"شتاء أخضر دافئ".. رواية المهاجرين إلى الشمال الأوروبي
كتب: عصام محمد جميل
في الأسابيع القليلة الماضية من بداية نهاية الشتاء البارد والقارص، في صقيع طويل لم نعتدهُ كأجانب أو حتى لاجئين وفدوا إلى المملكة النروجية البعيدة والنائية على البحر الشمالي الأوروبي، الذي يتمتع بمناخ مختلف عن كل أصقاع المعمورة.
بينما كنّا نجتمع في مكان ما لحضور ندوةٍ ثقافية قد دُعينا إليها وكنا مجموعة بسيطة ومتواضعة، من الذين يحبون القراءة والكتابة والنقاش الثقافي الخالي من التعصب الفكري والخلفيات الدينية، التي نحملها في داخلنا مهما تطور فكرنا وعقلنا وادعاءنا بأننا متحررين ومتحضرين من شوائب العفن والتخلف الطائفي والمذهبي، الذي يواجهنا في هذه الأيام أكثر من أي وقت مضي.
كان الدكتور”خزعل الماجدي” من العراق قد تبادل الروايات معنا، وكنتُ قدمتُ لَهُ كتابي “مسارات اغترابية”، وكان الروائي المصري أحمد الشريف أهداني روايتهُ الأخيرة، وتبادلتُ معهُ ووقعتُ لَهُ كتابيّ الذي يتناول أحداث مؤلمة عن لبنان والشرق الأوسط عندما قلبت صفحات روايتهُ، انتابني الفضول فسألتهُ: هل تحبُ أن أكتب عنها بحرية كاملة نقدًا روائيًا أم أدبًا عربيًا يتخللهُ المجاملات؟ أجابني: ألا أتجاوز المعقول في النقد، بكل تحبب وتبسم، قائلا: يا صديقي نَحْنُ في مسار واحد ونهج واحد وطريق ثقافي واحد، اكتب ما لديك سلبًا وإيجابًا.
روايته التي تحمل اسم “شتاء أخضر دافئ” يتحدث من خلالها عن الدخول في اليوم الأول إلى الشمال الأوربي في الدنمارك والسويد، وصولًا إلى أوسلو، وما عاناه من مشقات وعقبات جمة على الأصعدة الكافة، ومنها اللغة النروجية الصعبة، وعن الاندماج في المجتمع النرويجي الذي كان حافزًا أساسيا في حياة الروائي.
لكن على ما بدي لي عندما قرأت الرواية، منذ دخولهِ الى المدارس وساحات العمل والفرص القليلة التي واجهها للحصول على عمل ثابت كان أساسها الرفض، لأننا جميعًا نفتقد اللهجة واللكنة النروجية، مهما تعمقنا في توسع شامل لتعلمها.
أما عندما يتخذ الأستاذ أحمد في سردهِ الشيق والتفاصيل الصغيرة عن الواقع الأليم والدقيق في معاناتهِ عن حياة ونمط اللاجئين الجدد الوافدين من العالم العربي والإسلامي خصوصًا، وجد صعوبةً وتحد لا معني لَهُ إلا نظرةً واحدةً وهي “العنصرية”، وإن لم نقر بها نَحْنُ جميعًا، ولكننا نواجهها مهما تخبأنا خلف أناملنا وأصابعنا.
وقد جذبني موقعًا مهمًا في الرواية عندما كان يتساءل بعضهم عن مسابقة المعرفة، حول المجتمع العام النروجي مثلًا ما اسم الملك أو رئيس الوزراء أو مساحة النرويج أو النشيد الوطني، ومسائل أخرى يجب أن نعرفها خصوصًا إذا ما كنّا نريد أن تعيش ما تبقي لنا من حياة في هذا البلد المضياف.
الغربة الثقيلة التي استشفيتها من كاتبنا في حكي المسارات اليومية، التي نعانيها في تخبط لا يوجد مبرر واحدٌ لتجاوزها سوى الاندماج وهذا أبعد من بعيد، لكنني أوجه نقدً إلى الرواية التي برع الروائى أحمد الشريف، في سردها منذ صفحتها الأولى حتى صفحاتها الأخيرة، فنجدهُ عند زياراته المتكررة للأماكن في العاصمة أوسلو، والمدارس والمعاهد التي تعلم فيها أو بعض المدن القريبة والبعيدة قليلًا، فهو يجازف في نقل صورة حية وواقعية لكل مغترب ولاجئ سياسي أو حتى تلامذة أو طلاب جامعات، وقد وضعهم جميعًا في قالب واحد وهو محاولة “الاندماج الفاشل” حسب رأيّي واراء الكثيرين من أمثال الكاتب.
نعم كتب عن أسماء المواقع ومحطات المترو والمناطق المتعددة، وأنا أعتبر ذكر المناطق وأسمائها مهمة لكل من يدري ويعيش ويعرفها، وربما قد يضحك قليلًا أو يبتسم مثلًا عند لفظ “ستوتنجا” أي محطة المترو الرئيسية “ستور تنغة” أو “يبانترغة” أي “يارني بان تورغة” من هنا وجدت معاناة الروائى عن حقيقة وصعوبة اللهجة النروجية، ومحاولتنا كأجانب نطقها سليمًا مع لثغة في النطق.
أخيرًا هناك قول متعارفٌ عليه منذ عهد النهضة والنمو والتطور الثقافي العربي بأن مصر تكتب، ولبنان ينشر ويطبع، والعراق يقرأ.
3 تعليقات