رحلة كريستوفر كولومبس (الرحالة الإيطالي) الثانية إلى العالم الجديد عام 1493، ووصوله إلى جزيرة هيتي وتأسيس أول مستعمرة أوربية على الشاطئ الشمالي من جزيرة هسبانيولا شرق كوبا وتسميتها إيزابيلا. وبعد رحلاته الأربعة، عاد كولومبس وعلمت أيضا أن مدفنه ومدفن عائلته في إشبيلية.

وبإشبيلية عدد من الأماكن التراثية السياحية الترفيهية المتميزة، مثل حديقة ماريا لويزا ذات الأشجار الكثيفة والباسقة والمصممة في القرن التاسع عشر على مفاهيم تنسيق المواقع الأندلسية. يضم المتنزه العديد من النوافير والبرك وأشجار البرتقال والنخيل وأحواض الزهور المنسقة. تضم النباتات وأنواع عديدة من أشجار النخيل والبرتقال والصنوبر وزهرة مريرا وحقول الكروم كما أنها مزينة بالعديد من النوافير والأجنحة والجدران والتماثيل والبرك الساحرة وهي مجهزة بالمقاعد للجلوس والاسترخاء.

كما تضم العديد من المعالم الأثرية وأشهرها نافورة الأسود (فوينتي دي ليون) وبركة المياه الزئبق (سانتير دي لوس لوتوس) والنصب التذكاري لغوستافو أدولفو بيكير ونصب ميغيل دي سرفانتس أما أهم المباني التي تضمها الحديقة هي المكتبة العامة فيها ومركز العلوم وجناح بيرو ومسرح لوبي دي فيغا.وهي وجهة أساسية لسكان إشبيلية وزوار المدينة، ويوجد بها”حناطير” للتنزه.

***

ومن هذه الحديقة إلى ساحة إسبانيا، وهي مصممة في أوائل القرن العشرين للمشاركة في معرض عام 1929. تتوسط الساحة نافورة كبيرة رائعة. ويحيط بالساحة مبنى نصف دائري من طابقين، محاط بخندق مائي يمكن استئجار قوارب أو “جندول” للتنزه به. على غرار فينيسيا في إيطاليا، وتصل أربعة جسور فوق هذا الخندق بين الساحة (يمثل كل جسر مملكة من الممالك الإسبانية القديمة في قشتالة ونافار وأراغون وليون). والمبنى يجمع بين طرازي عصر النهضة والعمارة المغاربية.

أما المبنى، فالطابق الأرضي شرفة كبيرة مجزأة، يحيط به عدد 48 تجويفاً صغيراً مزيناً بالبلاط الفخاري الملون المميز بتصميمه. كل منها يرمز لإحدى مقاطعات إسبانيا، ولكل منها لوحة وخريطة. تم تحويل بعض الأجنحة إلى متاحف، أشهرها المتحف الأثري ومتحف الفنون. لقد وقعت في غرام تلك الساحة ذات البلاطات الخزفية الملونة. هذه الساحة مكان خارج هذا العالم، مكان رومانسي غير عادي بكل المقاييس (وقد تم تصوير جزء من فيلم لورانس العرب فيها).

في القلب التاريخي لمدينة إشبيلية، تهت توهان في الآثار والعمارة، فالمدينة تعج بالآثار الأندلسية الساحرة. والتي تم التعديل عليها (دون هدمها) بعد استرداد الأندلس، فازدانت بعمارة قوطية. المسجد الجامع وبالقرب منه المئذنة الجيرالدا التي تخترق سماء المدينة والتي تحولت إلى برج الجرس. وقد تم بناء القمة المتحركة فوقها حسب اتجاه الرياح في القرن السادس عشر. ومنذ ذلك الحين أصبحت الجيرالدا (أو دوارة الهواء) تعرف بهذا الاسم نسبة إلى التمثال في أعلاها.

***

كما تم بناء كاتدرائية إشبيلية في مكان الجامع بعد زلزال كبير شهدته المدينة وأصاب الجامع بأضرار بليغة، وهي أكبر بناء ديني قوطي من القرون الوسطى واستخدم فيها بعض الأعمدة الناجية من الجامع. وكان الجامع مركزا تتشعب منه كل طرق المدينة مؤدية إلى الأبواب المفتوحة بالأسوار. وهناك أيضا برج الذهب الذي أنشئ بغرض الدفاع عن القصر والسيطرة على حركة السفن التي تعبر في النهر إلى إشبيلية، واستخدم أيضا كمكان لحماية الثروات التي كانت تأتي بها السفن من العالم الجديد (أمريكا اللاتينية الآن).

أصبح البرج الآن متحفا للفن المعماري الإسلامي وبه بعض المعدات البصرية الأثرية من العصور الوسطى التي استخدمت في البحرية واكتشاف الأميركتين، وكذلك توجد بالمتحف نماذج للسفن الشهيرة التي اكتشف بها الأسبان الأميركتين في القرن الخامس عشر، وبعض المدافع من القرن السابع عشر. أما القصر الملكي لإشبيلية، فهو من أجمل ما رأيت من الآثار في العالم (وقد رأيت عددا لا بأس به).

وبعد المسلمين تعاقبت عليه عدة حضارات وثقافات، وسميت قاعاته بأسماء رومانسية للغاية: بهو البنات، حجرة الأمير، بهو الدمى (أو العرائس)، قاعة السفراء، قاعة الاحتفالات، قاعة المنسوجات، بركة الزئبق، حديقة الرقص، حديقة الشعراء وغيرها. وبالقصر حديقة للطواويس النادرة. وقد صور في هذا القصر العديد من الأفلام والمسلسلات حتى يمكن شرح تاريخ قصر الكازار من خلال مشاهدها، وهو ما “تبروزه” رحلات القصر، ويضيف إلى الجولة السياحية الكثير. فمثلا، عند الوصول عبر الفناء حيث جرت بعض المشاهد من فيلم كارمن (2003).  وعند بوابة الأسد مشهد تشكيل الحرس الملكي في المسلسلات التاريخية لهيئة الإذاعة البريطانية الأمير الأبيض والأميرة الأسبانية.

