«شنطة سفر»: أمان للسيدات المسافرات وحدهن(2-2)

من الحاجات الحلوة في إسطنبول (وفي معظم المدن التركية) هي حبهم للمصريين. لما بنتي أمينة كانت معايا، ويعرفوا أنها من “ميسير” وأن اسمها “أمينِة” حسب نطقهم، كان لازم يدلعوها، يعزموا عليها بأي حاجة، حاجة حلوة، تذكار، أي حاجة. والأتراك كمان شداد وما بيعجهمش العجب وما بيسكتوش.

أفتكر مرة كنا بنتمشى وسألنا راجل (بالنسبة لي كبير سنا) إزاي نروح محطة اسمها أمينونو، شاور لنا عالاتجاه وقال إنها بعد محطتين مترو، طب فين محطة المترو يا عم، قام انفعل ووشه أحمر وقال بشخط: “مشي، محطتين مترو مشي، هو أنتوا عواجيز؟!”. ومن ساعتها أبتديت آخد بالي من إيقاعهم في المشي واتكسفت جدا من نفسي. البسكوت التركي في منتهى الطعامة، ومتنوع المذاق والمقاس ومغلف بمنتهى الجمال، ولما رجعت بعد أول سفرية فرحت جدا إني لقيته في مصر وبسعر رخيص، لكن في نفس الوقت زعلت جدا لأنه غطى على كتير من المنتجات المصرية، لحد ما شركة كورونا شدت حيلها منذ سنوات قليلة. وأتمنى بسكو مصر كمان ينوع منتجاته الرائعة ويطور التغليف ويزيد الدعاية ويتصدر للعالم كله.

***

تعالوا نتكلم شوية عن المزارات السياحية. والبداية تاريخيا ومكانيا لآية صوفيا أكيد. لكن أنا مش عايزة “أهري في المهري” وأوصف ما هو موجود في الكتب والنت. عايزة أحكي عالمنطقة، عالتسهيلات السياحية، عالأسعار المحددة، على عدم مضايقة السياح، عالنظافة، عالأكل الرخيص، عالفاكهة والعصير اللي زي الفل وبرخص التراب، على التذكارات اليدوية “صنع إيديا وحياة عينيا” مش “صنع في الصين”، عن حريتي كسائحة في الاستمتاع بالمكان والجلوس للتأمل على الدكك الكثيرة النظيفة المنتشرة أو على المناطق الخضرا، على التحرك بحرية من مكان للتاني بدون أسوار أو موانع ولا نقط تفتيش.

ومن آيا صوفيا للسلطان أحمد إزاي الدنيا نظيفة كدة؟ وأحزن قوي لما استرجع فناء جامع محمد على في القلعة ولون الرخام الذي تحول إلى رمادي مائل إلى البني بسبب قلة النظافة، واللي مكسور واللي مقفول واللي مسدود بحبل وزبالة “إيفري وير” ويوجعني قلبي على حال بلدي بالمقارنة. ومما أغاظني جدا عند السلطان أحمد وجود اللوحات الإرشادية بعدة لغات مش لسرد حكاية الجامع، لكن لشرح منهج المشروع الترميمي الذي كان يحدث هناك في إحدى زياراتي له والتي صاحبتها كمية من اللوحات والصور الفوتوغرافية كبيرة الحجم، ولم انتبه أساسا لوجود أعمال الترميم لأن المكان يعج بالسياح والمصلين وكالعادة في منتهى النظافة ومفيش ممنوع ومفيش كل سنة وأنتي طيبة ومفيش شحاتين رزلا ولا تلزيق ولا تحرش.

***

أما ما أبهرني فهو مجمع السليمانية. وهو مجمع اجتماعي ثقافي إسلامي مركزه جامع السلطان سليمان القانوني. ويحوي ضريحه وزوجته بأربعة مآذن بأحجام مزدوجة ومختلفة وحوله وحي سكني مزوّد بنظام متميّز ومتقدم جدا للتغذية وصرف المياه. وأمام المدخل الرئيسي للمسجد مستشفى وعمارة وفنادق. وعلى طول الشارعين الجانبين المتوازيين مدرستان مزدوجتان ومدرسة طبية، وحمامات ونافورة كبيرة ومدرسة قرآن وضريح متواضع للمعماري الفذ ورا هذا البناء العظيم “المعمار سنان” والذي ترك تراثا كبيرا من المباني ونظريات العمارة. وبالمناسبة تم تغيير اسم أكاديمية الفنون في إسطنبول إلى “جامعة معمار سنان للفنون الجميلة“.

وقد صمم وبني المعمار سنان وقت السلطان سليمان وعدة سلاطين من بعده (سليم الأول وسليم الثاني ومراد الثالث) مجمّعات في مختلف الأماكن من الإمبراطورية العثمانية. برغم عنف الأتراك وأطماعهم الاستعمارية في الهيمنة على العالم، وبرغم دمويتهم التي يقر بها التاريخ، وبالرغم من تحيزي لعمارتنا المملوكية والتي ليس لها من وجهة نظري مثيل في تصميمها وفن وعظمة تشييد وجمال (ورقة وإنسانية في حالة العمارة المملوكية البرجية)– إلا أنه من غير المنصف تجنب الإشارة إلى عظمة المعمار سنان.

ولغير المعماريين أن يراجعوا تاريخه وشغفه منذ صغره لشق قنوات المياه في الحدائق، وبناء الأكواخ وحظائر الحيوانات وانتقاله إلى العاصمة. حيث تلقى تعليمه في إحدى مدارسها، والتحق بمدرسة ابتدائية وفيها تعلم القراءة والكتابة والفنون التطبيقية وتخصص في النجارة. ثم استكمل تعليمه في «الأوجاق» أو مدرسة العمارة التي تربى فيها كبار المعماريين ممن شيدوا أعظم الآثار في تاريخ العمارة العثمانية والعالمية، وتشييده لسفن النقل العسكري قبل تعيينه كبير معماريي الخاصة السلطانية.

***

حلقات بناء مجمع السليمانية جت في مسلسل حريم السلطان بالتفصيل، ولم يغفل صناع المسلسل الإشارة إلى ما أضاف المعمار سنان إلى ثقافة البناء مما قام بتصميمه وتجريبه لاختباره حتى أتقنه وصار تقليدا معماريا؛ من المقرنصات العازلة أو العاكسة للصوت حسب الحاجة داخل حيز المسجد، وتطويعه لمواد البناء وعدة أشياء أخرى. وربما يعكس ذلك الوعي بدور المعماري وتعليمه في تركيا منذ العصور الوسطى.

بينما لا نذكر هنا في مصر من معمارينا إلا سعيد بن كاتب الفرغاني، معماري جامع ابن طولون، ومحمد بن بيليك المحسني معماري مدرسة السلطان حسن – ولا تتداول هذه الأسماء إلا في دوائر المتخصصين، بل ولا يعرف معظم أهل المحروسة اسم معماري واحد لا من السالفين ولا من المعاصرين إلا اللهم حسن فتحي الذي يدور اسمه في دوائر المثقفين.

نرجع تاني للمزارات السياحية، فنذكر ميدان تقسيم (التحرير بتاعهم) والموجود منذ أيام السلطان محمود العثماني في القرن السادس عشر. سهولة تحرك المشاة ووجود الباعة الجائلين فيه لبيع التذكارات، أو بيع الأكل السريع النظيف أو الفاكهة النظيفة المغلفة أو الشاي أو بائعي الورد أو الترام اللي بيعزف موسيقى وبيلف ويركبوه الأطفال والكبار بالمجان، أو الأراجوز اللي بيلاعب الأطفال ولا يجبرك على الدفع و”كل سنة وأنت طيبة يا مدام”، ربنا يفرحك بيهم، كل دة بيزود من رمزية الميدان وبيجذب الناس من المواطنين والسياح للاحتفاء بالميدان الرئيس في المدينة، ويسترجعون فيه ذكريات الثورات والوقفات الاحتجاجية وتزيد الرغبة في التصوير فيه في وقت السلم وخاصة عند النصب التذكاري الذي يتوسط منطقة المشاة والذي بني للاحتفال بالتحول إلى الدولة المدنية الديمقراطية.

***
المأكولات البحرية في مطعم كوبري جلاطة
المأكولات البحرية في مطعم كوبري جلاطة

نمط آخر للفسحة وللاستمتاع في إسطنبول هو الأكل. المطبخ التركي لا يعلى عليه وقد أثر على مطبخ جميع بلاد شرق أوروبا وشرق البحر المتوسط وبالطبع مصر. ولا أستطيع التمييز بين الأحلى: اللحوم (وأغلبها ضاني) ولا الأسماك، ولا المخبوزات ولا الحلويات الشرقية ولا الأجبان؟! الكباب والشاورما والمعجنات ومنتجات الباذنجان واليبرق (ورق العنب) ومن الحلويات البقلاوة بكل أشكالها وألوانها وتليها الكنافة وكله متوافر بمقاسات متنوعة لحد اللقم ومحلات حافظ مصطفى هي الأشهر.

من أجمل مناطق المطاعم هي كوبري جلاطة، وأنصح فيه بالمأكولات البحرية. ومع أو بعد الأكل لابد من مشروب العيران للهضم. وبخصوص المشروبات أيضا، فهناك مشروب الراكي الكحولي بالينسون. وهو المشروب الوطني في تركيا وهو أيضا فاتح شهية، ويضاف إليه الماء حتى يتحول لونه أبيض معكر.

ومن المزارات الهامة قصر ومتحف توب كابي والبازار الكبير ورحلة جزر الأميرات بالمركب في البوسيفور. ولزائر تركيا عامة وإسطنبول خاصة توصيتين، الأولى هي الحمام التركي والثانية هي حلقات السماع. لكن تركيا مش إسطنبول. تركيا محتاجة كذا شهر من اللف بين كل مدينة والثانية وحسب المنطقة الجغرافية. مدن ساحل البحر المتوسط، وعلى رأسها أنطاليا، مدن الأناضول وعلى رأسها العاصمة أنقرة وبعدها قونية ونفسهير وكابادوكيا، بورصة وترابزون وأزمير وفتحية ومرمرة وبودروم وديار بكير، وغيرها. منها اللي زرته واللي لسه على قائمتي.

اقرأ أيضا:

«شنطة سفر»: أمان للسيدات المسافرات وحدهن (1-2)

مشاركة
المقالات والآراء المنشورة لا تعبر عن رأي الموقع بالضرورة، بل تعبر عن رأي أصحابها
زر الذهاب إلى الأعلى
باب مصر