شم النسيم ورمزية البيض الملون: العادة والعبادة
الفرق بين العادة والعبادة دقيقٌ، ومراوغ، ومتقلِّبٌ، وكثيرا ما يصعب الفصل بينهما. فبعضنا يصوم أو يصلي لأنه تعود على الصلاة والصيام، وغالبا ما تكون عبادته خالية من الخشوع الجواني العميق. وبعضنا ينقطع عن الصلاة رغم رغبته في الحفاظ عليها، لأنه لم ينجح في تحويلها إلى عادة، ولهذا يعاني من التمزق بين الرغبة الجوانية العميقة والسلوك العملي، يتمنى الحفاظ على أداء الصلاة، لكنه لا يفعل، والسبب هو عدم تحويل أداء الصلاة إلى عادة، تجعله يقوم إليها بتلقائية ويُسر.
كل العادات التقليدية لها أصل ديني، أي كانت في الأساس عبادات، لكنها انقطعت عن ذلك الأصل وتحولت ومن فضاء المقدس إلى فضاء الدنيوي، والفارق بين العادة والعبادة لا نعثر عليه في المظاهر الخارجية، بل في طاقتها الرمزية، في شيء جواني عميق، قد يتعذر رصده، ولهذا يظهر التداخل بين العادة والعبادة.
**
بعض العبادات تتحول إلى عادات اجتماعية، ويمكن إعادة شحنها دينيا مرة أخرى، لتعود إلى عبادة جديدة، تختلف عن الأصل، وإن اتفقت معه في المظاهر الخارجية، كما هو الاحتفال بشم النسيم، فهوة عادة إسلامية لاقتصاره على البعد الاحتفالي والجمالي، وعبادة مسيحية بسبب شحن مظاهر الاحتفال بأفكار ترتبط بالعقيدة المسحية، ويظهر ذلك في سلوك مثل تلوين البيض.
تأخذ رمزية تلوين البيض دلالاتها المسيحية من السياق العام من ناحية، ومن علاقتها بالمعتقد الديني من ناحية أخرى.
تلوين البيض بالنسبة للمسلم يأتي منفصلا عن السياق الديني، بخلاف الأمر بالنسبة للمسيحي، حيث يأتي شم النسيم في سياق الأعياد المسيحية التي تبدأ بعيد القيامة وتنتهي بعيد العنصرة، ويتخللها في اليوم الأربعين لعيد القيامة عيد الصعود (أي صعود السيد المسيح إلى السماء). ومن ثم تعتبر فترة الخماسين بالكامل فترة ابتهاج وفرح عند المسيحيين، ولذلك لا يجوز الصوم فيها.
**
لا ينفصل شم النسيم بالنسبة للمسيحي عن عيد القيامة، وهو عيد الربيع منذ أيام المصريين القدماء، وعندما اعتنقت مصر المسيحية تم شحن “شم النسيم” بدلالات رمزية ترتبط بالعقيدة من ناحية، وظروفهم الحياتية من ناحية أخرى.
يذهب رياض سوريال في كتابه “المجتمع القبطي في القرن التاسع عشر” إلى أن عيد شم النسيم كان يقع في اليوم الكبير فجعله المسيحيون في اليوم التالي ليكثر ابتهاجهم بالعيدين، وحتى يكون في وقت الإفطار، وقد ساروا على هذا المنهج إلى الآن.
ويعتبر شم النسيم عند المسيحيين عيدا قوميا ودينيا فهو عيد الربيع الذي تحتفل فيه البلاد من ناحية، وفيه قداس شم النسيم وهو تذكار ظهور السيد المسيح لاثنين من تلاميذه بعد قيامته في فجر الأحد، وقد جرت عادة المسيحيين أن يكسروا بصلة ويشموها، وأن يضعوا بصلة على عتبة الدار، وكانت عادة تعليق البصل شائعة عند الفراعنة أيضا.
يرمز بيض شم النسيم ـ كما يقول رياض سوريال ـ إلى قيامة السيد المسيح من الموت، فقشرة البيض تشبه القبر، وتعتبر البيضة أصل الحياة، فكما أن فرخ الدجاج هو الذي ينقر البيضة بمنقاره ويخرج منها مكتسبا الحياة، هكذا السيد المسيح استعمل سلطانه على الموت وتخطى حواجز القبر وخرج منه حيا، أما تلوين البيض فهو علامة الفرح والابتهاج بقيامة السيد المسيح.
**
هكذا يظهر الفارق بين العادة والعبادة من خلال تلوين بيض شم النسيم، فهوة عادة بالنسبة للمسلم والمسيحي تأسيسا على جذوره المصرية القديمة، والاحتفال الإنساني بموسم الربيع، لكنه بالنسبة للمسيحي يعتبر سلوكا مركبا، يجمع بين العادة والعبادة في نفس الوقت.
المظاهر الخارجية لتلوين بيض شم النسيم تتطابق عند المصريين جميعا، والعبرة في العبادة بالحالة الجوانية للمُحْتَفِل، فإن ارتبط تلوين البيض برمزية قبر المسيح، وتذكار ظهوره لاثنين من تلاميذه بعد قيامته في فجر الأحد فهو عبادة، وإن لم يرتبط بها فهو عادة، سواء أكان المحتفل مسيحيا أو مسلما، وفي تلك الحالة يكتسب تلوين البيض قيمته بوصفه طقسا اجتماعيا تقف حدوده عند أبعاده الجمالية والترويحية.
تلوين البيض في ظل ارتباطه بمعتقد يصبح أكثر قوة واستمرارية وتأثيرا في الوجدان، وكما تقوم العادة بالحفاظ على المعتقد، يقوم الأخير بالحفاظ عليها، وترسيخها، وتعميق قيمتها الوجدانية وفق نصيب المُحْتَفِل من زيادة الإيمان أو نقصانه.
اقرأ أيضا
«المسحراتي»: مُنْشدُ النساء وراوي القصص البذيئة