«شنطة سفر»: إلياذة أنطاليا
حكاية السفر إلى أنطاليا حكاية غريبة ومغامرة من ضمن المغامرات. كان من المفترض أن تسافر ابنتي أمينة إلى مقدونيا مع فريق الباليه والرقص الحديث، وقبل ميعاد سفرها كنت في جنوب إفريقيا ومش عارفة أقدم على فيزا لمقدونيا مع إني كنت حاجزة تذاكر وإقامة وكل المصاريف كانت مدفوعة بالفعل. وفجأة ولأسباب خارجة عن سياق الحديث، تحولت السفرية إلى أنطاليا، للمشاركة في المسابقة والمهرجان الدولي للرقص والموسيقى والذي يقام في شوارع المدينة. وخسرت كل اللي دفعته، لكني قدرت أخذ فيزا تركيا أون لاين. كان أول سفر ليا على الطيران التركي، وكان الترانزيت في إسطنبول وكانت رحلة آخر بهدلة وسوء تنظيم وكمية أطفال وأولياء أمور لا حصر لهم. وكانت صديقتي ناتالي وبناتها مايا ولارا وصديقتي نرمين وبناتها مايا وتيا معانا في الرحلة. ودة اللي خلاها مغامرة جميلة.
***
الرطوبة في أنطاليا لا توصف. تم تسكيننا في فندق متواضع جدا في منطقة شعبية ليست سياحية. رائحة الحجرات مكمكمة من شدة الرطوبة، ومفيش تكييف والأنوار في الحجرات والممرات تعمل بالحساس. يعني الدنيا ضلمة لحد ما يتعرف عليا الحساس. والفطار كان نوع جبنة بيضاء واحد وبوريك وشاى – فقط! مفيش حد في الفندق بيتكلم إنجليزي، فكان تطبيق ترجمة جوجل هو الحل. التمشية في المنطقة عرفتني شوية بشوية على الحياة المتوسطة في مدن تركيا وعلى الأتراك المتوسطين. وكنا بنقضي ساعات وساعات تنقل في أتوبيس واحد صغير، وكان العدد يحتاج أتوبيسين، علما بأن المسافات كانت قصيرة ممكن نمشيها على رجلينا (أنطاليا كلها فركة كعب). والأتوبيس كان بدون تكييف، والبنات كانت بتفرهد من الحر ومن التكدس. أتعذبنا جدا جدا بسبب سوء التنظيم ولا كان فيه اشتراك في المهرجان ولا غيره، وكان مضحوك علينا، وفي الآخر خلوا البنات ترقص في مدخل مول وسط المحلات واللي رايح واللي جاي. المهم إن البنات فرحت.
لكن دة مش معناه إن الرحلة ماكانتش حلوة من حيث اللي شفته وتعلمته. فأنطاليا هي مدينة تركية “منتجعية” تضم ميناء قديمًا مليئًا باليخوت وشواطئ تحيط بها الفنادق الكبيرة. وبيعبروها بوابة منطقة جنوب البحر الأبيض المتوسط في تركيا، وبيسموها الساحل الفيروزي لأن فعلا بحرها لونه تركواز. وأنطاليا فيها بلاجات وشلالات ومارينا يخوت بترجع للعصر الروماني والكثير من الآثار الرومانية. وهي معرض حي للثقافة التركية التقليدية.
***
أول ما وصلت المنطقة القديمة واسمها “كاليتشي” أو كاليسي حسيت إني كنت هنا قبل كدة. حصل لي “ديجا فو”. أنا كنت هنا قبل كدة، أنا متأكدة. المدينة محاطة بأسوار حجرية وبوابات أشهرها أو ما تبقى منها بوابة هادريان. واللي اتبنت للترحيب بالإمبراطور ووراها حي تاريخي يضم أزقة ضيقة. وتمثل بوابة هادريان التي تعود إلى العصر الروماني محورًا رئيسيًا، وتحيط به مقاهي ومتاجر نابضة بالحياة والمحور دة بيوصل للمينا والمراسي، حيث المشهد الخلاب للقلعة والطابية وتحتها البحر والقوارب ومطاعم للمأكولات البحرية الطازجة. ومن آثار أنطاليا مدينة بيرج القديمة واللي بتضم أطلال واسعة النطاق، وفيها مسرح مدرج (أمفي ثياتر) وحمامات رومانية، ومنطقة تيرميسوس اللي كلها أطلال تاريخية مدمجة في وادي ذو مناظر خلابة، وتوفر مسارًا للمشي لمسافات طويلة بطول 9 كيلو مترات مع لافتات إرشادية بعدة لغات ومنحدرات ومناظر بانورامية وسط الزهور والنباتات والحياة البرية.