***

وعلى بعد أمتار قليلة، كان الدرج المؤدي إلى الغرفة الملكية العليا مسرحًا للنسخة الحديثة من ساحر أوز، مدينة إزميرالد، ثم يدخل خط سير الرحلة إلى قصر المدجن والتي تم فيه تصوير الريح والأسد والحُمر وسلسلة لعبة العروش وحياة كريستوفر كولومبوس ومملكة السماء لريدلي سكوت.

أرشدنا مدير الفندق إلى مكان قال إنه الأفضل لحضور عرض فلامنكو أصلي تقاليدي (غير ذلك الذي يقدم في الأماكن السياحية). مبنى صغير في شارع ضيق من طابقين بباب صغير خشب يفتح على صالة صغيرة مزدانة بلوحات وتماثيل وزرع لا تصلح لمرور شخصين جنبا إلى جنب. صعدنا على سلم خشبي ضيق قوائمه من بلاطات فخارية ملونة ونوائمه من الخشب. (مثل الصور الكثيرة التي يتم تداولها مؤخرا على مواقع التواصل الاجتماعي. ووصلنا إلى قاعة مظلمة بها عدد قليل من الترابيزات ومسرح صغير تساءلت كيف يمكن أن يعزفوا ويرقصوا هنا؟!

ومنذ بدأ أول موال (أيوة، موال زي اللي بيسبق الأغاني الشعبية القديمة بتاعتنا)، وقبل ظهور أول راقصة، أدركت أنني في مدينة الفن والطرب الأولى بالنسبة لي. صوت الرجال مع الإلقاء مع الانفعال العاطفي مع ألحان الجيتار في غنائيات تتميز بالشجن. ربما كانت تعبر عن الحزن والاكتئاب ومشاق الحياة والبؤس العام أو الاضطهاد. أو ربما عن الشوق أو الحب بلا طائل أو الهجر أو الخيانة – أيا كانت كلماتها التي لم أفهمها – تخترق القلوب مباشرة فتبكيها.

***

الله الله الله الله. إلى أن دخلت الراقصات واحدة تلو الأخرى. تتحرك كل واحدة كالفرس الجامح، الجسم مشدود والظهر منتصب في كبرياء وشمم. وبالإضافة إلى حركات الذراعين والرجلين مع كرانيش الفستان والشال والكاساتانييت، فهناك حركات سريعة وقوية كالتصفيق والضرب بالقدمين وحركات الأصابع في تصاعد حركي. وأعادت لي هيئة الراقصات فكرتي الذهنية عن الإسبانيات التي أغلقت عليها عقلي الباطن منذ الطفولة.

ولم تكن هناك أية راقصة في سن الشباب، ربما لأن إتقان الفلامنكو يحتاج إلى نضج وخبرة. ولم تكن هناك أية راقصة نحيفة! أما الراقصون من الرجال فالزى قميص ضيق أبيض أو ملون مع سروال أسود ضيق أيضا ع القبعة التقليدية وحذاء بكعب عالي. يحدث الطرقعة المطلوبة على الأرض مثل كعب وصوت أحذية الراقصات. يمتزج الرقص بحركات عنيفة وإيقاعات لاهثة وكأنها ثورة على القيود أو الأفكار أو ربما الظلم.

ما بين الغناء والرقص وعزف الجيتار والتصفيق اليدوي ذبت بكل حواسي. وعامة. فالموسيقى الإسبانية الفولكلورية ما بين المواويل الغجرية التي تذوقتها في عرض الفلامنكو المرتبطة بالجيتار أو الأغاني ذات الخلفية الأندلسية والمرتبطة بالعود والقريبة جدا من الموسيقى الشمال- إفريقية في بلاد المغرب العربي. فهي كلها موسيقى حميمة جدا سواء كانت تعبر عن الحزن أو الشجن أو الفرح أو الاحتفال. ومن يومها، وهي إحدى ركائز ذائقتي الموسيقية منذ بدأت رحلتي لاكتشاف ذاتي.

***

أما مهرجان الربيع، فهو بلا شك من المناسبات غير العادية: أسبوع من الرقص والأكل والشرب والتواصل الاجتماعي ليل نهار. يسير الناس في الشوارع أو على ظهور الخيل. وداخل الخيام الكثيرة في مكان مهرجان “ريال دي لا فيريا” في منطقة لوس ريميديوس، لا تتوقف المشروبات وأطباق المقبلات (تاباس) مع الأغاني التي تصدح من أجهزة التسجيل أو من أداء حي. وتقام مصارعة ثيران يومية على مدار المهرجان.

وتقام المصارعات في حلبة ريال مايسترانزا، والتي ما إن دخلتها. حتى رأيت بعين خيالي أبطال فيلم دماء ورمال وكأنهم يتحركون حولي في كل مكان في الحجرات والقاعات تحت المدرجات. أو في الحلبة ما بين التصفيق والصراخ. وكان آخر ما زرته قبيل خروجي من المايسترانزا هو الكنيسة الصغيرة. وأنا أتصور نفسي مكان كارمن وهي تصلي من أجل خوان جالاردو. بينما هو في الحلبة يقتله ثور ودماؤه سائلة على الرمال. في الوقت الذي تحتفل فيه دونا سول بفوز عشيقها الجديد.

اقرأ أيضا:

«شنطة سفر»: ليالي الأنس في فيينا (2-2)

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر