البطل “شكوكو” صانع الحلويات.. 30 عامًا بين “جزيرة الشيطان” و”ميت سلسيل”
تصوير – محمود الحفناوي
في ميت سلسيل بمحافظة الدقهلية كانت وجهتنا للبحث عن عائلة البطل محمود بكر، أحد المحاربين القدامى، بطل قصة “عائد من جزيرة الشيطان”.
يشار إلى أن “جزيرة الشيطان” تقع على بعد حوالي 6 ميل بحري من شاطئ غويانا الفرنسية. تقدر مساحتها بـ34.6 فدان. كانت جزءا صغيرا من مستعمرة العقوبات الفرنسية “سيئة السمعة” في غويانا الفرنسية حتى عام 1952.
كانت “ولاد البلد” نشرت عرضًا لرواية “عائد من جزيرة الشيطان” التي تحكي عن حياة محمود بكر، وكيف نُفي إلى “جريزة الشيطان”، ثم عاد بعد 30 عامًا إلى مصر، ليحارب مع الجيش العربي في 1948.
اقرأ المزيد من هنا: حكاية “العائد من جزيرة الشيطان”
بمحض الصدفة، عرفنا أن أحد كبار السن عبد الحميد عثمان، البالغ من العمر 78 عاما، عاصر حياة البطل محمود بكر، ليقودنا بدوره إلى منزل الأحفاد.
أمام باب المنزل، كانت أمل مجاهد محمود بكر، 44 عامًا، تستقبلنا مع أشقائها سامح، مدرس رياضيات، ومحمد.
بدأ الحوار سريعًا عن البطل، الحكايات كثيرة، وفي جعبة الأحفاد روايات لا تنتهي، تقول أمل، الحفيدة الكبرى لبكر توفى جدي بعد مرور عام واحد من ولادتي عام 1972، ودُفن في القاهرة لكن لا أحد يعرف أين مقبرته تحديدًا.
تتابع “كثيرًا ما قصت علي والدتي عن روايات جدي محمود، هذه الحكايات التي لا يصدقها عقل.
في فترة مرض بكر بدأ تدوين مذكراته في دفتر مستعينًا بنجله مجاهد، وهو ما نُشر فيما بعد في رواية أعدها الكاتب علي الدشناوي تحت اسم “عائد من جزيرة الشيطان”، تقول أمل “لكن الصياغة تختلف بكل تأكيد، فجدي كان يحكي على طبيعته، أما المؤلف فقد سجل ذلك مضيفًا إليه تعديلات في الصياغة، لكن الأحداث والشخصية هي هي”.
تقول أمل “كان جدي طفلًا عندما اختطف من مدينة ميت سلسيل، بواسطة أحد الجنود الإنجليز، كان ذلك تقريبًاعام 1917، ثم أرسل إلى إحدى العريش في مدينة رمانة، ليعمل في حفر الخنادق هناك”.
تابع بعد رحلة “مرار وتعذيب” استطاع أن يهرب إلى فلسطين عام 1924، ويحارب بها أيام السلطة العسكرية، ثم توجه بعد ذلك إلى سوريا واشترك في الحرب بها أيام الاحتلال الفرنسي، تحت قيادة القائد إبراهيم هنانو.
20 عامًا في “جزيرة الشيطان”
كانت وظيفة بكر هناك سرقة السلاح من المستعمرات الفرنسية، وفى إحدى المرات ألقي القبض عليه وحكم عليه بالإعدام، ثم خفف الحكم إلى النفي مدى الحياه إلى جزيرة الشيطان الفرنسية، وظل هناك إلى أن عاد إلى منزل أخته بميت سلسيل عام 1947، ثم عاد للنضال من جديد في حرب فلسطين عام 1948 تحت قيادة البطل أحمد عبد العزيز، وكمال الدين حسين، وأحمد فوزي، تقول أمل “لدينا صورة تذكارية لجدي مع هؤلاء الأبطال”.
تقول أمل إن جدها عاش أسوأ أنواع التعذيب داخل جزيرة الشيطان، وبعد مرور 4 سنوات داخل الجزيرة فكر جدها في الانتحار، لكن عدل عن الفكرة واستطاع الهرب بصحبة صديقه المغربي من الجزيرة، الذي غرق في الرمال المتحركة.
رحلة الهروب
تستكمل أمل استنادا لحديث والدتها، “أسوأ موقف حدث لجدي أن فقد صديقه المغربي في الرمال المتحركة دون أن يساعده بأي شيء أو يحاول إنقاذه ولكن استمر في الهرب من خلال غابات ونهر الأمازون المليء بالتماسيح.
هنا يقاطعها شقيقها الأصغر سامح الذي قرأ إحدى مغامرات جده بالكراسة التي بحوزتهم، يقول إن جده أثناء هروبه مع زملائه قطعوا أشجار “جوز الهند الكبيرة” وجوفوها لتكون شبه المركب للإبحار في بحيرات التماسيح خلال رحلة الهروب.
ويعود الحديث لأمل، “بعد ذلك استقر جدي وسط الهنود الحمر، لكنهم خانوه وأبلغوا عنه، ليعود إلى السجن مرة أخرى بجزيرة الشيطان، وبعد مرور 5 سنوات استطاع الهرب مرة أخرى وتوجه إلى إندونيسيا وتزوج هناك من إندونيسية وأنجب منها، ليعمل هناك في الحقول، لكن ألقي القبض عليه مرة أخرى ووضع تحت مسمى “معتقل خطر”، إلى أن توسط حماه الإندونيسي لدى الحاكم الفرنسي ليحوله من معتقل خطر إلى معتقل حر.
المناضل يتعلم الحلويات
وتستكمل “من خلال معاشرة جدي للسوريين تعلم منهم صنع الحلويات والأطعمة، فعمل طاهيا لدى الحاكم الفرنسي، إلى أن جاءت بداية الحرب العالمية الثانية وعرض عليه أن يختار مستعمرة تابعة للفرنسيين ليعيش فيها باعتباره مصري، فاختار جدي أن ينتقل إلى الترينداد وعاش هناك فترة وتزوج هندية مسلمة، وظل بها حتى تعرف على مجموعة من السوريين ساعدوه للعيش هناك تكريما بعد أن عرفوا مشاركته لهنانو”.
وتختم أمل حديثها: بعد رحلة العذاب والمشقة حتى عام 1947، عاد جدي من ميناء مارسيليا بالباخرة إلى قريته بميت سلسيل، لكن حتى الآن لا نعرف من شقيقته أو أي أشخاص تربطنا بهم قرابة، كما أن والدي كان الابن الوحيد له.
البطل “شكوكو” صانع “المشبك”
ويلتقط الحديث مرة أخرى الحفيد الأصغر سامح، يقول: اشتهر جدي بعمل الحلويات، وأطلق عليه أهل القرية اسم “محمود شكوكو”، لكثرة مرحه وقتها بين الأهالي، واستطاع أن يفتتح محلا لعمل الحلويات كان أهمها “المشبك”.
ويستكمل سامح، موقف شهير لوالدته، التي كانت تخفي خطابات مرسلة الخارج من إحدى زوجاته، وبها خصلات من شعرها، بدافع الغيرة، ولتبعد جدي عن التفكير في العودة إليها.
محمد عبد المجيد البرمبالي، يبلغ من العمر 95 عاما، ومعه عبدالحميد عثمان، الكفيف السبعيني، يتفقا أن بكر اشتهر بلقب “شكوكو” لخفة ظله، هذا بجانب أخلاقه الحسنة، ومعاملته الطيبة للناس وكرمه.
المستندات التي بحوزة الأحفاد بها عدة فاكسات كان يرسلها بكر إلى الرئيس أنور السادات، مطالبا بمعاش اجتماعي.
وحصلت “ولاد البلد” على صورة من أصل شهادة صادرة عن جامعة الدول العربية في 13 ديسمبر عام 1971 تشهد بأن محمود على بكر، كان ضمن متطوعي جامعة الدول العربية المصريين في حرب فلسطين عام 1948، وعلى صورة من شكاوى مرسلة لهيئة الشؤون المعنوية
بينما يطالب أحفاد محمود بكر، المسؤولين بتكريم جدهم، لبطولته في حروب فلسطين وسوريا أيام الوحدة الوطنية، وإطلاق اسمه على مدرسة أو على أي شارع، وبحسب قولهم فقد ظلم جدهم في حياته، ولم يحصل على معاش من الدولة أو حتى شقة سكنية كان يطالب بأي منهما أيام السبعينات.
تعليق واحد