وبرج هيديرليك، وهو برج حجري مستدير بناه الرومان في القرن الثاني الميلادي ويتميّز بإطلالات على الخليج من منصتة العلوية.وساعة كوليسي أو كاليسي أو كاليتشي وهي جسم حجري من القرن التاسع بقاعدة خماسية وبرج مزوّد بأربعة وجوه للساعة. وغير الآثار الرومانية والبيزنطية، أنطاليا كمان فيها آثار سلجوقية وعثمانية على طول الطرقات الضيقة وفي وسط الحدائق أو في أركان الشوارع والحدائق. المدينة القديمة كلها فنادق ومطاعم ومحلات لبيع الصور التذكارية وأخرى للحلويات والبهارات والتذكارات اليدوية الجميلة، كلها صنع في تركيا، وكلها رخيصة جدا وأحلى من بعض.
***
في منطقة تشاناكالي، المناظر الطبيعية والجبال الخضرا بتضيع أي إحساس بالرطوبة العالية. ومن أجمل ما زرت هناك هي شلالاتها الجميلة “شلالات كورشونلو” (واللي برضه وصلناها بعد رحلة عناء في الأتوبيس إياه). والشلالات بندخلها من حديقة بتذاكر بسعر رمزي، موجودة وسط غابة الصنوبر جمالها لا يمكن وصفه ولا رسمه. والجميل في الموضوع هو رخص أسعار التذاكر في أي مكان بتذاكر – مش في أنطاليا بس، لكن في تركيا كلها. ودة بيتيح لكل المستويات والأعمار الاستمتاع بكل حتة في بلادهم.
نرجع لشلالات كورشونلو والمنطقة الطبيعية اللي مالهاش أول لها من آخر. وتشمل الحديقة الطبيعية (أو الغابة) العديد من النباتات وأشجار الصفصاف والتين والغار والزان والخيزران والزعتر والزيتون بالإضافة إلى الحيوانات مثل السناجب والأرانب وطيور الهدهد والخفافيش ونقار الخشب وبها أيضا سلاحف مائية. الحديقة بها مناطق مشاة ومناطق شجر تنفع للجولات على الأقدام وللتسلق، وفيها مناطق مستوية بترابيزات مجانية لرواد المنطقة للشوي أو للفرش عالأرض للأسر زي القناطر عندنا زمان. وفيه كمان كافيتريات ومطاعم رخيصة وبدون حد أدنى للطلبات. آلاف الزوار والسياح من مختلف المستويات الاجتماعية كل مجموعة تنبسط بطريقتها وفي حالها.
العجيب بالنسبة لي أنه بالرغم من كل الزحمة دي ما شوفتش ورقة عالأرض. ما شوفتش حد قام وساب وراه كيس ولا كباية ولا منديل ورق. وأحب أشير إلى نظافة الحمامات العامة واللي فيها حمامات بلدي. شرب المياه والوضوء من الحنفيات العامة/النوافير منتشرة في كل مكان. وتشتهر أنطاليا بشلالاتها، ففيه كمان منطقة شلالات “دودن”الليب تلتقي فيها المياه العذبة بالبحر، يا الله على جمال الطبيعة، واللي متصمم فيها مسارات مشي بدون تعدي. وفي منطقة دودن فيه جولات قوارب في البحر.
***
أما بلاجات أنطاليا، فأهمها كونيالتي بلاجلاري (بلاج) شاطئ حصوي واسع يتميز بإطلالات خلابة وممشى نابض بالحياة تصطف على جانبيه مجموعة متنوعة من المطاعم وأماكن الموسيقى الحية، وفيه أماكن كثيرة لشراء أو لتأجير الأحذية المناسبة للمشي على الشاطئ.وبلاج ميرميرلي وهو شاطئ مزدحم في وسط المدينة، بنوصل له من درجات صخرية ويضم مجموعة متنوعة من المطاعم وجولات بالقوارب.وشاطئ أو بلاجإنجيرالتي، وهو مبني على عدة مصاطب ونظيف وأنيق جدا ومجهز بالكامل بأسرة للتشمس ودش وكبائن وبوفيه رخيص. وفيه كمان الأكوا لاند، اللي فيها التزحلق المائي ودولفين لاند موطن الدلافين وأسود البحر والحيتان البيضاء.الشواطئ كلها مجانية، وفيها كافة الخدمات وبيروحها كل أصناف البشر وكل الأديان والمذاهب وكل الأعمار. تلاقي فيها البيكيني وتلاقي فيها البوركيني. ولا حد بيبص ولا حد بيضايق حد، ولا صوت أغاني مهرجانات عالية ولا إتاوات كراسي وترابيزات.
من أهم مزارات أنطاليا هو متحفها (متحف أنطاليا للأركيولوجي) اللي بيعرض قطع أثرية من عصور ما قبل التاريخ وحتى القرن التاسع عشر، ومنحوتات قديمة ومنسوجات ومخطوطات. المتحف تصميمه المعماري جميل جدا، وله وحديقة كبيرة جميلة وهادئة وله محل بيبيع تذكارات من مقتنيات المتحف بأسعار معقولة جدا. أول ما دخلت المتحف وسمعت الشرح في الجهاز بالسماعات حسيت إني في فيلم تروي (طروادة) وإني رجعت بالزمن كام قرن قبل الميلاد. وبالرغم من أن العلماء أثبتوا أن مدينة طروادة تقع في منطقة شمال غرب تركيا، بالقرب من مرمرة والدردنيل، وتقع أنطاليا في جنوب تركيا على البحر المتوسط، إلا إني فعلا حسيت إني هناك. حسيت فيه تشابه كبير.
***
ولأنها بلد سياحية بالدرجة الأولي، فأهلها لطاف جدا في معاملة السياح وخاصة الأطفال والسيدات، وحصل لنا كذا موقف في المترو، نقص أو انتهاء صلاحية التذاكر مش فاكرة، وكانوا بيسمحوا لنا نركب عشان كنا مجموعة سيدات ومعانا بناتنا الصغيرين. وفي أسواق المدينة السكنية وبالرغم من ندرة أهل المدينة من المتحدثين بالإنجليزية، لكن التسهيلات الموجودة كانت بالنسبة لي مذهلة بالنسبة لأنطاليا “البلد” مش حتى أنطاليا السياحية. أعمدة الإشارات في بعض الشوارع فيها زرار نطلب منه تاكسي. التاكسيات ملتزمة بالدور والعداد حتى لو حيعدي بينا الشارع بس. المحلات البسيطة زي محلات الحلويات والمقلة بيعزموا علينا بكميات كبيرة، وأذكر مرة منها كيسين كبار مليانين خروب، وكذلك مرة تانية عالبلاج على عربية (مقلة) متنقلة فول سوداني وبطاطا وخلافه. وفي أنطاليا زي ما في كل تركيا، عربيات وبياعين مشروبات وأكل وفاكهة في كل حتة. كله نظيف فل وكله بأسعار في متناول الجميع.
وفي أنطاليا “البلد” خضرة وحدائق كتير. استمتعنا جدا في حديقة كاراليوغلو، كلها مساحات خضراء منسقة وآخرها شرفة بانورامية توفر إطلالات على البحر وتليسكوبات نشوف منها أنطاليا بالكامل وفيها وأطلال برج حجري روماني. وفيه حديقة تينيفوس، ودي حديقة حلوة للأطفال والكبار، على طراز فلينتستون (شخصيات كرتونية من العصر الحجري) وفيها حبال تسلق (زيب لاين) وجولات بالقطار الصغير (الطفطف)، بالإضافة إلى الزحاليق والنطاطات. فيه كمان حديقة يليم وهي على قمة منحدر كله بأشجار النخيل وفيها مسار للدراجات وإطلالات على البحر، وفيها منطقة لتدريب الكلاب. جميع الحدائق دخولها بالمجان، وفي الحدائق ألعاب أطفال بالمجان، وأكشاك أكل ومرطبات زي الفل وبأسعار رخيصة جدا. معاملتنا كسياح ومعاملة الأطفال ودلعهم فوق الوصف. والكرم في الكميات وعرض الآيس كريم المستكة اللي بيمط ما بيروحش من بالي.
***
وكل ما بفتكر زيارتي لأنطاليا بروادني إحساس إني كنت هنا قبل كده. فيه حاجة غريبة بتربطني بالمدينة دي وبتاريخها وعمارتها وقلعتها ومينائها وحدائها وتماثيلها زي الملحمة. كل شبر منها مليان حكايات. زي إلياذة هوميروس، مجموعة أحداث ومجموعة أبطال ومجموعة آثار مستخبية وقصص حرب وحب وكره وبطولة بين البشر والآلهة.ومازالت مدن هذه المنطقة على قائمة استكشافاتي القادمة إن شاء الله.
اقرأ أيضا:
«شنطة سفر» السوق الأخضر في بلجراد (3-3)